هل تدفع «سلال» دي ميستورا عجلة الحل السياسي؟

03:04 صباحا
قراءة 3 دقائق
حسام ميرو
طرح المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في الجولة الرابعة من جنيف أربع «سلال» (أربعة بنود رئيسية)، لتشكّل أفق الحل في المسار السياسي التفاوضي، وهي تستند بحسب ما أعلنه، إلى القرار الأممي 2254، في محاولة برمجة المدد الزمنية من جهة، ووضع عناوين رئيسية للحل، بحيث يصبح انخراط النظام والمعارضة في التسوية عبر تلك العناوين، ما يجعل من ارتداد الطرفين عنها أمراً صعباً، مع تأكيد دي ميستورا على أن مسار جنيف التفاوضي سيبقى هو المسار الرئيسي للحل، وأن مفاوضات أستانا ليست بديلاً عن جنيف.
استبدل المبعوث الدولي صيغة «الانتقال السياسي» المنصوص عليها في صيغة القرار الأممي 2254 بصيغة «تأسيس حكم شامل وغير طائفي»، وهو عنوان السلة الأولى، وتأتي هذه الصيغة لتضيف عقبات جديدة أمام مسار المفاوضات، إذ لا معنى عملياً لمفهوم «الحكم الشامل»، لتعارض هذه الصيغة من حيث المبدأ مع الواقع الميداني-الموضوعي الذي صارت إليه الجغرافيا السورية، وهي توحي بأن «الحكم الشامل» سيتأسس على صيغة حكم الدولة المركزية القائمة، وهي الدولة ذاتها التي انكمشت وتقلصت إلى أبعد حد، حتى في مستوى الإدارة المحلية، وما تقدمه من خدمات عامة للمواطنين، كما أن انقسام الجغرافيا السورية تحت نفوذ تنظيمات مسلحة داخلية وخارجية يجعل من مقولة «الحكم الشامل» أقرب إلى اليوتوبيا، وبعيدة كلياً عن التحقّق، إلا إذا كان المراد بها، في نهاية المطاف، قبول أطياف المعارضة بالانخراط في عملية سياسية لا تبتعد في جوهرها عن عمليات المصالحة التي عقدها النظام مع فصائل مسلحة في غير مكان من سورية، خصوصاً في محيط العاصمة دمشق.
ويطرح دي ميستورا في سلتيه الثانية والثالثة مسألتي «كتابة الدستور»، وإجراء الخطوات لإقامة الانتخابات، وهما مسألتان لا يمكن التطرق إليهما عملياً قبل معرفة مآلات الحل السياسي، فهو الذي سيحدد فعلياً أسس العقد الاجتماعي الجديد، والذي يفترض فيه أن يكون قابلاً للبناء عليه في إعادة بناء النسيج الوطني السوري، بعد أن انتهت إلى غير رجعة أسس العقد الاجتماعي الذي قامت عليه الجمهورية الثانية. إن طرح مسألتي الدستور والانتخابات تفترضان وجود حالة من الاستقرار، تتمكّن معها القوى الاجتماعية والسياسية من بلورة نفسها، وإبراز ممثليها، وهو أمر يكاد يكون مستحيلاً في حالة الانهيار الموجودة، فمدنٌ بأكملها قد أبيدت، وهجّر سكانها، وهناك ملايين السوريين الذين يعيشون في مخيمات اللجوء، أو في البلاد التي لجأوا إليها، فضلاً عن الأوضاع غير الطبيعية حتى في مناطق سيطرة النظام والميليشيات التابعة له.
إن كتابة دستور لا تشارك في صياغته القوى السياسية والاجتماعية المتنوعة سيكون بحد ذاته قنبلة موقوتة قابلة للانفجار، إذ إنه سيراعي مصالح أمراء الحرب من كل الجهات، وسيكرس هيمنة القوى التي أفرزها الصراع، يضاف إلى ذلك غياب المؤسسات التنفيذية الكفيلة بتطبيق ما سيتفرع عن الدستور من مواد قانونية، خصوصاً لجهة إنفاذ القانون، ووجود قضاء مستقل، غير خاضع لضغوط أمراء الحرب من كل الجهات.
أما «مكافحة الإرهاب»، وهو عنوان السلة الرابعة، فقد طرحه وفد النظام، وتم تبنيه، وموافقة المعارضة عليه، إذ إن عملية مكافحة الإرهاب في سوريا أصبحت عنواناً دولياً، ولا يمكن طرح أي مسار للحل السياسي من دون أن يتضمن تصوّرات لمكافحة الإرهاب، لكن هذا البند الذي يبدو بديهياً من الناحية النظرية سيصطدم بالعديد من العوائق في المفاوضات، إذ إن مكافحة القوى «الجهادية» هو أحد مظاهر الخلل في الوضع الميداني السوري، فالميليشيات الخارجية الداعمة للنظام أصبحت قوة رئيسية في سوريا، وهي المظهر الآخر من مظاهر اختلال الوضع الميداني، ومن دون وضع آليات لخروج تلك الميليشيات فإن العملية السياسية برمتها ستكون موضع تشكيك، ليس محلياً فقط، وإنما إقليمي، وهو ما يحتاج إلى توافقات دولية وإقليمية لإيجاد مخارج تفضي إلى انسحاب تلك الميليشيات.
من الواضح أن جوهر النظرة الدولية تجاه الحل السياسي في سوريا لا يلتفت إلى العنوان الرئيسي للأزمة السورية، وهو الحاجة الماسة إلى إنهاء الاستبداد السياسي، بوصفه المقدمة الضرورية لبناء عقد اجتماعي جديد بين السوريين، وقد أسهمت تلك النظرة الدولية، في قِصر نظرها ونفعيتها، في زيادة المأساة السورية، وتعميق الشرخ الوطني.
وما هو واضح من نتائج «جنيف 4» أن المجتمع الدولي يميل أكثر فأكثر إلى تبني رؤية تقوم على الإبقاء على المسار السياسي، حتى لو كانت القناعة الفعلية أن ذلك المسار يصطدم بعائق عدم نضوج التوافقات الخارجية والداخلية التي تسمح بتقدمه، ومعتمداً أكثر فأكثر على تغيير الوقائع الميدانية، حتى لو ذهبت تلك الوقائع إلى تمزيق ما تبقى من مقومات العيش المشترك بين السوريين، وهو الأمر الذي لن يفضي في نهاية المطاف إلى حل قابل للاستدامة، في شرق أوسط تزداد فيه مقومات الانقسام والفوضى.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"