يرضى العرب ولا ترضى “إسرائيل”

03:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

يمكن تلخيص الوضع في اللحظة التاريخية الراهنة بين العرب (بمن فيهم الفلسطينييون) من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية ببيت الشعر العربي الشهير القائل: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل .

وهذا الوضع ليس بالتأكيد التعبير الدقيق الذي ولد في هذه اللحظة التاريخية فقط، وإنما هو تتويج لمسيرة تمتد سنوات طويلة إلى الوراء، توجتها في الأيام الأخيرة رحلة وفد الجامعة العربية إلى العاصمة الأمريكية، حيث قدم لإسرائيل، عبر وزارة الخارجية الأمريكية، هدية سياسية لا تقدر بثمن، هي التنازل عن فلسطين التاريخية، بالقسم الذي وقع عليه الاحتلال في العام ،1948 وأجزاء رئيسية من القسم الذي احتل في العام ،1967 هي الأجزاء الذي نجحت إسرائيل في استعمارها بالاستيطان فيها، في القدس، وفي شتى أرجاء الضفة الغربية، إضافة إلى أراضي القرى العربية التي استولى عليها جدار الفصل العنصري، الذي يقضم، وما زال، منذ سنوات طويلة، أخصب الأراضي الزراعية في الضفة الغربية، كل ذلك في مقابل ثمن بخس هو مجرد منح الفلسطينيين أراضي بديلة عن تلك التي سيتم التنازل عنها من الأراضي التي احتلت في العام ،1967 من دون أي تشدد في مساحة أو نوعية تلك الأراضي البديلة .

من المؤكد أن وفد الجامعة العربية الذي حمل هذا العرض السخي إلى العاصمة الأمريكية، دون ربطه بأي ثمن عربي أو فلسطيني ذي قيمة تاريخية، مثل قبول إسرائيل بأن تكون هذه التنازلات مقابل إقرار حق عودة جميع الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها منذ العام 1948 حتى اليوم، فوجئ وفد الجامعة العربية بأن عرض التنازل هذا ليس له أي مثيل طوال مدة الصراع العربي الإسرائيلي، قد ووجه بالرفض، بل بالسخرية، من جانب إسرائيل، أي من جانب الحركة الصهيونية . في استذكار دقيق للبيت القائل: يرضى القتيل وليس يرضى القاتل .

لكننا إذا تركنا العواطف جانباً، وتحولنا للعمق السياسي لهذه اللحظة التاريخية المريرة، فإن باستطاعتنا أن نعثر لإسرائيل، على كل الأسباب الموجبة لرفضها هذا، لأنها بكل بساطة ترى وتلمس أن بوسعها، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه منذ أواخر عقد السبعينات، أن تصل إلى تصفية تاريخية لقضية فلسطين، أكثر صراحة وحسماً من العرض العربي، على كل ما فيه من سخاء في التنازل .

ففي أواخر السبعينات، أعلن البلد العربي الأكبر، وهو مصر، برغم ما اعتبر نصراً عسكرياً عربياً في العام ،1973 أنه مستعد لدفع كامل ثمن هزيمة ،1967 بالانسحاب الكامل من قضية فلسطين، مقابل استرداد أرض سيناء، حتى لو منزوعة السيادة العسكرية، أي السيادة الوطنية عليها .

بعد هذا التراجع التاريخي الكبير، فتحت منظمة التحرير الفلسطينية باب التنازلات التاريخية المتتالية، وصولاً إلى تعديل جذري في الميثاق الوطني الفلسطيني، وصل إلى حد التنازل نهائياً عن كل أرض فلسطين التي احتلتها الصهيونية في العام ،1948 والقبول بدويلة تكتفي بالأراضي الفلسطينية التي استكمل احتلالها في العام 1967 .

لكن ذلك كله لم يكن كافياً لإرضاء الطمع الصهيوني الكبير بابتلاع كامل لفلسطين التاريخية، عبر تسويات شكلية تؤمن لها ذلك، مع منح ما تبقى من شعب فلسطين على أرض وطنه، أوضاعاً تجعله كامل التبعية الأمنية والاقتصادية للكيان الصهيوني في أرض فلسطين .

والحقيقة أن المرحلة ما بين تسعينات القرن المنصرم، واللحظة التاريخية الراهنة، قد جاءت تؤكد لإسرائيل أن أطماعها قابلة للتحقق بكاملها، بمجرد انتظار وصول تدهور الأوضاع الفلسطينية والأوضاع العربية، إلى حدود التسليم الكامل بالمطامع الصهيونية .

والفارق بين هذه المطامع وبين عرض التنازل العربي الأخير جلي واضح . فإسرائيل تنظر إلى ابتلاع كامل للضفة الغربية حتى حدود دولة الأردن، من خلال المضي قدماً بحركة الاستيطان سنوات طويلة أخرى، والسيطرة الكاملة في النهاية على حدود الضفة الغربية مع الأردن، بخضوع منطقة الأغوار تماماً للسيطرة العسكرية الأمريكية . يضاف إلى هذا استكمال ابتلاع القدس، بقسميها الغربي والشرقي، وتحويل القدس إلى عاصمة موحدة ل إسرائيل، مع وصولها إلى أن تفرض على العرب جميعاً، الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، أي بشطب كامل لأي احتمال لإثارة مسألة حق العودة .

إن نجاح إسرائيل في تحقيق أطماعها، وعدم ظهور أي رد فعل جاد، عربياً أو فلسطينياً، بل ظهور مزيد من علامات تقرب الدول العربية من خطب ود إسرائيل، كما هي، بكل أطماعها وخططها، يغريها بألا تقع في فخ قبول أي تنازل عربي تاريخي إذا لم يكن محققاً لكامل أطماعها في فلسطين وجوارها العربي .

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"