“داعش” والأزمة السورية: فرصة للحل

04:26 صباحا
قراءة 4 دقائق
تعددت الإشارات الصادرة خلال الأسبوع الماضي من مسؤولين أمريكيين وأوروبيين إلى الخطر الداهم الذي يمثله تنظيم "داعش" على الغرب، كما على الاستقرار والسكينة في منطقة الشرق الأوسط، حتى أن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل قال إن داعش يمثل خطراً أكبر من خطر القاعدة، وذلك تزامنا مع توالي الغارات الأمريكية على مواقع وأهداف لهذا التنظيم في شمالي العراق، وهي حملة أدت حتى تاريخه إلى بعض النتائج متمثلة على الخصوص بتهديدات أطلقها التنظيم لاجتياح الولايات المتحدة والبيت الأبيض! إضافة إلى قتل الصحفي الأمريكي فولي بطريقة مشينة، وتكشف هذه التهديدات وإعدام الصحفي استشعار التنظيم للمأزق الذي وضع نفسه فيه بما يقوده إلى مصيره المحتوم .
وقد تميزت بعض التصريحات الغربية بالاشارة إلى وجود "داعش" في مكان آخر خارج العراق هو الأرض السورية، وهو ما اشار اليه رئيس الأركان الأمريكي مارتن ديمبسي بقوله انه "يمكن هزيمة داعش إذا ما تمت معالجة الأزمة السورية" . وهو أوضح تصريح من نوعه يربط بين داعش في سوريا وفي العراق . ويكاد يندرج ما قاله المسؤول الأمريكي في باب البديهيات المنطقية لا العسكرية فحسب، إذ لا يمكن حقاً النحاح في هزيمة طرفٍ ما في مكان ما ، بينما يبقى هذا الطرف متمتعاً بحرية الحركة وبفرصة تعظيم نفوذه في بلد مجاور . علماً أن "داعش" قد بادر من جهته وعلى طريقته إلى "توحيد" سوريا والعراق وأزال الحدود بين البلدين، مما يملي توحيد الجهود لمحاربة هذا التنظيم البريري هنا وهناك .
يدرك المرء أن عقبات سياسية قد تقف أمام تحرك مفترض بهذا الاتجاه . ومن أبرز هذه العقبات وجود أطراف وقوى مقاتلة أجنبية على الأرض السورية يبلغ تعداد أفرادها نحو 12 ألف مقاتل ينتمون إلى خمسين بلداً حسب بيان لوزارة الخارجية الأمريكية نقلته "فرانس بريس" الجمعة 22 اغسطس/آب الجاري . وتتوزع هذه القوى بين الوقوف ضد النظام في دمشق، وهو حال جزء كبير من هذه القوى، وبين القتال في صفوف النظام، وهو الجزء الأقل لكن الأكثر فاعلية، لما تتمتع به هذه القوى من دعم وتنسيق من الحكم ومعه .
علاوة على ما تقدم فإن تدخلاً أمريكياً محدوداً ضد "داعش" وربما ضد "جبهة النصرة"، قد يحمل النظام في دمشق، وبالتنسيق مع الحليف الإيراني لعرض جملة طلب وشروط على الجانب الأمريكي، بحيث يصب هذا التدخل المفترض في حال حدوثه في مصلحة الحكم، وهو أمر من المستبعد ان تقبل به واشنطن وحليفاتها .
رغم ذلك فإنه لا مفر من مواجهة "داعش" حيثما وُجِد وبقوة دولية ضاربة وفتاكة، منعاً لاستشراء الخطر الذي يمثله هذا التنظيم على المجتمعات، وعلى الدول وعلى صورة الإسلام والمسلمين . وهو أمر تدركه الاطراف الدولية ازاء تنظيم لا يعبأ بأية أعراف دولية أو إنسانية، ويعتمد الوحشية المطلقة الفالتة من كل عقال . كما تدركه الأطراف العربية والإقليمية التي تترد في التدخل ضد هذا التنظيم مخافة ازدياد الوضع تعقيداً في العراق وسوريا، وما لذلك من انعكاسات مباشرة على المنطقة . وها هي ليبيا على سبيل المثال تفتقد لأي تدخل عربي جدّي، حتى من الجيران والأشقاء الأقربين، لوضع حد للفوضى الأمنية الضاربة في هذا البلد، وتعدد السلطات الفعلية فيه .
وبالعودة إلى تصريح رئيس الأركان الأمريكي الداعي إلى معالجة الأزمة السورية علاجاً يضع حداً لداعش وبقية الدواعش، فمما لا شك فيه أن أي تدخل عسكري خارجي على الأرض السورية لا بد أن يقترن بمنظور سياسي وأمني . ولا يود المرء هنا الغوص في تعقيدات الوضع وسيناريوهات الحلول التي لم يلاق أي منها أي حظ بالنجاح خلال الشهور الأربعين الماضية من عمر الأزمة المحتدمة، ما يتطلب مقاربة تفكيكية لعناصر الأزمة وأطرافها الخارجيين بالذات . هذه المقاربة لا بد أن تنطلق من مكافحة داعش أولاً، ثم تقترن مباشرة بالدعوة الصريحة لوقف وجود ونشاط القوى والعناصر الأجنبية والمقصود غير السورية ورفع أي غطاء سياسي عنها . وهي دعوة تتماشى مع مقتضيات السيادة، ومع التطلع للحد من عسكرة الأزمة، بما يسهم في تقليص تكاثر عناصر الأزمة وعزلها بعضها عن بعض، وقد سبق لأطراف إقليمية أن جهرت بهذه الدعوة غير مرة، ومنها مجلس التعاون الخليجي، حتى أن إيران سبق أن تبنت هذه الدعوة لكنها لم تلق قبولاً لدى الأطراف المحلية الفاعلة . وهذا هو المقصود بالتفكيك الذي يُعيد الأزمة إلى سياقها الداخلي المحلي برعاية دولية وإقليمية .
إنه لمن الصحيح أن مقاربة كهذه قد لا تلقى قبولاً من أطراف ترى أنها ليست شريكة في الأزمة، وأن الأزمة قائمة لدى أطراف أخرى، غير أنه يصعب تسويغ استمرار وجود قوات أجنبية في حال اتسمت هذه الدعوة بالشمولية ولم تميز بين طرف وآخر، وفي حال تم البدء بمكافحة "داعش" بالذات، وفي حال اقترن هذا التحرك بالسعي الحثيث والجدي لاستئناف الحل التفاوضي الذي بدأ في جنيف 1 و2 .
لقد أفاد "داعش" من تعقيد الأزمة السورية ومن تعدد الأطراف الفاعلة على الأرض، بما يملي الإفادة من مكافحة داعش لتفكيك عناصر الأزمة السورية، ووضع الأطراف المحلية مجدداً وفي ظرف مُؤاتٍ امام خيار حل تفاوضي شامل . 
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب ومعلق سياسي، قاص وروائي أردني-فلسطيني، يقيم في عمّان وقد أمضى شطرا من حياته في بيروت والكويت، مزاولاً مهنة الصحافة. ترجمت مختارات من قصصه إلى البلغارية والإيطالية والإنجليزية والفرنسية

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"