هل في الإمارات حقوق للإنسان؟

05:00 صباحا
قراءة 4 دقائق

أي واحد منا يدعِي ويحدّد ويعيّن أن هناك في الدنيا اليوم مجتمعات معينة فاضلة، تعيش في مدن فاضلة وفي بقع فاضلة، من تلك المجتمعات والمدن والبقع التي تخيلها الفلاسفة الطوباويون قديماً وحديثاً، فإن ادعاءه هذا مجرد زعم، وفيه من الخيالية الشيء الكثير، ومن الواقعية الشيء القليل أو الشيء المعدوم. والمدينة الفاضلة هي التي كما قلنا تحدث عنها الفلاسفة واعتبروها مدينة فيها كلما يتخيله الإنسان من رغد العيش والمساواة بين سكان تلك المدينة في جميع مناحي الحياة، وتتوفر فيها العدالة الاجتماعية بجميع صورها ومعانيها، وهي فكرة طوباوية يلعب فيها الخيال العاطفي دوراً كبيراً، ولم يتسن للإنسان حتى أيامنا هذه تحقيقه تحقيقاً عملياً. وصحيح أن هناك بلداناً قد حازت من التقدم في توفير العيش الكريم والمعيشة الرغدة لأهلها، مجالاً واسعاً، وأصبحت مثالاً للاحتذاء في هذه الناحية من الحياة، كدول الاتحاد الأوروبي واليابان وسنغافورة وما شابهها من الدول، لكن بتحقيقها ذلك أخذ منها زمناً ليس بالقصير، وما زال أمامها شوط واسع المدى، لكي تحقق كل ما تصبو إليه وتخطط من أجله.

وإذا تطرق بنا الحديث إلى البقعة التي نعيش في حدود جغرافيتها، وهي البقعة الخليجية أو دول التعاون الخليجي، فإنه ليس من الإنصاف لو قلنا إن هذه الدول، دول التعاون الخليجي، لم تحاول أو أهملت العمل على اتباع الطريق الموصل إلى المحطة التي وصلتها الدول المتقدمة المشار إليها فيما سبق، وتعدت في شؤونها المتسمة بالتقدم الاجتماعي وتحقيق العيش المناسب لمواطنيها كثيراً من الدول المجاورة كدول خارج المنطقة الخليجية وغيرها من الدول، التي انهكتها الانقلابات العسكرية والصراعات السياسية إنهاكاً يكاد يصيب الإنسان فيها بالإحباط وفقدان الأمل في أي مشروع نهضوي في هذه البلدان في المستقبل القريب، ناهيك أن الهوة في كل يوم تزداد اتساعاً بين تخلف هذه الدول وتقدم دول أخرى في النمو الحضاري.

وإذا ضربنا مثلاً بدولة حديثة في المنطقة الخليجية، وهي دولة الإمارات، التي لم يمض على لملمة شتاتها سوى ما يقل عن أربعين عاماً، وهي فترة تكاد لا تذكر في عمر الشعوب، فإننا نجد أن الخطوات نحو التطور الاجتماعي والتطور في التشريعات التي توفر للإنسان الحياة الأفضل غير وئيدة السير، بل أعتقد أنه في السنين القليلة الماضية باتت هذه المشروعات التطويرية والتنموية تتحقق يوماً بعد يوم، حتى أصبحت الفجوة الفاصلة بين ما يحدث في الدول المتقدمة وبين الإمارات من تشريعات وقوانين تضيق شيئاً فشيئاً، ولم تعد هنا تلك الهوة التي ترعب الإنسان وتقلقه بادية للعيان أو مرئية.

وإذا نظرنا إلى التشريعات وتطبيقها في مجال الضمان الاجتماعي وحقوق الطبقات العاملة والتجنيس وما شابه ذلك، فإننا نجد أن تطويراً قد شمل هذا المجال وبات مرضياً، وهناك جهود جدية ومثمرة تبذلها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في سبيل توفير المعيشة الأفضل للسكان من مواطنين ومقيمين، الشيء الذي يثير في النفوس الاستحسان من أن النظرة الشوفينية لم تعد تؤخذ في الاعتبار من جانب الدولة، وأن السير نحو تحقيق المجتمع المدني المتطور والمتجانس والمتعدد، لم يعد بعيد المنال.. وإذا قيل لنا إن الهيئات والجمعيات الحقوقية في العالم، والتي تراقب ما يجري في الدول في شأن حق الإنسان وطرق معيشته، لا تبدي رضا مما يجري عندنا على سبيل المثال، وتثير بين الحين والحين انتقادات يستشف منها السلبية، كما هي في التقرير الذي أعدته منظمة (هيومن رايتس ووتش) المعروفة، في الأسابيع الماضية عن الإمارات وغيرها في العام ،2009 فإني أعتقد أن النقد في مثل هذه الهيئات الدولية غير مقصود منه التجريح لهذه الدولة أو تلك، وإنما هي مجرد تعودُ هذه المنظمات أو مندوبيها الذين دأبوا على البحث عن النقاط السلبية في الموضوعات التي يتناولونها في تقاريرهم، ولايلقون بالاً على النقاط الإيجابية إلا في أضيق الحدود، وفي أحيان أخرى يكون المندوبون غير مهنيين وتنقصهم التجارب في البحث عن المعلومات الدقيقة التي تقود إلى الحقائق، فيأتون إلى المكان الذي يرسلون إليه ولا يمضون الوقت الكافي لجمع المعلومة، ويذهبون لمقابلة أفراد شاءت ظروفهم أن يتعرضوا لمشاكل بينهم وبين الآخرين. وحينما يتحدث هؤلاء إلى مندوبي المنظمات فإنهم يتحدثون عن مشاكلهم الفردية الخاصة، ولا يعكسون وجهة نظر الطرف الآخر أو يلقون له بالاً كما قلنا، وفي هذه الحالة تصبح تقاريرهم غير مستوفية لحقيقة الموقف، وتصبح أيضاً غير متزنة وتعلوها السطحية والنظر القاصر، كما هو واضح في التقرير الأخير المشار اليه من (هيومن رايتس ووتش).

وفي الواقع، فإنني شخصياً أعتقد أن النقد ما لم يقصد به سوءاً، هو شيء مفيد، ويجعلنا في يقظة لترصد الأخطاء الموجودة التي قد تذهب عن بالنا، والواقع أيضاً أن مندوبي المنظمات الحقوقية الناشطين في مجال حقوق الإنسان يواجهون في أحيان كثيرة صدوداً من بعض المسؤولين الإداريين في الدولة وفي الحكومات المحلية، ولا يقوم هؤلاء بالرد على الاستفسارات ويرفضون مقابلة من يريد مقابلتهم، ما يؤدي بالمستفسر والمراجع إلى تكوين أفكار وآراء في ذهنه قد تتعارض مع مصلحة البلد والدولة. وعندي أن هذا المسؤول لا يسيء إلى الدولة والأمة وحدها، بل يسيء إلى نفسه أيضاً، ويجعل من نفسه في موضع شبهة. ولذلك أعتقد أن مقابلة ممثلي الهيئات الحقوقية العامة شيء ضروري وفي غاية الأهمية لشرح منجزات الإمارات في مجال حقوق الإنسان، وهذه المنجزات في واقع الأمر ليست قليلة، وقد تطورت التشريعات حيالها كما قلنا، تطوراً ملحوظاً.

كما أن المطلوب من الدولة تشجيع جمعيات المجتمع المدني على أداء مهماتها أداء يؤمن لها المشاركة في القوانين والتشريعات التي تمس العامة من الناس، لأن هناك أناساً في هذه الجمعيات يتمتعون بالمهنية وبالخبرة والمعرفة بشؤون البلد والناس، وفي رأيي أنهم خير عون للدولة في مناقشة خططها الرامية إلى التطوير والسير بالبلد نحو الأحسن.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"