«طرابلس».. معركة الحسم السياسي

02:19 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. هشام بشير*

يبدو أن الأوضاع الراهنة في ليبيا تتجه نحو مزيد من التعقيد بما يحول دون إمكانية تحقيق التسوية السياسية في الأمد القصير، خاصة بعد قيام الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر في الرابع من أبريل/نيسان الجاري بالاتجاه غرباً نحو العاصمة الليبية طرابلس لتطهيرها من الميليشيات الإرهابية التي تحظي بتأييد فايز السراج رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، المدعوم من عدة عواصم إقليمية ودولية من بينها قطر وتركيا.
السراج دعا قواته والميلشيات الداعمة له لمواجهة تحركات الجيش الليبي بالقوة، متهماً حفتر بالانقلاب على الاتفاق السياسي المبرم في ديسمبر/كانون الأول 2015، مستفيداً من الدعم القطري والتركي غير المحدود لتلك الميليشيات الإرهابية.
وما زاد حدة اشتعال المعركة حول العاصمة الليبية طرابلس هو إصدار المدعي العام العسكري في الجيش الليبي في العاشر من أبريل نسيان/الجاري، مذكرات اعتقال بحق السراج ضمن قائمة شملت 24 من المسؤولين العسكريين والمدنيين بالحكومة، وتضمنت القائمة أسماء بعض أعضاء المجلس الرئاسي لحكومته، إضافة إلى الصادق الغرياني، المفتي السابق المنتمي لجماعة «الإخوان» المسلمين وطلب من كل الأجهزة التابعة للجيش اعتقال هؤلاء، على خلفية تحقيقات تجرى حالياً في قضايا متعلقة بالمجموعات الإرهابية والميليشيات المسلحة، واتهم القرار المشمولين به بارتكاب جريمة تسهيل الحرب ضد الدولة، والسعي لإثارة حرب أهلية في البلاد، وإنشاء تنظيمات غير مشروعة، إضافة إلى القيام بأعمال إرهابية. أظهرت تطورات الأحداث الأخيرة في طرابلس حجم الهوة والانقسام الكبير بين الدول الكبرى خاصة الدول الأوروبية؛ لذا لم يكن غريباً أن يؤكد رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني أن هناك انقساماً داخل الاتحاد الأوروبي بشأن آخر تطورات الأحداث في ليبيا، على الرغم من وحدة الموقف الرسمي للتكتل، وبمعنى أكثر تحديداً وبعيداً عن تصريحات رئيس البرلمان الأوروبي، فإن معركة طرابلس كشفت بشكل واضح عن اتساع فجوة التناقضات الكبيرة بين فرنسا وإيطاليا حول ليبيا، بعدما اتهمت روما باريس بالتورط في المواجهات العسكرية التي تشهدها طرابلس.
في ظل تصاعد وتيرة معركة طرابلس وما تلاها من مواجهات أسفرت عن سقوط عشرات القتلى والمصابين، ظهرت دعوات عالمية لوقف التصعيد العسكري في ليبيا ففي السادس من أبريل/نسيان 2019، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى وقف التصعيد العسكري في ليبيا، وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن مشاكل ليبيا لا يمكن أن تحل بالوسائل العسكرية، ولكن في الرابع عشر من أبريل/نسيان 2019 التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي بقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، حيث شدد الأول على دعم القاهرة لجهود مكافحة الإرهاب والجماعات والميليشيات المتطرفة لتحقيق الأمن والاستقرار للمواطن الليبي في كافة الأراضي الليبية.
وفي السابع من أبريل الجاري دعت روسيا الطرفين إلى التوصل إلى اتفاق، حيث أعلن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن روسيا تستخدم كل الإمكانيات المتاحة لحث جميع الأطراف في ليبيا على الامتناع عن التصرفات التي من شأنها أن تؤدي إلى إراقة الدماء.
وحذر وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، من التدخل الأجنبي في ليبيا، والدعوة إلى وقف القتال المتجدد فيها، وفي الثامن من نفس الشهر حثت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، الطرفين وعلى وقف العمليات العسكرية فوراً. وفي نفس اليوم حذرت الولايات المتحدة من التصعيد العسكري في ليبيا، وفي التاسع من أبريل/نسيان الجاري أعلنت البعثة الألمانية لدى الأمم المتحدة أن ألمانيا دعت لعقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول ليبيا، وفي العاشر من نفس الشهر عقد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً لبحث الوضع في ليبيا، ودعا المجلس إلى وقف القتال فوراً، وحث الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس إثر جلسة مغلقة لمجلس الأمن على وقف المعارك والعودة للحوار، والحاجة إلى إعادة إطلاق حوار سياسي جدي، وتجنب وضع أسوأ قد يكون معركة عنيفة ودموية للسيطرة على طرابلس.
وفي الحادي عشر من أبريل/نسيان الجاري أعلن الجيش الوطني السيطرة على مطار طرابلس، والتقدم باتجاه وسط المدينة لتصفية الجيوب الإرهابية والميليشيات المسلحة.
وفي الخامس عشر من أبريل/نيسان الجاري أعلن اللواء أحمد المسماري المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي في مؤتمر صحفي بمدينة بنغازي أن عدداً من قيادات تنظيم القاعدة الإرهابي توجد في العاصمة طرابلس، مؤكداً أن هذه العناصر تسللت إلى داخل طرابلس خلال عام 2011. وأكد المسماري أن الإرهابي عبد الحكيم بلحاج المتورط في جرائم بالبلاد أسهم في نشر فكر القاعدة في المنطقة، محذراً من مخطط تقوم به الجماعات الإرهابية لتقوية نفسها على حساب الجماعات المسلحة في طرابلس، مؤكداً أن تنظيمات القاعدة و«الإخوان» وأنصار الشريعة يسعون إلى السيطرة على طرابلس عسكرياً بمساعدة دولية، مؤكداً أن هناك مخططاً خبيثاً لنقل إرهابيين من جبهة النصرة إلى العاصمة طرابلس عبر تركيا. كما أكد المسماري عزم الجيش الليبي على مواصلة المعركة حتى تحرير العاصمة من الإرهابيين والميليشيات المسلحة، وإعادتها إلى حضن الدولة.
ليس جديداً القول إن هناك صعوبة ملموسة في إيجاد حل ناجز للأزمة الليبية، خاصة مع استمرار المعارك في محيط طرابلس، وذلك بسبب مجموعة من التحديات أبرزها:
أولاً: صعوبة حسم المعركة بشكل كامل لصالح قوات المشير خليفة حفتر خلال فترة قصيرة.
وثانياً: استمرار الدعم الدولي والإقليمي للمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني وخاصة من جانب تركيا وقطر وإيطاليا. وثالثاً: الانقسام الكبير داخل المجتمع الليبي، وعليه توجد ثلاثة سيناريوهات هي الأقرب لمستقبل الأزمة الليبية على النحو التالي:
الأول: ستسعى الميليشيات الإرهابية المدعومة من تركيا وقطر إلى إعاقة تقدم الجيش الليبي من خلال الدعم العسكري واللوجستي الذي تتلقاه.
الثاني: أن يحقق الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر انتصاراً سريعاً ويتمكن من اقتحام طرابلس والسيطرة عليها خلال بضعة أيام، وهو أمر مرجح الحدوث في حال وصول الدعم اللوجستي المطلوب لقوات الجيش الليبي من الحلفاء الدوليين والإقليميين، وهذا السيناريو مطروح على الرغم من الصعوبات التي تحول دون تحقيقيه، وإذا تحقق هذا الانتصار لحفتر فمن المرجح تسريع وتيرة الحل السياسي.
الثالث: استمرار معركة طرابلس فترة ليست بالقصيرة، بحيث يستطيع الجيش الليبي أن يحقق بعض الانتصارات على أطراف العاصمة الليبية دون أن ينجح في السيطرة الكاملة على المدينة بعد الدعم الكبير من جانب مدينة مصراتة للميليشيات المسلحة الموجودة في طرابلس سواء مالياً أو لوجستياً، ناهيك أن طائرات مصراتة تقوم بين الحين والآخر بشن غارات جوية على تمركزات الجيش الليبي، وهو ما يعني تعقيد احتمالات نجاح التسوية السلمية في الأمدين القصير والمتوسط.

*مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"