«الجدار».. معركة ترامب والديمقراطيين

03:39 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. رضا محمد هلال *

استمراراً لسياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تحدي الأسس والقواعد المتعارف إليها في علم السياسة والممارسات الديمقراطية في الدول المتحضرة؛ أعلن تحديه لموقف مجلس النواب الأمريكي المعارض لطلبه بإقرار ميزانية تقدر بحوالي 5.7 مليار دولار أمريكي لاستكمال بناء الجدار الحدودي الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك؛ وربطه في مرحلة تالية بموافقته على تمويل نفقات المؤسسات والأجهزة الفيدرالية والتي يعمل بها أكثر من 800 ألف موظف.
تهدد عملية التجاذب والضغط المتواصل الذي وصل لمرحلة «لي الذراع» والتحديات بين الطرفين، استقرار واستمرارية الأداء «النموذجي» للنظام السياسي الأمريكي.
* أولاً- جدار ترامب والإصرار على ترويج الادعاءات وتجاهل الحقائق:
يبلغ طول حدود الولايات المتحدة مع جارتها الجنوبية المكسيك نحو ثلاثة آلاف كيلو متر، منها 1100 كيلو متر مسيجة ‏بجدار من شرائح الفولاذ يبلغ ارتفاعها ثلاثين قدماً وأسلاك شائكة، لكن هذا القسم يحتوي على فتحات تتم من خلالها عمليات تهريب ‏وتسلل للسلع والأفراد على جانبي الحدود شأن غالبية دول العالم المتقدم والنامي على السواء‎.‎ لذا طرح دونالد ترامب أثناء حملته الانتخابية للرئاسة في عام 2016 قضية استكمال بناء الجدار الحدودي مع المكسيك بسبب ما ادعاه من تزايد الأزمات الإنسانية والأمنية على الحدود الجنوبية مع المكسيك، حيث يعجز موظفو الجمارك وحرس الحدود الأمريكيون عن مواجهة آلاف المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون التسلل إلى الولايات المتحدة، علاوة على استخدام عصابات التهريب «الحدود المفتوحة» بين البلدين لتهريب مئات السلع وضياع مليارات الدولارات كرسوم جمركية للخزانة الأمريكية. كما توعد ترامب مراراً بترحيل المهاجرين غير الشرعيين من بلاده والذين وصفهم «باللصوص» وب«مرتكبي جرائم اغتصاب»، والمقدر عددهم بأكثر من 11.5 مليون لاجئ، جاء أغلبهم من المكسيك، أو عبروا منها إلى الولايات المتحدة، قادمين من مختلف دول أمريكا اللاتينية.
وقد اعتبر أعضاء وقيادات الحزب الديمقراطي أن سياسة ترامب في تنفيذ الجدار ليست فقط هدراً للمال إنما يتم استخدامها من جانب الرئيس لإثارة الكراهية للأجانب الذين تعرضوا للمزيد من الإجراءات التعسفية ضدهم، بدءاً من منعهم من دخول الأراضي الأمريكية مروراً بمنع التحاق أبنائهم بهم في الولايات المتحدة، نهاية بفرض رسوم مالية عند تجديد إقاماتهم بالولايات المتحدة وهي القرارات التي رفضتها أغلب محاكم الولايات الأمريكية وألغتها المحكمة العليا في بداية يناير الحالي.
* ثانياً- بدائل ترامب لاستكمال بناء الجدار الحدودي:
هناك عدة خيارات أو وسائل أمام ترامب لتنفيذ سياسته الخاصة باستكمال الجدار الحدودي الفاصل مع المكسيك لكل منها مكاسبه ومزاياه وأيضاً مثالبه ومعوقاته؛ من أهمها:
1- استمرار الصراع السياسي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحزبه الجمهوري وأعضاء الحزب الديمقراطي بمجلس النواب الرافضين الموافقة والإفراج عن الأموال المقدرة لتمويل تنفيذ هذا المشروع الذي يصفونه بأنه «مشروع من القرون الوسطى»؛ وبالتالي مواصلة أسباب الشلل الجزئي للإدارات الفيدرالية في الولايات المتحدة الذي وصل لأكثر من خمس وعشرين يوماً بسبب عدم الاتفاق على الميزانية؛ وتزايد معاناة أكثر من 800 ألف أسرة أمريكية تعتمد في دخلها على أجور ومرتبات حكومية فيدرالية؛ وهو ما ستكون له تداعيات وآثار سلبية في تأييد الأمريكيين لمرشحي الحزبين بانتخابات الرئاسة في 2020.
2- مطالبة المكسيك بالمشاركة في التمويل: طالب ترامب عقب توليه الرئاسة حكومة المكسيك بالمشاركة في تمويل تنفيذ الجدار الحدودي معها، وهو ما رفضته الحكومة المكسيكية بشكل قاطع؛ لذا اتجه ترامب في مارس 2017 لتهديد المكسيك بفرض ضرائب على المنتجات المكسيكية لتمويل مشروع الجدار الفاصل بين البلدين، وهو ما استتبع رد وزير الخارجية المكسيكي، لويس فيديجاراي، بأن بلاده قد ترد بالمثل على قرار ترامب وأن المكسيك مستعدة لمواجهة التطورات في الإطار المذكور.
3- القبول بمقترح وسط في تنفيذ جزء من الجدار وترميم الأجزاء القديمة بمبلغ لا يزيد على 1.6 مليار دولار: وفقاً للبيانات المتاحة من عدة مصادر وافق الكونجرس في سبتمبر 2017 على بناء 124 ميلاً من الحواجز الجديدة وتغيير الحواجز القديمة، وأن المشكلة الراهنة تتعلق بتكلفة بناء 14 ميلاً من الحواجز الجديدة التي تصل تكلفة بنائها وفقاً للنماذج التي أعدتها إدارة ترامب لنحو 5.7 مليار دولار؛ وهي تكلفة وفقاً لرأي الحزب الديمقراطي مرتفعة للغاية ومبالغ فيها ويمكن تخفيضها إلى ما لا يزيد على 1.6 مليار دولار في حال استخدام شرائح الفولاذ المتباعدة - وفقاً لما هو قائم فعلاً - بدلاً من النماذج التي قدمتها إدارة ترامب ويتم فيها الجمع بين الأسمنت والحديد في تنفيذ الجدار بارتفاع 20 متراً. وتتخوف إدارة ترامب من القبول بهذا المقترح الذي يمكن أن يخفض من التكلفة الإجمالية المطلوبة لاستكمال الجدار بأكمله إلى ثمانية مليارات دولار بدلاً من 25 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2019 و2020؛ وبالتالي تعطيل المشروع الذي يعتمد عليه ترامب في حملته الانتخابية للترشح للرئاسة في عام 2020.
4- اللجوء لأساليب أخرى أقل تكلفة في إقامة الجدار الحدودي: طرحت عدة شركات أمريكية وسائل وأساليب جديدة أقل تكلفة لبناء الجدار الافتراضي لمراقبة الحدود الأمريكية مع المكسيك. وتؤكد الشركات على أن النظام يعتمد في عمله على نشر شبكة رادارات وأجهزة استشعار وكاميرات ترصد باستخدام الليزر ليلاً نهاراً وفي كل الظروف المناخية، بشكل تلقائي أي عملية تسلل للحدود ويزوّد قوات الأمن بالإحداثيات عبر نظام تحديد المواقع العالمي (جي. بي. إس) لكامل الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك على مسافة تمتد إلى 3200 كيلو متر، ودون أن يشوّه المنظر العام أو يضر بالنظام البيئي؛ وبتكلفة لا تزيد على 1.5 مليار دولار. وجه القصور الوحيد بهذه الحلول والبدائل التكنولوجية يكمن في تغيير مهنة أو الاستغناء عن 200 ألف شخص أمريكي يقومون بحراسة الحدود الأمريكية مع المكسيك؛ وهي بلاشك تكلفة وثمن سياسي يتخوف الحزبان الجمهوري والديمقراطي من المجازفة بشأنه.
5- إعلان حالة الطوارئ: ألمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الخميس 9 يناير 2018 احتمال قيامه بإعلان حالة الطوارئ التي ‏تسمح له بالحصول على التمويل اللازم لبناء الجدار الحدودي بين بلاده والمكسيك، الذي تعهد ‏ببنائه خلال حملته الانتخابية، دون انتظار الحصول على موافقة الكونجرس.‏ وحالة الطوارئ هي أمر يعلنه الرئيس الأمريكي ويمنحه صلاحيات خاصة، بموجب قانون ‏الطوارئ الوطني لعام 1976؛ ويأمل ترامب أن يستخدم هذه الصلاحيات للحصول على المال ‏اللازم لبناء الجدار. غير أن الرئيس الأمريكي يواجه بعض القيود التي ربما تمنعه من إعلان حالة الطوارئ، لأنه من ‏المفترض موافقة 96 سلطة قانونية من بين السلطات التشريعية ال136 على القانون، ومن ‏المستبعد أن يحصل ترامب على ذلك، ‏ كما أن إعلان ترامب لحالة الطوارئ سيدفعه لخوض معركتين على جبهتين منفصلتين هما الكونجرس والمحاكم، نظراً لاتهامه بإساءة استخدام السلطات التنفيذية الممنوحة له بموجب الدستور.‏

* باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"