الاستبراء (2-2)

01:28 صباحا
قراءة دقيقتين
د. عارف الشيخ

قلنا في مقال سابق إن الاستبراء يكون لأجل براءة الرحم، ويكون من البول أيضاً، والاستبراء من البول الذي أمرنا به الشرع هو كما قال الدردير في «الشرح الكبير، ج1، ص109»: «استفراغ أخبثيه من البول والغائط مع سلت ذكر ونتر خفيفين».
وعلق الدسوقي في حاشيته عليه قائلاً: «فلو توضأ والبول في قصبة الذكر أو الغائط في داخل فم الدبر، كان الوضوء باطلاً، لأن شرط صحة الوضوء عدم حصول المنافي».
ويقول الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية والإمامية والإباضية والزيدية بذلك أيضاً، إلا أنهم اختلفوا في طريقة الاستبراء، حيث إن بعضهم قال بالتنحنح، وبعضهم قال بإمرار العضو بين الإصبعين، وبعضهم قال بالمشي قليلاً وهكذا، فالمهم أن يتأكد المسلم من التنزه من البول، وإلا فإنه قد يصلي ومازال عضوه يحمل النجاسة، أو أن البول انتقل إلى ملابسه.
هذا والاستبراء قد يكون للدين (بكسر الدال) خوفاً من الوقوع في الحرام، وفي الحديث الشريف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله».
- أقول: هذا الحديث يرشدنا إلى أصل عظيم في الإسلام غفل عنه الناس اليوم، ألا وهو الاحتياط في الدين الذي أصبح اليوم آخر شيء يفكر فيه الناس، وهو كما نفهمه من الحديث، يحملنا كلنا مسؤولية وجوب الابتعاد عن الشبهات، فكيف التلبس بالمحرم جهاراً وإصراراً؟
- وربما قال بعضهم إنه لم يعلم بأن الشيء الفلاني محرم، أقول له: لم يبق اليوم شيء خفي على الناس في ظل وسائل المعرفة المقروءة والمرئية والمسموعة، وهي متوافرة في البيوت والشوارع، وفي الحضر والبوادي.
- لذا من واجبنا الاستبراء لديننا في كل حال، لا إذا رغبنا فقط أو إذا لم يتعارض مع هوانا، بل إذا رغبنا وإذا لم نرغب، ومعلوم كما ورد في الحديث الشريف أن الجنة حفّت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات.
- وأنت أيها المسلم على المحك دائماً، فمن اتقى وتجنب الأمور المشتبهة وهي أقل من المحرمة، علمنا أنه متجنب للحرام، وقد رأينا فيما مضى أن كثيراً من أهل الورع تركوا الكثير من المباحات خوفاً من أن يقعوا في الحرام.
ومما يروى عن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما أنه خرج من مكة المكرمة، وسكن الطائف وهي تقع خارج أرض الحرم، ولما سئل قال: إن الحسنات تتضاعف في مكة، فالحسنة فيها بمئة ألف حسنة، وأخشى أن تتضاعف السيئات أيضاً، لذا آثرت الإقامة في الطائف.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"