هل تخرج اليونان من الاتحاد الأوروبي؟

03:24 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.غسان العزي

تتخبط اليونان منذ خمس سنوات في حبائل أزمة مالية مستعصية لم تنفع معها المساعدات الدولية والأوروبية وخطط الحكومات اليونانية المتعاقبة. وقد خاض زعيم «حزب سيريزا» اليساري الراديكالي ألكسي تسيبراس معركته الانتخابية التشريعية في نهاية العام المنصرم على أساس رفض الخطط التقشفية التي فرضها الدائنون على بلاده، وانتُخب على هذا الأساس. ومنذ وصوله إلى السلطة، في يناير/ كانون الثاني الماضي وهو يتفاوض مع الدائنين حول تسوية تتيح التخفيف من عبء الديون على بلاده وفي الوقت نفسه استفادتها من مساعدات جديدة. وفي ٢٠ يناير/ كانون الثاني الماضي تم التوصل إلى اتفاق مبادئ التزمت
أثينا بموجبه تقديم لائحة بالإصلاحات البنيوية التي تعتزم تطبيقها إلى المؤسسات (صندوق النقد الدولي، المفوضية الأوروبية والمصرف المركزي الأوروبي) في مقابل حصولها على الدفعة المتبقية من برنامج المساعدة الدولية المقر في العام ٢٠١٢ والذي تم تجميده.
لكن اللائحة التي تقدمت بها أثينا لم تلقَ رضا المؤسسات المذكورة لاسيما صندوق النقد الدولي. من جهته الكسي تسيبراس، الذي وعد ناخبيه برفض برامج التقشف، اعتبر أن التنازلات التي قدمتها حكومته كافية ولا تستطيع تقديم المزيد منها. وأثينا التي لم تتلقَ أي مساعدة مالية منذ صيف العام الماضي تحتاج إلى ٧، ٢ مليار يورو على وجه السرعة كي تدفع ما يستحق عليها من أقساط في الأسابيع القليلة المقبلة. وفي غياب اتفاق مع المؤسسات الدائنة، قبل نهاية الشهر الجاري، فإنها ستضحي عاجزة عن سداد ديونها، وبتعبير آخر مفلسة. وقد أعلن وزير الاقتصاد اليوناني جورج ستاثاكيس بأنه في هذه الحالة فإن «اليونان والاتحاد الأوروبي سيدخلان في نفق مجهول»، ويصبح خروجها من منطقة اليورو مسألة وقت قريب جداً. ولكن هل تستطيع اليونان الانسحاب فعلاً من اليورو، وبأي ثمن وأية تداعيات؟
يتفادى الأوروبيون الخوض في مثل هذا النقاش، وهم جميعاً يعارضون ما يسمونه «غريكست» أي خروج اليونان من اليورو. لكن صندوق النقد يبقى على تزمته ولا يهمه مثل هذا الخروج، إذ إن مديرته كريستين لاغارد توقعت أن يكون مثل هذا الخروج «أمراً محتملاً، وهو لا يعني البتة نهاية اليورو».
من الناحية القانونية لا تقول المعاهدات الأوروبية شيئاً عن إمكانية مغادرة دولة عضو لمنطقة اليورو. بل إن الناطقة باسم المفوضية الأوروبية آنيكا برندهارت أعلنت، في جواب عن سؤال يتعلق بإمكانية خروج اليونان من العملة الموحدة، بأن الانتماء إلى اليورو أمر لا يمكن العودة عنه.
لكن صحيفة «دير شبيغل» الألمانية كتبت في ٣ يناير/ كانون الثاني الماضي معتمدة على «مصادر قريبة من الحكومة الألمانية» بأن المستشارة أنجيلا ميركل تعتبر أن خروج اليونان من
اليورو أمر يصعب تفاديه في حال فوز حزب سيريزا اليساري المناهض للتقشف في الانتخابات التشريعية اليونانية. وهذا ما حصل.
المستشارة الألمانية ووزير ماليتها يعتبران «أن أوروبا تستطيع تحمل خروج اليونان من اليورو بفضل ما حققته العملة الموحدة من تقدم» بحسب دير شبيغل. لكن هولاند بدا أكثر اعتدالاً عندما اعتبر في مقابلة مع الصحيفة نفسها بأن «اليونانيين أحرار باتخاذ قرارهم السيادي أي حكومة ينتخبون. أما بالنسبة إلى انتماء اليونان إلى منطقة اليورو فهي وحدها تقرره».
بالطبع لن تخرج اليونان من اليورو في حال التوصل إلى تسوية مع الدائنين، فمن المعروف أن خروج أي دولة من منطقة اليورو سيكون له آثار سلبية في استقرار هذه المنطقة وفي اقتصاد كل دولة فيها.
ولكن على الأرجح أن المشكلة سوف تتأجل وتعود إلى السطح مجدداً إذا لم تنته الأزمة المالية التي تضرب الأوروبيين جميعاً منذ العام ٢٠٠٨.
من الناحية القانونية فإن الطريقة الوحيدة للخروج من اليورو هي الخروج من الاتحاد الأوروبي برمته، وذلك بموجب المادة ٥٠ من معاهدة الاتحاد. بعدها إذا شاءت الدولة المعنية يمكن لها التقدم بطلب جديد للانضمام إلى الاتحاد مع المطالبة بتطبيق بعض الاستثناءات عليها مثل إعفائها من الاتحاد النقدي. هناك خيار قانوني آخر هو التفاوض مع الأعضاء الآخرين حول تعديل معاهدة الاتحاد الأوروبي كي تسمح بالخروج من اليورو مع البقاء في هذا الاتحاد.
هذه الخيارات القانونية تتطلب مفاوضات طويلة وإبرام
اتفاق جديد بين الدول الأعضاء. لذلك يمكن اللجوء إلى بعض مواد اتفاق فيينا حول قانون المعاهدات، وهذا أيضاً قد يفتح نقاشاً
قانونياً قد يطول لاسيما حول مدى انطباق هذه المواد على الحالة الأوروبية.
الحل الأفضل هو ببساطة تجاوز كل المعاهدات والقوانين الأوروبية والسماح لليونان بمغادرة اليورو من دون الاتحاد، بموافقة المجلس الأوروبي والمفوضية وكل الدول الأوروبية.
المشكلة ليست قانونية بقدر ما هي سياسية ومالية وتتعلق بسمعة الاتحاد الأوروبي ومستقبله وخشيته من أن يشكل خروج اليونان سابقة خطيرة في وقت يستعد فيه البريطانيون ربما لمغادرة الاتحاد عبر استفتاء شعبي وعد به ديفيد كاميرون.
ولكن في المقابل من قال بأن خروج اليونان من اليورو سوف يحل مشكلتها؟ بل العكس هو ما قد يحصل مع عملة جديدة سوف تولد ضعيفة تفتقد إلى المصداقية ويتربص بها التضخم ويدير لها الدائنون والمستثمرون ظهورهم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه دولة في العلوم السياسية وشغل استاذاً للعلاقات الدولية والعلوم السياسية في الجامعة اللبنانية ومشرفاً على اطروحات الدكتوراه ايضاً .. أستاذ زائر في جامعات عربية وفرنسية.. صاحب مؤلفات ودراسات في الشؤون الدولية باللغتين العربية والفرنسية.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"