ومتى ربيع الديمقراطية التشاركية؟

03:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

إذا كان شباب الثورات وحركات الربيع العربي قد بهروا العالم بالأساليب التي ابتدعوها لإسقاط رموز وأنظمة الاستبداد في الكثير من أقطار الوطن العربي فإن المرء يأمل أيضاً في أن يكملوا المشوار ويبدعوا في تطوير عملية الانتقال إلى النظام الديمقراطي، فما الذي نعنيه في هذا القول؟

نعني ألا تنحصر عملية الانتقال في ما يعرف بالديمقراطية التمثيلية:

إجراء انتخابات نزيهة دورية لمجالس نيابية كاملة الصلاحيات في التشريع والرقابة ومستقلة على الأخص عن السلطة التنفيذية . تلك الخطوة ضرورية ولكنها غير كافية . فالديمقراطية التمثيلية أثبتت عبر العالم كله أنها تحتوي على نقاط ضعف وتحتاج إلى ما يكملها .

ما يكملها هو ألا تكون مهمة ومسؤولية مجموعة صغيرة من المواطنين الذين ينتخبون دورياً كل أربع سنوات . إنها تحتاج إلى أن تكون مهمة ومسؤولية كل مواطن . وفي الواقع، هكذا بدأت في مهدها، في أثينا اليونان . لم تكن هناك انتخابات ولكن كان هناك اختيار بالقرعة من بين كل المواطنين ليكونوا أعضاء في اللجان التي كانت تدير أمور المدينة، أثينا . كان كل مواطن ينتظر منه تحمّل المسؤولية والمشاركة .

المطلوب، إذاً، هو الديمقراطية التشاركية التي يسهم في نشاطاتها كل مواطن بشتّى الصور وبمختلف المستويات . ذلك أن نجاح الديمقراطية لا يأتي من صندوق الاقتراع الانتخابي فقط، وإنما يأتي من توفر الظروف المؤاتية التي تجعل ذلك النجاح ممكناً . تلك الظروف يخلقها المواطنون من خلال نشاطات فعّالة يقومون بها . كيف؟

بتشجيع وتعويد المواطن على الانخراط في الحياة المدنية بشكل مستمر وفي سبيل تحقيق اهداف محلية أو قطاعية محدّدة . يحتاج المواطنون، وعلى الأخصّ الشباب منهم، إلى أن يتقوى في داخلهم الإحساس بالحق الثابت في أن تكون لهم حقوق وأن تنمو فيهم شهيّة الصّراع من أجل تلك الحقوق . يحتاج المواطنون إلى أن ينخرطوا في معارك محلية فرعية تشمل في ما تشمل قضايا بيئية محلية أو دفاع عن كرامة وحقوق مجموعة محلية أو مطالبة بخدمات لسكناهم المحلي . ومن أجل أن ينجحوا لا بدّ من إقناعهم بممارسة سيادتهم وسيطرتهم على مركز كل قوة .

الشعار الذي يجب أن يقود المواطنين هو شعار يقال إنه مكتوب على لوحة يقرأها كل من يزور إقليم ثوار زاباتيستا المكسيكيين: أنت تدخل إقليم ثوار زاباتيستا حيث الشّعب يقود والحكومة تطيع .

إن هنالك العشرات من الكتب التي تصف أنواعاً مبهرة وموحية من نشاطات قامت بها مجموعات محدودة من المواطنين، في كثير من دول العالم في الشمال والجنوب، من أجل إرغام الحكومات أو السلطات المحلية أو الشركات على الانصياع لمطالب أولئك المواطنين . بعض هؤلاء المواطنون كانوا من الفلاّحين البسطاء وبعضهم كانوا من النساء الفقيرات، لكنهم جميعاً مارسوا الديمقراطية التشاركية النضالية وتعلّموا من تجاربهم وإخفاقاتهم ونجاحاتهم . بأفعالهم تلك أسهموا في خلق الظروف لإنجاح مسيرة الديمقراطية في بلدانهم .

ما يحتاج شباب الثورات والحركات أن يعده بعمق هو أن رفض العنف لا يعني التخلّي عن الصّراع والمقاومة السلميَين المستمرّين . وكذلك فإن الديمقراطية تقاس بمقدار الحرية التي تعطى لمخالفي النظام السياسي وليس بمقدار الحرية التي تعطى للمؤيدين . نحتاج جميعاً أن نتذكر أن نضال اللاعنف الذي نادى به الزعيم الروحي غاندي لم يمنع حركته من أن تقاوم بشّدة وتخوض معارك الابتلاء بعزم الأبطال .

الرجوع إلى أساسيات الديمقراطية التي تقول إن الديمقراطية هي شأن فرد وإنها لكي تنجح تحتاج إلى ظروف تبنيها نضالات كل المواطنين بصورة مستمرة، وحتى يومية، هذا الرجوع التاريخي والفكري يمكن أن يكون فرصة أمام شباب الثورات العربية لكي يسهموا في إبداع ديمقراطية أفضل من الديمقراطية الكسيحة العرجاء التي تمارسها كل جماعات العالم بنسب متفاوتة من عمى البصيرة والضحك على النفس، فالعالم كله يحتاج إلى بزوغ ديمقراطية جديدة .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"