هل هنالك مبررات اقتصادية لفوز ترامب؟

02:56 صباحا
قراءة 4 دقائق
بقلم: د. لويس حبيقة
المبارزة بين «هيلاري كلينتون» و«دونالد ترامب» هي في الواقع مبارزة بين عهد «باراك أوباما» وخصومه الممثلين في انتخابات 2016 ب«ترامب». هذا يفسر إلى حد بعيد اهتمام «أوباما» وزوجته بالانتخابات عبر الحماسة العلنية الظاهرة تأييداً لكلينتون، حتى نكاد نشعر أن أوباما يسعى إلى ولاية ثالثة عبر «كلينتون».
لم تكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية سابقاً مهمة وفاصلة كما هي اليوم. الفارق كبير بين المرشحين ليس فقط في الاقتصاد والمال وإنما أيضا في الشخصية والخبرة والسيرة الذاتية والطباع، كما في السياستين الداخلية والخارجية وفي طريقة إدارة الدولة والأولويات التي يجب اتباعها.
فوز هيلاري أو دونالد ربما ينعكس أيضا على نتائج انتخابات مجلس النواب وثلث مجلس الشيوخ حيث إذا فازت كلينتون، فربما تحكم مع أكثرية من حزبها في المجلسين التشريعيين مما يسمح لها بتمرير القوانين والتعيينات بسهولة وتأييد وتعاون ظاهرين. فوز «ترامب»، إذا ما حصل، سيكون نتيجة لعدم رضى الأمريكيين عن النتائج الاقتصادية والمالية لعهد أوباما وربما عدم رضاهم عن أمور عديدة أخرى.. هل هنالك مبررات اقتصادية ومالية تدفع الأمريكيين للمغامرة في التغيير أي الذهاب إلى المجهول مع «ترامب»؟ إذا كانت الأوضاع غير مرضية للأمريكيين، فهل ما يقترحه «ترامب» أفضل ويدفع بالبلاد إلى شاطئ الأمان؟ كيف يمكن وصف أبرز مؤشرات الأوضاع الاقتصادية والمالية الأمريكية؟
في النمو، يحقق الاقتصاد الأمريكي تقدماً في الناتج مرضيا جدا أي 2,4% في سنة 2015 ومتوقعا قدره 2,2% هذه السنة مع نسب بطالة تقارب 5,3% السنة الماضية و4,9% هذه السنة. يرتفع عدد العاملين حوالي 180 ألفاً شهريا، علماً أن الإضافة كانت أعلى في السابق. هنالك من يعمل جزئياً أو من المنزل أو عبر عقود حرة أو تحت الطلب وغيرها من الصيغ التي تزداد مع الوقت ولا تدخل كلها بالضرورة في إحصائيات البطالة. إذا، تقدر نسبة البطالة الحقيقية بأقل من المعلن رسميا. لا شك أن استعمال التكنولوجيا المتطورة سمح بتحقيق عقود عمل متخصصة وحديثة تتيح للعامل والعاملة المشاركة عن بعد بنفس الإنتاجية والجدية.
عموماً، أوضاع الاقتصاد الأمريكي مقبولة دون أن تكون جيدة بل يمكنها أن تكون أفضل بكثير. فما الذي يدفع ملايين الأمريكيين باتجاه «ترامب» والمخاطرة بتحقيق نتائج ربما تعيد أمريكا إلى الوراء؟ هل يريد الأمريكيون فعلاً التخلص من سياسات أوباما مهما كانت التكلفة وحجم المخاطرة؟ ما هو برنامج «ترامب» وكيف سيعالج أبرز المساوئ المذكورة أعلاه؟ هل إن سياسته ستخفف من الأمراض الاقتصادية والمالية أم تعمقها؟ أولاً: في الضرائب، يقول «ترامب» إنه سيخفض الضرائب على أرباح الشركات من 35% إلى 15% بحيث تزيد الاستثمارات ويرتفع النمو وتنخفض البطالة. إلا أن هذه العلاقة غير مؤكدة وهي سترفع فجوة الدخل وتسيء إلى أوضاع الفقراء. تخفيض النسب الضرائبية سيرفع عجز الموازنة وبالتالي الدين العام، فمن أين يمول الإنفاق؟ هل يستطيع تخفيض الإنفاق العام وعلى أي إنفاق جاري أو استثماري وهي كلها صعبة في ظروف دقيقة كالتي تمر بها أمريكا اليوم. ما هي الحاجة لهذا التخفيض الضرائبي الكبير في وقت يعاني خلاله الأمريكي العادي من صعوبات في تأمين الحاجات الأولية.
ثانيا: في التجارة، يريد «ترامب» إلغاء العديد من الاتفاقيات التجارية الموقعة منها مع كندا والمكسيك كما مع الصين وغيرها. يريد وضع تعريفات جمركية مرتفعة في وجه السلع المستوردة من الصين والمكسيك، أي تخفيف التجارة ودفع التضخم صعودا بالإضافة إلى ضرب ما اتفق عليه في منظمة التجارة العالمية. لا يؤمن «ترامب» بمشكلة المناخ بل يعتبرها مؤامرة على الشركات الأمريكية بحيث ترتفع تكلفتها فتتأذى لمصلحة الصين والدول النامية. لن يوقع على عقود تجارية جديدة، بل سيقوم بما يستطيع لتخفيف التجارة التي تسيء في رأيه إلى مستوى البطالة بل تدفع بالاستثمارات إلى خارج الولايات المتحدة.
ثالثا: سيكون «ترامب» متشددا جدا في وجه الهجرة كما في إعطاء التأشيرات العادية للعديد من الجنسيات والأديان والمناطق. سيطرد العديد من العاملين غير الشرعيين مما يؤثر سلباً على تكلفة الإنتاج في ولاية كاليفورنيا مثلا كما في الولايات الجنوبية القريبة من الحدود المكسيكية وفي مقدمها تكساس. يريد أن يبني حائطا على طول الحدود مع المكسيك على نفقة الأخيرة بحيث يصبح مستحيلا عبور الحدود بشكل غير شرعي. لا تكمن المشكلة في محتوى السياسات فقط بل في طريقة المخاطبة وفي وضع السياسات المتشددة في وجه النساء والأقليات وغير الأمريكيين.
رابعا: في السياسات الاجتماعية حيث سيلغي قانون «اوباما» الصحي الذي يشتكي منه البعض دون أن يوضح ما هي البدائل العملية المقبولة والأقل تكلفة على الدولة والمواطن. يسعى إلى تأييد الطبقات الميسورة ولا يهتم بأوضاع من يحتاج إلى المساعدة والعناية والعطف والرعاية. تكمن الخطورة في توسيع الفجوات المادية داخل المجتمع الذي يحتاج إلى سياسات معاكسة.
أخيرا، هنالك خلافات جذرية بينه وبين برامج «هيلاري كلينتون» الداعمة للتجارة الدولية والانفتاح والتواصل مع المجتمع الدولي كما مع أقليات الداخل والطبقات الشعبية. تريد رفع النسب الضرائبية على الأغنياء ومساعدة الطبقات الوسطى وما دون عبر الإعفاءات الضرائبية كي تستطيع تأمين حاجاتها الأساسية الأولية. الخيارات واضحة والنتائج العملية ستختلف كثيراً.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"