الأب الروحي.. خوان رولفو

01:12 صباحا
قراءة 3 دقائق
حقق الكاتب المكسيكي خوان رولفو (16 مايو/أيار 1917 - 8 يناير/كانون الثاني 1986) شهرة واسعة، بفضل مجموعته القصصية «السهل يحترق»، التي أصدرها عام 1953 وترجمت إلى عدد كبير من اللغات، وكان لصدور روايته «بدرو بارامو» سنة 1955 تأثير كبير في التعرف إلى الواقعية السحرية، الاتجاه الذي يعتبر رولفو «الأب الروحي» له، وإليه ترجع شهرته، فقد كانت لديه مقدرة فذة على المزج بين الواقع والخيال، حيث قدم في أعماله أحداثاً لها علاقة بمجتمعه، بجانب شخصيات تعكس نمطية المكان والمشاكل الاجتماعية والثقافية، وذلك بعد مزجها بالخيال.
عندما بلغ رولفو السادسة من عمره أصبح يتيم الأب، وبعد ذلك بأربع سنوات ماتت والدته، فعاش مع جدته، ثم أقام في ملجأ، وبدأ دراسته الابتدائية عام 1924، وفي عام 1933 حاول الالتحاق بالجامعة، وعمل في شركة لبيع الإطارات، وفي مشاريع الري ودائرة الهجرة، وكرس نفسه أيضاً لمجال التصوير الفوتوغرافي، في فترة من فترات عمره، وكتب للسينما، وجعل من المدينة التي ولد فيها محوراً لأحداث قصصه.
في عام 1945 نشر رولفو قصتين في إحدى المجلات وهما: أعطونا الأرض، وماكاريو، وفي المجلة نفسها نشر «السهل يحترق» عام 1950، وفي العام التالي نشرت مجلة أخرى قصته «قل لهم ألا يقتلوني ويلقوا بي إلى الكلاب»، وفي عام 1955 نشر رواية «بدرو بارامو»، ثم قام بكتابة روايته الثانية «ديك من ذهب» ما بين عامي 1956 و1958، لكنه لم ينشرها إلا عام 1980.
كانت «ديك من ذهب»، هي الرواية الثانية لخوان رولفو، وقد نشرت في طبعة مهملة، مملوءة بالأخطاء، وفي عام 1964 تم إعدادها سينمائياً عن طريق كارلوس فوينتس وماركيز، لكن تبقى «بدرو بارامو»، هي درته الفريدة في تاريخ الأدب العالمي، خصوصاً أن كبار الكتاب اعتبروها «كابوساً سوريالياً»، وأنها وراء الكثير من الاندفاعات، التي أنتجت لأدب تلك القارة أعمالاً أعادت الحياة إلى فن الرواية.
بمناسبة مرور الذكرى المئوية لميلاد مؤلف «بدرو بارامو»، أقيم في إحدى المدن المكسيكية معرض «خوان رولفو مصوراً»، حيث يرى النقاد، وجود علاقة متينة بين أعمال التصوير الفوتوغرافي لرولفو ومؤلفاته الأدبية، فقد استثمر المناظر الريفية، كمصدر أساسي للوصف الجغرافي في رواياته، وقال مدير مؤسسة خوان رولفو: «إنه من خلال التقاط الصور، كان يجسد الواقع، بينما عند الكتابة كان يصور الخيال».
لم يكن رولفو قد تجاوز العشرين من عمره، عندما سافر إلى مكسيكو، ليعمل لدى شركة للسفريات، حيث طاف أغلب مدن المكسيك، على مدى ثلاث سنوات، وتشكل المناظر الطبيعية والمعمار والحياة الريفية صلب أعماله الفوتوغرافية، كانت «صوره تحمل سمات فنية واضحة»، تقول سوزان سونتاج: «إنه أفضل مصور فوتوغرافي عرفته في أمريكا اللاتينية».
كان رولفو مصاباً بسرطان الرئة، في الثامنة والثلاثين من عمره، وأوهم الجميع أنه انقطع عن الكتابة، لكن تبين بعد وفاته أنه لم يتوقف عن الكتابة، بعد صدور روايته الشهيرة، كما لم يتوقف عن القراءة، التي قال عنها: «أكتب كالهواة وأقرأ كالمحترفين»، ومع مرور السنين تحول امتناعه عن النشر إلى أسطورة، في المكسيك وخارجها، أسهم هو في تغذيتها، وعندما سئل عن سبب توقفه عن النشر أجاب: «بعد وفاة عمي لم يعد هناك من يقص عليّ أجمل الحكايات».
بعد رحيله صدر كتاب بعنوان «هواء التلال» متضمناً حوالي 81 رسالة كتبها خوان رولفو ما بين عامي 1946 و1950، إلى زوجته، تكشف لنا عن جوانب غير معروفة في حياته، وتلقي الضوء على قضايا لها صلة بكتاباته وبه، مثل ادعاء البعض بأنه برز في غضون سنتين، وأنه لم يكن يجيد الكتابة قبل ذلك، خاصة أنه كان يعمل داخل مصنع لإطارات السيارات، وقد تعرض للهجوم من جانب معاصريه، وبلغ به الأمر أن مزق قصصاً كان قد كتبها من فرط حزنه، لقد كتب لزوجته: «إننا نعيش في عالم تملأه البقرات الهزيلة، لم نختر هذا الزمن الذي نعيشه، لقد فرض علينا، لقد وُلدنا بأعجوبة، وترعرعنا بأعجوبة، وهذه الحياة التي ما زالت توهب لنا هي شيء شبيه بالمعجزة».
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"