وصية عرفات وفلسطينيو لبنان

03:43 صباحا
قراءة 4 دقائق
حافظ البرغوثي

تظاهر اللاجئون الفلسطينيون أمام السفارة الكندية في بيروت مطالبين بالهجرة للعيش بكرامة ، جاء ذلك بسبب الفترة الحرجة التي تمر بها المنطقة ككل وعودة العمل بقانون منع العمل والتملك في لبنان في سياق قرارات لوزير العمل كميل أبو سليمان بشأن الأُجراء الأجانب في لبنان وإن لم يرد ذكر للفلسطينيين فيها إلا أنها موجودة سابقاً وأعيد العمل بها وهو ما أدخل الرعب في قلوب اللاجئين .
كان الرئيس الراحل ياسرعرفات وهو يحتضر في مستشفاه الفرنسي أوصى مقربيه قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة بالاهتمام بالفلسطينيين في لبنان وقال إنهم دفعوا ثمناً غالياً في إشارة إلى ما عانوه في الحرب الأهلية في لبنان. واتخذ عرفات من وجود اللاجئين في لبنان وأثرهم في التركيبة السكانية سلاحاً تفاوضياً في كامب ديفيد لإدراكه أن الأمريكيين لا يريدون الإخلال بالتركيبة الطائفية في لبنان، فطالب بإعادة اللاجئين إلى فلسطين، وتم الاتفاق على عودة عشرة آلاف لاجئ ضمن لَم شمل العائلات وإدخال عدد محدد كل سنة ليبلغ العدد خلال عشر سنوات مئة ألف ، ولقي طلبه موافقة «اسرائيلية» أمريكية . بالطبع فشلت مفاوضات كامب ديفيد وأدت السنوات التالية الأخيرة في فتن الربيع العربي إلى هجرة عشرات الألوف من فلسطينيي لبنان إلى الخارج ، ورغم تطمينات رسمية فلسطينية وأخرى لبنانية إلا أن أوضاع الفلسطينيين في لبنان ما زالت موضع جدل ولا يعرف مآلها. فبعد الخروج من بيروت سنة 1982 ألغى لبنان اتفاق القاهرة لسنة 1969 بشأن الوجود الفلسطيني وأعيد العمل بحظر عمل الفلسطيني في سبعين مهنة ومنع التملك أو إنشاء شركات تجارية رغم التاريخ المشرق والبناء الذي سجله اللاجئون الفلسطينيون في النهضة اللبنانية تجاريا وماليا وثقافيا وعقاريا وفكريا وفنيا منذ النكبة .
السلطة الفلسطينية في عهد الرئيس أبو مازن حاولت بناء علاقة جديدة مع الدولة اللبنانية بفتح سفارة فلسطينية ثم بتنظيم المخيمات وفتح حوار مع الحكومة اللبنانية حول الفلسطينيين في لبنان بتشكيل لجنة حكومية للحوار بين الأحزاب اللبنانية لبحث أوضاع المخيمات ثم انضم إليها عدد من ممثلي المخيمات. وكان بيت القصيد دوما تنظيم السلاح ومنع بعض القوى خاصة الجماعات المتطرفة من إثارة مشاكل في المخيمات، وأكدت منظمة التحرير أنه لا سلاح في لبنان سوى سلاح الدولة، وأن حفظ الأمن داخل المخيمات تتكفل به الفصائل مجتمعة بالتنسيق مع الجيش اللبناني. بالطبع أرادت السلطة الفلسطينية خلق جيل جديد من الأمن هناك لمنع الفوضى في المخيمات فأرسلت من رام الله مدربين وتمكنت من تدريب 1500 شاب كان لهم الفضل في منع الفوضى وفرض الأمن رغم أن قوى خارجية دعمت أشخاصاً فلسطينيين وسربت عناصرها الى المخيمات وقامت بخلق حالة توتر واغتيالات، وفي حالات أخرى محاولة حركة حماس التي تحاول الاستحواذ على ورقة تمثيل الفلسطينيين في لبنان .
كانت الحكومة اللبنانية سنة 2010 عدلت قانون العمل خاصة فقرة المعاملة بالمثل للعمالة الأجنبية أو ما يسمى في القانون اللبناني الأُجراء، أي معاملة الأُجراء العرب والأجانب في لبنان بمثل ما يعامل الأُجراء اللبنانيون في بلاد الأُجراء الوافدين إلى لبنان. وعدل القانون بحيث يستثنى منه الفلسطينيون في لبنان خاصة في مجال الضمان الاجتماعي حيث يدفع العامل الفلسطيني 23 في المئة من دخله للضمان ولا يستفيد من الضمان إلا في حالات قليلة وبنسبة ثمانية في المئة ما يعني أن أصحاب العمل كانوا يقتطعون ربع دخل العامل الفلسطيني ولا يوردونه إلى الضمان !
وفي الإجراءات الأخيرة التي بدأها وزير العمل ، لم يذكر بالمطلق كلمة فلسطيني وهذا ليس دفاعا عنه بقدر ما هو مكتوب في القرار، والإجراءات التي جرى البدء بتطبيقها هي في الأساس موجهة للسوريين وغيرهم بالاسم ، لكن اللاجئين الفلسطينيين فهموا أن الحكومة اللبنانية ستعود إلى مساءلتهم عن وضعهم بشأن العمل وقوانينه وجرى الاتفاق على تجميد الإجراءات بين السلطة الفلسطينية والوزارة اللبنانية بحيث يترك الأمر للحكومة اللبنانية لمعالجة الأمر وهو ما لم يحسم بعد، خاصة وأن طبول صفقة القرن والحديث العلني الأمريكي عن توطين الفلسطينيين حيث يقيمون أدخل الهلع في صفوف الأحزاب اللبنانية والفلسطينية أيضا.
وهناك من يقترح منح ترخيص عمل للفلسطيني يرتبط بمنحه إقامة محددة ، يعني أنه لن يعتبر لاجئاً وبالتالي يمكن تهجيره لاحقا في نهاية عقد عمله وهو ما يثير مخاوف بعض الفلسطينيين خاصة وأن هناك مكاتب تشجع على الهجرة برسوم انخفضت إلى نصف ما كانت عليه في السابق. ولعل التجمع أمام السفارة الكندية له مغزى وهو أن كندا أعلنت في منتصف التسعينات بعد قيام السلطة الفلسطينية أنها على استعداد لاستقبال 15 ألف لاجئ فلسطيني من لبنان ، لكن العرض تعرض للانتقاد من قبل مسؤولين فلسطينيين بحجة أنه يأتي ضمن تذويب قضية اللاجئين. ومن غرائب الصدف أن كثيراً من أبناء المسؤولين الكبار في السلطة الذين انتقدوا العرض الكندي حصلوا على الجنسية الكندية عن طريق إيداع ودائع مالية كبيرة في البنوك الكندية كمستثمرين، فهل هجرة اللاجئ البائس من لبنان ليعيش حياة كريمة في كندا يضر بالقضية الفلسطينية بينما تجنيس آلاف الميسورين في الضفة يخدم القضية؟


[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"