الأرابيسك تاريخ مصر بتوقيع «الجمالية»

المهنة حكر على عائلات
01:24 صباحا
قراءة 3 دقائق
القاهرة:«الخليج»

يظل فن تطعيم الأخشاب واحداً من أهم وأعرق الفنون التقليدية في مصر، لا ينافسه في ذلك سوى فن التطعيم بالصدف، الذي برع فيه المصريون على كثير من أقرانهم في تلك الصناعة، التي بدأت أول ما بدأت في إيران، ثم انتقلت منها إلى سوريا، قبل أن تدخل إلى مصر مع بدايات العصر العباسي، الذي يقول كثير من الصناع في تلك المهنة، إنه العصر الذي ازدهرت فيه تلك المهنة بشكل كبير.
تحترف عائلة السيسي بمنطقة خان الخليلي التابعة لحي الجمالية في مصر، صناعة الأرابيسك والتطعيم بالصدف منذ ما يزيد على قرن من الزمان، عندما وضع الأب المؤسس للعائلة رحاله في ذلك الحي العتيق، ليمارس تلك المهنة التي تضرب بجذورها إلى عمق التاريخ المصري القديم.
يقول أيمن السيسي، أحد أبناء العائلة: «ورثت المهنة عن أبي الذي ورثها بدوره عن أبيه، وتعلمت في تلك الورشة كل فنون وأسرار المهنة، التي لا تزال حكراً على عائلات بعينها، بعدما هجرها الصناع المهرة بسبب تطورات الحياة».
يفخر السيسي بتخصصه في صناعة الأرابيسك، ويقول إنها المهنة التي يجد فيها نفسه، رغم قلة زبائنها، واتجاه كثير من الزبائن إلى شراء الحديث من المصنوعات الخشبية، لكنه يشير إلى أن هناك طبقة من المثقفين الذين يعرفون قدر هذه المهنة وقيمة ما تنتجه أنامل الصناع فيها، فيقبلون على البضاعة، ولا يهتمون كثيراً بارتفاع أسعارها، نظرا لتكلفة استيراد أنواع معينة من الأخشاب لا توجد في مصر.

يتعامل صناع الأرابيسك عادة مع الأنواع الفاخرة من الأخشاب، وفي مقدمتها أخشاب الزان والسرو والأرو والصنوبر وخشب الورد والآبنوس، ويقول أيمن: «تستخدم هذه الأنواع في الصناعة، بدءاً من العظم، وهو الجسم الرئيسي لقطعة الأرابيسك، والتي غالباً ما تستخدم فيها أخشاب الزان والصنوبر وغيرهما من الأخشاب القوية، فيما تستخدم أخشاب الأرو والسرو وغيرهما في التطعيم».

حتى مطلع القرن الماضي، ظل فن التطعيم بالخشب، واحداً من أهم الصناعات اليدوية التي اشتهرت بها إيران، وتحديدا منطقة أصفهان، قبل أن ينتقل هذا الفن إلى مصر، ويبرع فيه المصريون، وينافسون فيه أقرانهم في سوريا التي برعت هي الأخرى في تلك الصناعة، وإن ظل فن التطعيم بالصدف فناً مصرياً خالصاً.
ويعتمد فن تطعيم الخشب بالخشب حسبما يقول السيسي، على زخرفة قطع الأثاث المصنوعة من الخشب بالعديد من الأشكال التي تتخذ غالبا شكل المثلثات الصغيرة، ذات التصاميم المنوعة، التي تتراوح بين الأشكال الهندسية المنتظمة والدقيقة، التي دائماً ما تدور حول مثلثات متساوية الأضلاع، يتم لصقها إلى السطوح الداخلية والخارجية لقطع الأخشاب بسمك لا يزيد على ميلليمترين.
ويستخدم الصناع في تلك المهنة عدداً من الأدوات البسيطة، دون تدخل كبير من الآلات الحديثة، وهو ما يجعلها تحتفظ بأصالتها، كونها صناعة يدوية بحتة بالأساس، ومن هذه الآلات المطارق والبُلط والأزاميل والفارات التي تستخدم في تسوية الخشب وتهذيبه، إلى جانب المخرطة التي يستخدمها الخراط في التشكيل.

ويخضع الخشب للتجفيف دائماً لتحويله إلى مادة صلبة، وذلك عبر طريقتين، إما التجفيف الطبيعي عن طريق شق جذوع الأشجار وإزالة اللحاء الخارجي ثم يتم وضع الخشب في الهواء الطلق، ويترك فترة تتراوح بين شهر وعامين حسب نوع الشجر، أو بالتجفيف الصناعي، وهي الطريقة التي تتم عادة بعد شق الأشجار وتحويلها إلى ألواح توضع داخل أحواض من الماء الجاري.
وتتنوع طرق زخرفة التحف الخشبية بين طرق الحفر المختلفة، ومنها البسيط والغائر والمشطوف والحز، وهو الحفر البسيط غير العميق، ويتم الحفر على الخشب في هذه الطريقة بواسطة مقص أو منقر، يدفع براحة اليد أو يضرب بواسطة مطرقة خشبية ذات رأسين.
يرجع كثير من الصناع في مصر، ازدهار فن تطعيم الخشب إلى العصر العباسي، ويقول السيسي: «شهد هذا العصر العديد من الفنون وعرف فيه الصناع نوعاً جديداً من الحفر وهو الحفر المائل أو المشطوف، ومن خلاله برع المصريون في تطعيم الأعمال الخشبية بالصدف، وغيرها من المواد مثل العاج والعظم والأبنوس، ومهد ذلك كله لظهور فن المشربية، خصوصاً أن المصريين برعوا في هذا الفن منذ قديم الأزل.
لا يقتصر فن «الأرابيسك» في مصر، على الأثاث بطرزه الإسلامية مختلفة الأشكال والاستخدامات، لكنه يمتد إلى العمارة، عمارة المساجد والقصور، بل وفي تزيين الأواني والعلب التي تستخدم لتخزين الزينة في البيوت، ويقول أيمن: يعتمد «فن الأرابيسك» بالأساس على ذوق الفنان وخياله الذي يبدع أشكالاً هندسية متداخلة، تحتاج إلى صبر كبير.
تمر مراحل إنتاج قطعة الأرابيسك، بعدة مراحل أهمها مرحلة التصميم التي تضم الرسومات الهندسية للأجزاء المطلوب «خرطها»، ثم تأتي مرحلة اختيار أنواع وأحجام الأخشاب الملائمة لهذه الرسومات، لتشكيلها باستخدام «المخرطة» قبل أن يبدأ الصناع في الحفر اليدوي، ثم دهان القطعة ب«الورنيش» وهو عبارة عن سائل سريع الجفاف يوفر للقطعة الحماية واللمعة العالية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"