أردوغان في خدمة «كورونا»

02:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

أصبحت تركيا خلال الأيام القليلة الماضية، البؤرة الأكثر خطورة لتفشي وباء كورونا، إذ تجاوز عدد الإصابات فيها 84 ألفاً، وبلغ عدد الوفيات بسبب المرض ما يقارب ال 2000 حالة، وهو الأمر الذي جعلها تتقدم على إيران.
الأمر الخطير بصورة خاصة، في ما يتصل بالحالة التركية، هو ذلك التفشي المتسارع لوباء كورونا، بحيث أصبح يصيب عدة آلاف كل يوم، واللافت للنظر بشدة هو أن السلطات التركية ظلت لفترة طويلة تعلن عدم وجود أي حالات إصابة ب «كورونا» على أراضيها، بينما كان الوباء ينتشر في مختلف أنحاء العالم، ولم تعلن عن أول إصابة إلا في ال 11 من مارس / آذار الذي كان - للمصادفة - يوم إعلان الصين عن سيطرتها على الوباء في ووهان، ثم بدأت أنقرة تعترف تدريجياً بوجود عدد قليل من الإصابات، وهو الأمر الذي كان مثيراً للشك، وغير قابل للتصديق، حتى تفجر الوضع، ولم يعد الإنكار مجدياً.

أسباب ونتائج

وللأسف الشديد فإن الشعب التركي دفع غالياً ثمن «حالة الإنكار» هذه، لأن الوباء استمر في التغلغل من دون مواجهة جدية، ليبلغ خلال أسابيع تلك الحالة المتفجرة التي تشهدها. علماً بأن مراقبين كثيرين قد حذروا من وجود حالات تتكتم عليها السلطات التركية، كما كانت قد ظهرت بعض الحالات في منطقة إدلب ومخيمات اللاجئين السوريين، وهي مناطق على احتكاك واسع ومباشر بالمدنيين والعسكريين الأتراك، كما أن تركيا لديها علاقات تجارية واسعة مع كل من الصين وإيران، وهو الأمر الذي لم يكن متصوراً معه أن تظل تركيا من دون إصابة واحدة حتى ال 11 من مارس.
والحقيقة أن منظمة الصحة العالمية، كانت قد حذرت من أن أغلب دول الشرق الأوسط لا تذكر الحقيقة في ما يتصل بانتشار كورونا لديها، وأن هذا السلوك ستترتب عليه أضرار كبيرة.
وعلى الرغم من ذلك كله، فقد ظلت السلطات التركية مصرة على سياسة الإنكار والتكتم، حتى تفجر الوضع وخرج عن نطاق السيطرة.
موقف أنقرة مفهوم طبعاً، وإن لم يكن مقبولاً على الإطلاق، فالمعروف أن الاقتصاد التركي يعاني تباطؤاً واضحاً خلال الأعوام الأخيرة، كما فقدت الليرة التركية نحو (14%) من قيمتها مقابل الدولار، وانسحبت استثمارات غربية كبيرة من السوق التركية، كما تقلص كثيراً تدفق الاستثمارات الدولية إلى تركيا. ومعروف أن كل ذلك يعود إلى سياسات أردوغان المتخبطة والمغامرة، وفقدان نظامه للمصداقية الدولية بصورة متزايدة، ثم جاء الوباء، لينعكس بصورة شديدة السلبية على الاقتصاد العالمي والتجارة الدولية، وهو ما كان بدهياً أن يعاني الاقتصاد التركي بدوره آثاره.
وبدهي أن الاعتراف المبكر بوجود الوباء كان لا بد أن تترتب عليه إجراءات واسعة النطاق لمواجهته، سواء على المستوى الصحي، وما تتطلبه المواجهة من إنفاق حكومي.. أو على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، حيث كان ينبغي اتخاذ قرارات بالحظر الجزئي أو الكلي للتجوال، وما يرتبط به من إغلاق للمصانع والمنشآت الاقتصادية وأماكن الترفيه والخدمات والتجمعات، بما يعنيه ذلك من تراجع كبير للإنتاج من ناحية، ومن ضرورة دعم المؤسسات الاقتصادية من ناحية ثانية، ومن ضرورة - لا مفر منها - للمشاركة في دفع أجور العمال والموظفين الذين سيضطرون للمكوث في منازلهم، ولا تستطيع المؤسسات دفع أجورهم كاملة، أو لا تريد ذلك - فضلاً عن أصحاب المنشآت الصغيرة، والعمالة غير المنتظمة.. إلخ. وكل هؤلاء يمثلون نسبة كبيرة في الاقتصاد التركي، لأنه ليس بدرجة تطور الاقتصادات الغربية المتقدمة.
وبناء على ذلك فقد لجأ النظام التركي - لفترة طويلة - لسياسة «الإنكار» ليتفادى الكلفة الاقتصادية والمالية الفادحة للمواجهة الجادة للوباء، خصوصاً في ظل أوضاعه الاقتصادية غير المواتية.
وقد يقال: إن الدول الغربية الأكثر تقدماً والأغنى من تركيا قد تلكأت في بدء إجراءات المواجهة الجدية لرغبتها في تفادي الثمن الاقتصادي الفادح.. وترتب على ذلك درجة كبيرة من تفشي «كوفيد 19»، وخسائر كبيرة في الأرواح، لكن خطأ - وبالأحرى خطيئة - تلك الدول لا تبرر خطيئة أردوغان، ومن ناحية ثانية، فإن تلك الدول لم تكذب على مواطنيها، ولم تلجأ إلى «حالة الإنكار»، التي لجأ إليها أردوغان، وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع بالصورة المخيفة التي نراها، والتي يزيد من تفاقمها وخطورتها طريقة الرئيس التركي ونظامه، المتحفظة في مواجهتها، وفضلاً عن الثغرات الكبيرة في النظام الصحي التركي.

انعدام المسؤولية

حينما أصبح أردوغان مضطراً للاعتراف باتساع نطاق الوباء، فإنه تلكأ طويلاً في الاستجابة لمطالبات واسعة في المجتمع - ومن جانب رؤساء البلديات المنتخبين - بفرض حظر للتجوال.. وهي مطالبات تعود لأكثر من شهر، ثم انتقل أوائل الشهر الجاري لحظر السفر بين المحافظات مع حظر التجوال في عطلة نهاية الأسبوع فقط.
وشهد الأسبوع الماضي مهزلة سوداء، حينا أجبر أردوغان وزير الداخلية التركي على إصدار قرار بحظر التجوال، قبل بدء سريان الحظر بساعتين فقط! وهو ما ترتب عليه ازدحام كبير أمام وداخل محلات السلع الغذائية ومحطات وسائل النقل، لأن الناس فوجئوا بالقرار وهم في الشوارع! ومعروف أن هذه ظروف «مثالية» لانتشار العدوى.
ومعروف أيضاً أن السجون التركية مكدسة بالنزلاء أكبر من طاقتها كثيراً. ومع ذلك فإن حزب أردوغان وحلفاءه حينما استصدروا قراراً من البرلمان بالإفراج المؤقت عن قسم من المسجونين لتفادي التفشي الكبير للعدوى، أفرجوا عن 45 ألفاً من المسجونين الجنائيين، ورفضوا إطلاق الإفراج عن السياسيين، بدعوى أنهم إرهابيون!
وعلى المستوى الاقتصادي تقدم أردوغان بحزمة مساعدات لرجال الأعمال قدرها 15 مليار دولار، تمثل مبلغاً ضئيلاً من اقتصاد ناتجه السنوي الإجمالي 800 مليار دولار.. ولم يقدم شيئاً للعاملين الذين فقدوا وظائفهم، بل دعا المجتمع لجمع تبرعات لهم! ومع ذلك فحينما فتحت بلديتا إسطنبول وأنقرة «المعارضتان» حسابات لتلقي التبرعات، طلب منهما إغلاقهما بدعوى أنهما لم تحصلا على التصريح اللازم! ومن دون مبالاة بمصير الناس المحتاجين إلى المساعدة! ويا له من شعور بالمسؤولية تجاه الشعب!

تصدير الوباء

لم يكتفِ أردوغان بكل هذا التخبط وانعدام المسؤولية داخل بلاده، بل بلغ به انعدام المسؤولية الإنسانية والضمير، درجة إشعال الوضع غربي ليبيا، وإرسال أكثر من 1500 مرتزق جديد إلى طرابلس لشن هجوم مضاد على الجيش الوطني الليبي، وهو الأمر الذي يخلق ظروفاً مواتية لانتشار كورونا «هناك عشرات الحالات على الأقل»، وإفشال جهود مكافحته.
وهو ما يسعى لتكراره في إدلب أيضاً، لولا أن الوجود العسكري السوري والروسي القوي يلجم محاولاته الإجرامية، التي تنطلق من التجاهل المطلق لدعوة الأمم المتحدة «لإسكات المدافع»، وتركيز الجهود على مكافحة الوباء.
الحقيقة أن أردوغان يبرهن على أن خطره على شعبه وشعوب المنطقة لا يقل عن خطر جائحة كورونا.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"