أشياء لا تباع ولا تُشترى

02:46 صباحا
قراءة دقيقتين
يوسف أبولوز

شهدت الرواية العربية في السنوات الأخيرة، وبخاصة بعد ظهور البوكر العربية موجة واسعة على صعيد الترجمة إلى اللغات العالمية: الإنجليزية والفرنسية بشكل خاص، وربما كان حصول نجيب محفوظ على نوبل في عام 1988 ما لفت بعض دور النشر العالمية إلى نقل الأدب العربي، وتحديداً الرواية منه، إلى لغات مركزية، لكن بصرف النظر عن بوابة محفوظ والبوكر إلى عالمية الرواية العربية عبر الترجمة، استطاع كتّاب عرب تسويق أعمالهم الروائية في العالم، ناهيك عن عرب يكتبون بلغات أخرى.

لكن ما هو نصيب الشعر العربي من هذه الترجمة العالمية، فترجمة الشعر إلى الإنجليزية والفرنسية أو الألمانية والروسية واليابانية والصينية قليلة جداً، إن لم تكن معدومة في بعض هذه اللغات.

هناك قامات عالية شعرية عربية، تستحق أيضاً الترجمة وعلى سبيل المثال: عبدالوهاب البياتي، حسب الشيخ جعفر، أمل دنقل، محمد عفيفي مطر، جوزيف حرب، محمد القيسي، حبيب الصايغ، وغيرهم، وقد يكون هؤلاء قد ترجمت بعض من قصائدهم إلى لغات عالمية، ولكن هذه الترجمات، كما قلنا، محدودة، وأحياناً تقوم على العلاقات الشخصية مع بعض ممّن ينجزون أنطولوجيات للشعر العربي، وحتى المشروع الذي أسسته الشاعرة والمترجمة والناقدة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوّسي في عام 1980 تحت عنوان: «بروتا» لنقل الأدب والثقافة العربية إلى العالم الانجلو ساكسوني لم يكن نصيب الشعر فيه يغطي ظواهر شعرية تستحق الترجمة.

نعود إلى السؤال لماذا لا يُترجم الشعر العربي مثلما ترجمت الرواية العربية؟

للإجابة عن هذا السؤال يمكن القول إنه من السهل عملياً ومهنياً ترجمة السرد، لأن لغة الرواية هي لغة حكائية في الأغلب، أما لغة الشعر، فهي صعبة على الترجمة، وتعد لغة الكناية، والتورية، والمجاز.

في اللغة الروائية لا توجد، في الأغلب، صورة شعرية، تلك الصورة التي تقوم على «فجوة التوتر» بحسب كمال أبوديب.. هذه الفجوة بمثابة معادلات لغوية، وإشارية، وإحالية، وتأويلية أحياناً، فكل هذه المعادلات، وكل هذا «التوتر» ليس موجوداً في الرواية.

طبعاً، هناك روايات تنهض على لغة شعرية، وتنأى قليلاً أو كثيراً عن اللغة السردية، ويمكن القول إن ترجمتها إلى الإنجليزية أو الفرنسية صعبة، لكنها روايات قليلة، ثم إن الناشر أو المترجم يصوبان أعينهما على الرواية السردية الحكائية التي تبيع أو لها مؤشر مبيعات مرتفع.

لغة الشعر، أيضاً، هي لغة ظاهر وباطن، لغة إيجاز وتكثيف خصوصاً في شعر اللقطة أو شعر اللحظة اليومية، والمترجم، وأحياناً، حتى لو كان محترفاً يجد نفسه في متاهة الظاهر والباطن عندما يترجم الشعر.

أكثر من مترجم وأكثر من شاعر وأكثر من ناقد، تحدثوا عن صعوبة ترجمة الشعر.. ترجمته موزوناً؟ أم ترجمته منثوراً؟ الترجمة الحرفية؟ أم ترجمة المعنى؟ ثم.. وما معدل حجم الخيانة في الشعر إذا انشددنا إلى مقولة أن الترجمة خيانة.

الموضوع متشعب وجميل في الوقت نفسه.. لنكن صرحاء في كلمتين: الرواية لها سوق مبيعات ولها قارئ.. والشعر لا يبيع «في الشعر أشياء لا تباع ولا تُشترى» بلغة أمل دنقل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"