إنسان المستقبل يحاكي “سبايدر مان”

بفضل تقنية “النانو”
13:50 مساء
قراءة 4 دقائق

إذا كنت من هواة مشاهدة أفلام سبايدر مان أو الرجل العنكبوت، وتحب ان تقوم يوماً بمغامراته في تسلق واجهات ناطحات السحاب، أو المشي على السقف والالتصاق به، كما تفعل السحلية، فاعلم أن هذا الحلم لم يعد في مجال المستحيلات، بل غدا ممكناً بفضل قفازات واحذية مغطاة بأنابيب نانوية مصنوعة من الكربون.

يقول الباحث الايطالي المتخصص بالأنابيب النانوية، نيكولا بوينو، إن الحلم سيكون حقيقة خلال عشر سنوات على الأكثر، إذ سيتمكن أي رجل قوي العضلات البقاء معلقاً في السقف بشكل متوازن، والمشي على الواجهات العمودية، وكأنه سوبر مان أو شخص يمثل دور سبايدر مان في أحد الأفلام الخيالية.

المعروف أن بعض الحيوانات تقوم بهذا العمل بشكل طبيعي كما هو الحال لدى بعض السحالي المعروفة باسم الجيكو أبو بريص وتتغطى اصابع الجيكو بشعيرات مجهرية تجعلها قادرة على التجول ورأسها نحو الأسفل، فوق الاسطح الملساء. وكان الباحث بوينو استوحى فكرته من القدرات الفائقة الموجودة لدى الجيكو، لكن باستبدال الشعيرات المجهرية، بأنابيب الكربون النانوية فائقة الصغر، التي يصل قطر كل انبوب منها الى جزء من المليار من المتر، ويتكون كل انبوب نانوي من مجموعة من ذرات الكربون الموضوعة على هيئة خلية نحل، وكل انبوب نانوي اصغر من شعرة الرأس بمائة الف مرة. وتعتبر الروابط بين الذرات بالغة القوة، ولذا فمن الممكن ان تكون هذه الانابيب اشد متانة من الفولاذ بمائة مرة، واخف منه بست مرات، نظراً لعدم احتوائها على ذرات الحديد، بل الكربون الخفيف، المثير في الأمر أن ثمة تشابهاً كبيراً بين الأنابيب النانوية، ونهايات الزوائد الحساسة في قوائم الجيكو، عند النظر اليها تحت المجهر، حيث تتشعب الى مئات الشعيرات الخيطية الدقيقة، وهنا يكمن السر في قدرة الجيكو على البقاء ملتصقاً في الجدران ، التي يمشي عليها، يذكر أنه عندما يضغط بقوائمه على سطح الجدار، فإن جزيئات الكيراتين المكونة من تلك الشعيرات الدقيقة تجذب جزيئات السطح من خلال قوى معروفة بقوى فان در فال، نسبة الى العالم الذي اكتشفها، وعلى الرغم من أن هذه القوى ضعيفة جداً ولا تؤثر إلا ضمن المسافات الصغيرة، فإننا نجد أن الأمر يختلف في قوائم الجيكو أبو بريص، حيث تتواجد في قوائم هذا الحيوان شعيرات كثيرة قاسية متراصة ومتقاربة بشكل كبير على هيئة مجموعات رباعية، لتكون في النهاية ما يشبه الغابة الشعيرية التي تعد بالملايين، وفي هذه الحالة تصبح قوى فان در فال كافية لتتمكن هذه الشعيرات من الالتصاق في سطح السقف حتى ولو كان زجاجياً. ولكن كيف يمكن لأبي بريص الجيكو التفلب من السطح الذي يمشي عليه، إذا كانت هذه الشعيرات تجعله ملتصقاً به الى هذا الحد؟

الواقع أنه يكفي ان يحرك الحيوان قائمته نحو الأمام، لتتغير الزاوية بين السطح والشعيرات القاسية المنتصبة، وفي هذه الحالة تصبح قوة فان در فال، غير مؤثرة بدرجة كافية على السطح لتبقى عالقة فيه، ولذا فإن الجيكو ينزلق دون ابداء أي جهد على السطح. أما فيما يتعلق بالأنابيب النانوية فتعمل بالطريقة نفسها علاوة على أنها قادرة على الانثناء، من دون ان تنكسر نظراً لليونة الفائقة التي تتمتع بها، خاصة عندما يضع المرء الذي يلبس القفازات، يديه على السطح اذ يمكن للقفازات ان تغير من زاوية الشعيرات النانوية الموجودة على سطحها.

التحليق في اللاجاذبية

حتى يولد الباحث بوينو عملية الالتصاق نفسها الموجودة لدى الجيكو بالإضافة الى عملية الانفصال عن السطح، عمل على تغطية القفازات والاحذية بغابة من الانابيب النانوية المتشعبة، ومن الواضح ان الباحث لم يبدأ من الصفر بل انطلق من ابحاث قديمة، اجراها باحثون قبله على الأنابيب النانوية، وإذا كان هؤلاء لم يتوصلوا الى تصنيع هذه الانابيب بكمية كبيرة، فإنهم سيصلون الى الحل في المستقبل القريب من دون شك، لا سيما ان التطبيقات التي يمكن أن تتمخض عن هذه التقنية، ستكون مهمة في المجالين الفضائي والعسكري نظراً لحاجة هذين المجالين الى معدات خفيفة ومتطورة وعلى درجة عالية من الكفاءة، فعلى سبيل المثال يمكن لرواد الفضاء التعلق بجدران المركبة الفضائية في حالة انعدام الجاذبية، وتثبيت اجسام كثيرة كما هو الحال لدى حيوان الجيكو.

أما في المجال العسكري، فيمكن للجنود الذين يقومون بتنفيذ عمليات كوموندوز، التزود بترسانة من الاسلحة التي لا تعيق تحركهم خاصة في المناطق ذات التضاريس الوعرة بمعنى ان هؤلاء الجنود يكونون على قدرة كبيرة من التحرك والسرعة والأداء الكيفي والنوعي، إذا ما توجب عليهم وضع قفازات، أو انتعال احذية للقيام بعمليات تسلق غير اعتيادية.

ولكن قبل أن يتمكن هؤلاء الجنود من ارتداء سترة الرجل العنكبوت عليهم ان ينتظروا بعض الوقت ليتمكن الباحث بوينو من التغلب على بعض العوائق التقنية، لأن كثرة التعلق بالجدران والانفصال عنها يؤدي الى تجمع الشوائب، والقاذورات على الشعيرات الاصطناعية النانوية الموجودة على القفازات والأحذية، وبالتالي فإنها تفقد من قدرتها على الالتصاق أو الالتحام مع الجدار، والمثير في الأمر أن ابو بريص نفسه يستطيع الخروج من هذا المأزق بفضل نظام الغسل الفعال، فكلما مر أبو بريص فوق سطح رطب فلا يمكن لنقاط الماء الدقيقة أن تنفذ الى شعيراته الصغيرة المجهرية فقط وتعمل بالتالي على ازالة قوة الالتصاق بالأسطح، بل تعمل ايضاً على حمل الاغبرة معها، وتكون النتيجة، أن هذه الشعيرات تتنظف من تلقاء نفسها، وهو ما لا يوجد في الانابيب النانوية، التي يتطلع الباحث بوينو الى صنعها، ويشير بعض الباحثين الى ان بعض هذه التركيبات خضعت لمعالجات خاصة بهدف دفع الماء عنها، لكن لا نعلم حتى الآن ان كانت تحتفظ بقدرتها على الالتصاق بالأسطح.

أما من جهة التخلص من القاذورات بشكل مستمر كلما وضع المرء يديه على هذا السطح أو ذاك وهو يلبس القفازات، أو ينتعل الحذاء، فلم يتوصل الباحث الايطالي بخصوصها الى نتيجة حاسمة، ولذا يعتقد بوينو بأن أمامه عشر سنوات على الأكثر لحل جميع الصعوبات التي تعيق انتاج هذه القفازات، وتلك الاحذية بشكلها النهائي وبالتالي التوصل الى بزة الرجل العنكبوت الحقيقي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"