الأزمة النووية الكورية.. خطوات نحو الحل

04:51 صباحا
قراءة 5 دقائق

د. محمد فراج ابوالنور*


يتصاعد إيقاع التحركات متعددة الأطراف المتصلة بكوريا الشمالية وأزمة أسلحتها النووية في الأسابيع الأخيرة، بصورة تشير إلى أن المفاوضات المتعثرة بين واشنطن وبيونج يانج يمكن أن تتحرك من النقطة الميتة، التي كانت قد انتهت إليها في قمة هانوي (27/28 فبراير الماضي) بسبب الخلافات الواسعة بين موقفي البلدين حول العقوبات الدولية والأمريكية المفروضة على كوريا الشمالية وشروط رفعها، الأمر الذي انتهى بالقمة إلى الفشل في اللحظة الأخيرة.
عاد ترامب ليعلن استعداده لعقد قمة ثالثة بينه وبين الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون (بعد قمتي سنغافورة في يونيو 2018 وهانوي في فبراير 2019).
لكن التصريحات الحادة المتبادلة حول شروط التسوية حالت دون تحديد موعد للقمة، إلا أن ذلك لم يكن معناه توقف الاتصالات المكثفة في العلن وفي الكواليس بين الطرفين من جهة، وبينهما وبين أطراف أخرى «كوريا الجنوبية- الصين- روسيا» سعياً لحلحلة الخلافات وتحريك المواقف وما قد يقتضيه ذلك من ضمانات لطمأنة أحد الطرفين أو كليهما بشأن بعض خطوات التسوية.
وهكذا وجدنا ترامب يعلن منذ نحو ثلاثة أسابيع عن تلقيه خطاباً من كيم أثنى عليه وعلى صاحبه كالعادة.. ثم وجدنا كيم منذ أسبوع يعلن عن تلقيه خطاباً من ترامب امتدحه بحرارة- على غير العادة في حديثه- بأنه «مثير للاهتمام» وأن «مضمونه ممتاز» بل وبأنه «رائع».
وفي الوقت نفسه تم الإعلان عن زيارة دولة يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينج إلى بيونج يانج (تمت بالفعل في 20 و21 يونيو الجاري) تشير الشواهد إلى أنها متصلة بموضوع التسوية النووية، إلى جانب العلاقات الثنائية.
علماً بأن «شي» سيلتقي ترامب في قمة مطولة على هامش قمة العشرين الوشيكة في أوساكا باليابان (28/29 يونيو الجاري) ليتجه ترامب بعد القمة إلى كوريا الجنوبية في زيارة تستغرق يومين.. بينما وجه الرئيس الكوري الجنوبي «مون جي إن» الدعوة لنظيره الشمالي لعقد قمة بينهما قبل زيارة ترامب لسيول.. وهكذا نجد أن التحركات حول قضية التسوية النووية في شبه الجزيرة الكورية، تتخذ إيقاعاً متسارعاً للغاية.. إن لم نقل إيقاعاً لاهثاً.
ومعروف أن ترامب أكثر اهتماماً بتسوية الأزمة النووية الكورية، وبتسريع المفاوضات حولها، من جناح الصقور في إدارته، والذي يمثله بصفة أساسية وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، اللذان يتشددان في قضية رفع العقوبات أكثر بكثير من ترامب، ويريدان تحقيق نزع السلاح النووي الشامل- وحتى البرنامج النووي السلمي- قبل رفع العقوبات.. بينما يسعى ترامب لاستمالة الزعيم الكوري الشمالي بإغداق المديح عليه، ومغازلته- هو وأركان نظامه- بوعود تقديم المساعدات الاقتصادية والاستثمارات التي يمكن أن تجعل من كوريا الشمالية «صاروخاً اقتصادياً» على حد تعبيره.
وقد اتهمت بوينج يانج مايك بومبيو صراحة بتعمد إفشال قمة هانوي.. برفضه الموافقة على رفع العقوبات حتى عن المشروعات الاقتصادية الكورية ذات الطابع المدني البحت، والتي لا علاقة لها بالمجهود الحربي من قريب أو بعيد، برغم أن بيونج يانج أعلنت وقفها التجارب النووية، واستعدادها لتفكيك مفاعل «يونجبيون» الأساسي في مشروعها النووي، مقابل الرفع الجزئي للعقوبات.
ويعني ذلك بالنسبة لبيونج يانج- ولأي منطق تفاوضي عموماً-«الاستسلام دون قيد أو شرط»، كما لو أن هذا البلد قد تعرض لهزيمة ساحقة في الحرب.. وهو ما لم يحدث طبعاً.
بينما تقترح كوريا الشمالية «تقديم تنازلات متوازية ومتزامنة ومضمونة».. بمعنى أنه إذا كان السلاح النووي هو الرادع الأكثر أهمية الذي تملكه، فهي مستعدة لتصفيته تدريجياً، مع كل تقدم في رفع العقوبات عنها، وعقد معاهدة سلام وعدم اعتداء مع كل من أمريكا وكوريا الجنوبية، وإقامة علاقات تعاون اقتصادي وتقديم مساعدات واستثمارات.. الخ.. مع إخلاء كوريا الجنوبية من السلاح النووي الأمريكي، وهو ما يعرف ب«إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي».
وبالمناسبة فإن كوريا الجنوبية قد وقّعت مع شقيقتها الشمالية إعلان «بانمونجوم» الذي يتضمن هذه المبادئ العام الماضي قبيل قمة ترامب- كيم الأولى في سنغافورة.
وهي تبذل أقصى جهد ممكن في الوساطة والتهدئة بين واشنطن وبيونج يانج.. كما أنها تضع نصب عينها- على المدى الاستراتيجي- هدف استعادة وحدة شبه الجزيرة الكورية، ما سيعزز مكانتها الدولية كقوة اقتصادية وسكانية وعسكرية.
القضية الكبرى الثانية التي تطرحها كوريا الشمالية- بالإضافة إلى «توازن وتزامن التنازلات»- هي قضية الضمانات الدولية الضرورية للتسوية.. وترفض كوريا الشمالية، من حيث المبدأ، أن تكون هذه الضمانات أمريكية «حيث يكون الخصم هو الضامن!».. وتصر على أن تكون الصين وروسيا طرفين في المفاوضات- ولو في مرحلة لاحقة- وأن يكونا ضامنين للتسوية النهائية، ولاستقلالها وسلامة أراضيها «كوريا الشمالية» كدولة ذات سيادة.
ومعروف أن كلاً من بكين وموسكو تربطهما علاقات استراتيجية تقليدية ببيونج يانج منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، أي منذ أكثر من 70 عاماً.. وخاضتا الحرب الكورية كداعمتين لقوات «كيم إيل سونج» جد الزعيم الحالي ومؤسس الجمهورية (1950-1953) وتشترك الصين بحدود شرقية طويلة مع كوريا الشمالية.. وهي أكبر شريك اقتصادي لها، وبالرغم من إعلانها الالتزام بالعقوبات الدولية، كما تشترك كوريا الشمالية مع روسيا في شريط حدودي قصير (18 كم)، ومعروف أن روسيا هي أول من قدم التكنولوجيا الصاروخية لكوريا الشمالية (صواريخ سكود) التي طورتها بيونج يانج كثيراً فيما بعد. وهما يؤيدان موقفها بشكل عام في قضية إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي.
وقد أشارت بعض التقارير إلى أن ترامب هو الذي طلب تدخل الصين وروسيا لدى بيونج يانج لإقناعها بتليين موقفها في بعض التفاصيل مقابل دور لهما في المفاوضات، ولو دور غير مباشر في الوقت الحالي، ثم في الضمانات، لذلك يبدو غريباً ما أشار إليه بعض المراقبين الغربيين من أن «كيم» استغنى عن الدور الصيني حينما بدأ التقارب مع ترامب! وقد أوضحت الحفاوة التي استقبل بها «شي جين بينج» في بيونج يانج (20/21 يونيو) متانة العلاقات.. والمهم هنا هو ما قاله الزعيم الصيني في خطاب له في بيونج يانج حول أهمية التركيز على التنمية الاقتصادية ورفاهية الشعب، في إشارة لأهمية دفع التسوية النووية قدماً، جنباً إلى جنب مع إعلان التضامن الوثيق مع شعب وقيادة كوريا الشمالية وتأكيد أهمية تعزيز العلاقات الثنائية في مختلف المجالات.. بما يعني التعهد بالدعم.
أما بالنسبة لموسكو، فقد كانت علاقاتها مع بيونج يانج ضعفت كثيراً في المرحلة التالية لانهيار الاتحاد السوفييتي.. لكنها عادت للانتعاش التدريجي في عهد بوتين.
ويبقى ألا يُفسد جناح الصقور الأمريكية هذه الجهود بتشدد مبالغ فيه يؤدي إلى تعثر التسوية من جديد.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"