«القصر».. متحف مفتوح للتاريخ المصري

تُعرف بـ «عروس الواحات»
00:25 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة:«الخليج»

نادراً ما نجد مكاناً يحتفظ بعبق التاريخ، وشموخه الجغرافي والثقافي والتراثي والحضاري بقدر ما نراه في قرية القصر.. «عروس الداخلة أو الواحات المصرية» كما يطلق عليها، ومن يزور «قرية القصر» يشعر كما لو أنه في المدينة الفاضلة التي يتخيلها الشعراء، لأن زائرها يجد فيها كل ما يشتهيه من جمال وهدوء وشاعرية وبيئة نظيفة خالية من التلوث، وتتمتع تلك القرية الأثرية بأنها ما زالت تحتفظ بآثار فريدة ينحني لها التاريخ.
تجمع قرية القصر الإسلامية، بين كونها واحدة من أقدم القرى التاريخية في صحراء مصر الغربية، وكونها تعد متحفاً مفتوحاً يروي للزائرين جانباً من ملامح الحياة في الزمان السحيق؛ حيث يرجع تاريخ بنائها إلى أكثر من سبعمئة عام.

ويرجع باحثون مصريون، تاريخ إنشاء «قرية القصر» إلى بدايات العصر الأيوبي، لكن القرية ظلت عقوداً طويلة قابعة وسط رمال الصحراء الغربية دون أن ينتبه إليها أحد، قبل أن يتم تسجيلها قبل سنوات ضمن قائمة الآثار المصرية، لتخضع بعد ذلك لعمليات ترميم وصيانة كبيرة، تمهيداً لفتحها للسياح.
وتقع القرية في الجزء الجنوبي من مصر، الذي يمتد غرب وادي النيل إلى عمق الصحراء الغربية، وتحدها من الشرق محافظات الصعيد (المنيا وأسيوط وسوهاج وقنا)، ومن الشمال محافظة مطروح والواحات البحرية، ومن الغرب حدود مصر الدولية مع ليبيا.
وتتميز القرية بمنازلها المبنية بالطوب اللبن، وعلى الطرز التي عرفتها مصر خلال العصر الأيوبي، وعلى رغم بساطة البناء في تلك البيوت، إلا أنها صمدت كثيراً في مواجهة نوازل الدهر، لا ينافسها في ذلك سوى بعض أطلال لآثار ترجع إلى التاريخ الفرعوني القديم، لا تزال صامدة هي الأخرى على مشارف القرية.
وما يميز قرية القصر الإسلامية عن غيرها من القرى التاريخية، أنها لا تزال عامرة بالسكان، هؤلاء الذين يحرصون على ممارسة حياتهم اليومية، بشكل يحافظ على تاريخ القرية، ويراعي قيمة ما تضمه من مبانٍ تدخل في قائمة الآثار والتراث الإنساني في مصر. ويعيش أهالي القصر مثل غيرهم من سكان الريف المصري على زراعة النخيل، الذي يعد أشهر الزراعات في منطقة الوادي الجديد، وتقوم على تلك الزراعة صناعات عديدة، من أشهرها إنتاج التمور؛ حيث يعد تمر الوادي الجديد أحد أجود أنواع التمر المصري الذي يتم تصديره للخارج.
وتزدهر في قرية القصر الصناعات المرتبطة بالنخيل، مثل أثاث البيوت من السعف، إلى جانب السجاد والكليم اليدوي؛ لذا فإن مصر تنظر دائماً إلى مجتمع القرية باعتباره مجتمعاً منتجاً، يعكس بوضوح ذلك التماهي الواضح بين البيئة الفريدة، والميراث الثقافي والاجتماعي.
وتضم القرية نحو 200 بيت، تجاورها بعض المواقع الأثرية، التي كانت تستخدم في العصور السابقة، كالطاحونة ومبنى المحكمة، إضافة إلى العديد من مآذن المساجد الأثرية، التي لا تزال تحتفظ بنضارة تاريخها، ولا تتجاوز ارتفاعات البيوت في القرية ثلاثة طوابق، تتضمن أماكن للمعيشة وأخرى للنوم وثالثة لتخزين الثمار والغلال.
ويقول كثير من المؤرخين، إن قرية القصر كانت واحدة من القرى التي استقبلت القبائل الإسلامية التي وفدت إلى الواحات في العام 50 هجرية، وهم يدللون على ذلك بالمسجد العتيق الذي لا تزال مئذنته قائمة حتى اليوم، وهي مبنية من الخشب، وتتكون من ثلاثة طوابق بارتفاع يصل إلى 21 متراً، وتتميز بالأعتاب الخشبية المنقوش عليها آيات من القرآن الكريم.
تمتد قرية القصر على مساحة تصل إلى 10 أفدنة، وهي تبعد نحو 32 كيلو متراً من مدينة «موط» بالواحات الداخلة ويحدها من الشمال تل مرتفع ومن الشرق بئر لعين الحامية الجاف، ومن الجنوب مسجد نصر الدين، ومن الغرب مقام الشيخ حمام، وفي طرفه الشمالي ضريح الشيخ أبو بكر.
ويرجع كثير من المؤرخين تسمية القرية بهذا الاسم، نظراً لوجود بقايا قصر روماني قديم، لا تزال آثاره باقية تحت القرية، وهو يعكس روعة التخطيط الهندسي للقرية، التي جرى تقسيمها إلى دروب وأحياء وحارات.
وتشتهر القرية بالعديد من الحرف، التي سميت على اسمها بعض الحارات والدروب، وأهم ما يميز هذه الحارات هو منازلها المتلاصقة التي تعبر عن روح الأسرة الواحدة، حتى إن أسطح المنازل كلها مفتوحة على بعضها لا يفصلها سوى بقايا سعف النخيل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"