هل تخلى المستثمرون عن شركات التكنولوجيا؟

01:44 صباحا
قراءة 4 دقائق
د.أيمن علي *

بإغلاق الأسواق الأمريكية يوم الثلاثاء الثالث في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني خسرت شركات التكنولوجيا الخمس الكبرى نحو تريليون دولار من قيمة أسهمها، لتعود أسهم شركات التكنولوجيا في اليوم التالي (الأربعاء 21 نوفمبر) وتقود الأسواق الأمريكية نحو الارتفاع. بالطبع يكون التفسير السريع أن المستثمرين والمتعاملين في السوق يقبلون على القطاع الذي تتراجع أسهم شركاته أي يشترون الأسهم بكلفة أقل لكنه أيضاً يعني ثقة المستثمرين أن تلك الشركات ما زالت واعدة ولم تصل بعد إلى نهاية قمة منحنى النمو.
مع ذلك، ومنذ بدأت أسهم شركات التكنولوجيا في أكتوبر/ تشرين الأول أسابيع الهبوط، كثرت التحليلات في الصحافة الاقتصادية وحتى الإعلام العام وكلها تدور حول التساؤل: هل فقد المستثمرون الثقة في شركات التكنولوجيا؟ ومع استمرار تراجع اسهم تلك الشركات في نوفمبر كاد الشعور العام أن تكون الإجابة أن المستثمرين تخلوا عن اسهم التكنولوجيا. إنما تلك الإجابة السهلة ليست الصواب تماما، فهناك عوامل كثيرة أدت باسهم التكنولوجيا إلى التراجع لكن تظل أسهم شركات التكنولوجيا وجهة استثمار رئيسية في أسواق الأسهم، على الأقل في المستقبل المنظور.
ولعل السبب الأهم للذعر الذي أصاب جمهور المستثمرين وأدى إلى طرح التساؤل الحاد حول مستقبل قطاع التكنولوجيا هو المغالاة في التوقعات من قبل المستثمرين الذين يرونه القطاع الأكثر ربحية وبالتالي ينتظرون أن تستمر أسهم تلك الشركات في الصعود باطراد كما هو حالها في العقد الأخير، ومنذ الأزمة المالية العالمية الأخيرة. هذا العامل النفسي في غاية الأهمية، ولعله اكتسب زخما إضافيا منذ مطلع أغسطس/ آب حين تعدت القيمة السوقية لشركة ابل التريليون دولار، ثم تراجع قيمتها مع بيانات مبيعات آيفون الجديد المصدر الرئيسي لأرباح الشركة. ينطبق الأمر أيضا على بقية الشركات الخمس الكبرى، وهم بالإضافة إلى أبل، جوجل وفيسبوك ونتفلكس وامازون.
صحيح أن ما فقدته الشركات الخمس من قيمتها السوقية لا يزيد إلا قليلا عما راكمته الأسهم من ثروة على مدى عشر سنوات (منذ 2009) ويقدر بنحو 18 تريليون دولار، لكنه اعتبر من قبل كثيرين مؤشراً على أن أسهم شركات التكنولوجيا وصلت لقمة المنحنى وستأخذ في التراجع. ويصعب الحسم في هذا، إذ إن شركات التكنولوجيا ما زالت «الأكثر ازدحاما» من حيث إقبال المستثمرين عليها حسب أحدث مسح لبنك أوف أمريكا ميريل لينش. وقد يكون التراجع في أكتوبر ونوفمبر مرتبطا بعوامل أخرى تتعلق بوضع الأسواق عموماً وتأثرها بتوقعات مستقبل الاقتصاد العالمي والأمريكي بخاصة ومشاكل السياسات النقدية والتجارة العالمية. وظهر أثر ذلك بشكل أكبر على أسهم شركات التكنولوجيا لأنها الأكثر تداولا والأشد إقبالا من قبل المستثمرين في أسواق الأسهم.
ثم هناك أيضا تأثير مباشر لمشاكل عالمية على شركات التكنولوجيا، وفي مقدمة تلك المشاكل الحرب التجارية التي اطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتستهدف الصين بشكل رئيسي بفرض رسوم جمركية عالية على الواردات منها. ويؤثر ذلك بالطبع على واردات شركات التكنولوجيا التي تصنع في الخارج أو المواد المستخدمة في صناعة الرقائق والشرائح. أضف إلى ذلك أن رد فعل الشركاء التجاريين لأمريكا سواء الصين أو أوروبا أو غيرها إنما ينعكس قيوداً على شركات التكنولوجيا ومبيعات منتجاتها وخدماتها في تلك الأسواق الخارجية.
كما أن كل شركة من تلك الشركات الخمس الكبرى تواجه تحديات في الآونة الأخيرة تضغط على نشاطها بشكل أو بآخر. على سبيل المثال تواجه أمازون وجوجل جهداً أوروبياً مطرداً لإخضاعها للضرائب ومواجهة تمددها في سوق الإعلانات الرقمية الذي تصنفه في إطار الاحتكار. ويلاحظ أن كل شركات التكنولوجيا في الواقع أمام تشريعات جديدة وقواعد تنظيم في أنحاء مختلفة في العالم تسعى لتقنين نشاط ظل مفتوحا بالكامل بدون تنظيم قانوني من قبل السلطات لسنوات طويلة. كل ذلك يؤثر بالطبع في توقعات الأسواق لنمو الشركات وعائداتها وأرباحها، وبالتالي في ثقة المستثمرين.
أما نتفلكس مثلا فلم تعد وحدها في السوق التي تسيطر على بث الفيديو عبر الإنترنت، إذ إنها تواجه الآن منافسة محتملة من شركات كبرى مثل ديزني وكومكاست وغيرهما التي تشكل كيانات كبيرة عبر الاستحواذ والاندماج لدخول سوق بث الفيديو عبر الإنترنت بكثافة. ولدى تلك الكيانات قدرات إنتاجية أعلى بكثير من نتفلكس وان كانت اقل مرونة بالطبع منها لكن استراتيجياتها الجديدة قد تجعلها تأكل من نصيب نتفلكس في السوق بسهولة.
وربما من نافلة القول الحديث عن مشاكل فيسبوك، والغرامات بملايين الدولارات التي على الشركة دفعها هنا وهناك إلى جانب تورطها في قضايا سياسية من استغلال موقعها لتدخلات أجهزة ودول وشن حملات تشهير تؤثر في السياسات وتضر بمصالح الدول. هذا بالطبع إلى جانب تزايد الحملات على انتهاك الخصوصية، ليس من قبل فيسبوك فحسب بل ربما من قبل أغلب شركات التكنولوجيا الكبرى، وفضائح تسرب بيانات الأشخاص عبر قرصنة مخازن بيانات ومعلومات تلك الشركات التي تضم تفاصيل شخصية عن مستخدميها.
كل تلك العوامل، العامة والمتعلقة بكل شركة، تعني أن القطاع يمر بمرحلة تنظيم تؤثر بالطبع في معدلات نموه وبالتالي في وضع أسهمه في السوق. لكن الأرجح أنها لا تعني «نهاية فقاعة» كما شبه بعض المحللين الهبوط الأخير في أسعار الأسهم بانفجار فقاعة دوت كوم مطلع القرن الحالي. ولأن عملية إعادة التنظيم والتقنين، من قبل السلطات ومن جانب الشركات ذاتها، ستأخذ وقتاً فمن الصعب توجيه مذكرات النصح بشراء أو بيع أسهم التكنولوجيا كما فعلت بعض الجهات في الأيام الأخيرة لكن الاستنتاج الأكثر منطقية هو أن عصر شركات التكنولوجيا لم ينته بعد، بل وربما حتى لم يبدأ منحنى التراجع نحو النهاية. على الأقل إن كانت قيمة أسهمها في «سقف المنحنى المستقيم» فهي باقية للمدى المنظور. ومع استمرار ذلك الخط المستقيم ستظل تلك الأسهم وجهة مفضلة للمستثمرين في تلك المدة.

* كاتب صحفي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"