الجزائر.. الانتخابات الرئاسية وقضية الشرعية

02:50 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد فراج أبو النور*

تجري الانتخابات الرئاسية الجزائرية يوم الخميس المقبل ال 12 من ديسمبر / كانون الأول في ظل انقسام سياسي وجماهيري واسع حولها، إذ تعارض قوى «الحراك الشعبي» إجراء الانتخابات في ظل الشروط الحالية لتنظيمها، وبالمرشحين الخمسة المتنافسين فيها، والذين تعتبرهم قوى «الحراك» امتداداً لنظام بوتفليقة. كما تشكك تلك القوى في إمكانية إجراء انتخابات نزيهة في ظل السلطة وقانون الانتخابات الحاليين.
بينما يرى رجل الجزائر القوي رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح وقيادات مؤسسات الحكم، ورجال السياسة التقليديون في إجراء الانتخابات الرئاسية المخرج الشرعي الوحيد لتفادي انتهاك الدستور والانزلاق إلى حالة «فراغ دستوري» يمكن أن تتحول إلى حالة من الفوضى الشاملة في ظل مخاطر شديدة داخلية وإقليمية ودولية تحيط بالدولة الجزائرية، ومؤامرات تحاك ضدها، وهو الموقف الذي يصر عليه الجنرال قايد صالح ومؤيدوه منذ استقالة بوتفليقة تحت ضغط الحراك الشعبي وبدعم قوي من المؤسسة العسكرية، والجنرال صالح شخصياً (في ال 2 من إبريل الماضي).

مطالب متصاعدة

الحراك الشعبي الذي تحافظ مظاهراته على قدر كبير من الزخم للأسبوع الحادي والأربعين (الجمعة 29 نوفمبر).. والذي نجح في إجبار بوتفليقة على الاستقالة، كانت مطالبه تتمحور في البداية حول المطالبة بمحاكمة جميع الفاسدين من السياسيين ورجال الأعمال المحيطين بالرئيس السابق «العصابة»، وإقالة أهم رموز السلطة، وخاصة الباءات الثلاث (عبدالقادر بن صالح رئيس البرلمان السابق، ورئيس الجمهورية المؤقت الحالي - ونور الدين بدوي رئيس الوزراء - والطيب بلعيز رئيس المجلس الدستوري) مع إجراء إصلاحات سياسية ودستورية، لكن مطالبه اتسعت تدريجياً مع اتساع القوى المشاركة والمؤثرة فيه، واختلاف مشاربها، لتصل إلى ضرورة «وضع دستور جديد لجمهورية جديدة»، وحل البرلمان وإقالة جميع كبار المسؤولين في عهد بوتفليقة، وذلك خلال «فترة انتقالية»، وليس هناك اتفاق بين قوى «الحراك» نفسها، ولا رؤية واضحة حول آليات اختيار قيادة للبلاد، بحيث تكون ممثلة حقيقية للشعب الجزائري واتجاهات الرأي العام، ولا تصور واضحاً عن العلاقات بين المؤسسات ونظام الحكم خلال تلك «الفترة الانتقالية»!
وهو ما اعتبره الجنرال صالح ومؤيدوه أمراً «غير معقول» ودعوة إلى القفز في المجهول.. ومن ثم إلى الفوضى. واقترحوا في المقابل إجراء انتخابات رئاسية بحيث يتولى الرئيس المنتخب إجراء الإصلاحات السياسية والدستورية والتشريعية المطلوبة، في ظل وضع دستوري مستقر وشرعية واضحة المعالم.

الاستعداد للانتخابات

وبناء على ذلك اتخذ المجلس الدستوري قراراً بتأجيل الانتخابات الرئاسية - التي كان قد حدد لإجرائها الرابع من يوليو - نظراً لاستحالة تنظيمها سياسياً وقانونياً، بحيث تكون الانتخابات في ال 12 من ديسمبر.. كما تقرر مد صلاحية الرئيس المؤقت «بن صالح» لحين انتخاب رئيس جديد.. والأهم في ذلك تشكيل «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات» برئاسة قاضٍ سابق، يعاونه 50 قاضياً وحقوقياً ونشطاء للمجتمع المدني، بدلاً من هيئة الانتخابات السابقة، التي كانت تلاحقها الاتهامات بالفساد والتزوير. وبديهي أنه يمكن إثارة الجدل حول معايير اختيار رئيس وقيادة «سلطة الانتخابات» الجديدة، لكن من المؤكد أن اختيارها يتم في ظل حراك سياسي شديد الاتساع، وبذلك في ظل شفافية أوسع بكثير مما كان عليه الأمر في عهد بوتفليقة - علماً بأن اعتراض قوى «الحراك» على معايير الاختيار، لم يمتد إلى إثارة الشكوك حول نزاهة رئيسها «القاضي السابق، ووزير العدل الأسبق محمد مشرفي».
هكذا تم فتح باب الترشيح، واستوفى الشروط اللازمة خمسة مرشحين في مقدمتهم عبدالمجيد تبون، وعلي بن فليس، وهما رئيسان سابقان للوزراء، إضافة إلى عز الدين ميهوبي رئيس حزب «التجمع الوطني الديمقراطي» ووزير الثقافة السابق، وعبدالقادر بن قرينة «جرينة» رئيس حركة «البناء الوطني» ووزير السياحة السابق، ونائب رئيس البرلمان.. وعبد العزيز بلعيد السياسي المعروف في عهد بوتفليقة.
وكانت قوى «الحراك الشعبي» وحركة مجتمع السلم (حمس) القريبة من «الإخوان المسلمين» وأحزاب أخرى قد قاطعت الترشيح أساساً، وهو ما يفسر قلة عدد المرشحين، خاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أن استيفاء الأوراق يقتضي بتقديم 150 ألف استمارة ترشيح ضمن أوراق المرشح وهو أمر يصعب تحقيقه لممثلي الأحزاب الصغيرة والسياسيين البعيدين عن أروقة السلطة.

شرعية منقوصة !

وعلى الرغم من دعوة قوى «الحراك الشعبي» إلى مقاطعة الانتخابات، يؤيدها في ذلك أكبر حزب «إسلامي» هو حركة مجتمع السلم (حمس) وأحزاب أخرى صغيرة، فقد أصبح في حكم المؤكد أن تجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر ال 12 من ديسمبر، وقد أعلن الجنرال أحمد قايد صالح أنه تم توفير جميع الإمكانات التنظيمية والإجراءات الأمنية اللازمة لنجاح الانتخابات وتأمينها تماماً في جميع أنحاء البلاد.
إلا أن المشكلة الحقيقية التي تواجه الانتخابات والرئيس القادم، هي نسبة الإقبال الضعيفة المتوقعة على المشاركة في التصويت، وهو ما من شأنه أن يؤثر بالتأكيد في شرعية الرئيس القادم، بغض النظر عن أن قانون الانتخابات الجزائري لا يشترط نسبة معينة للمشاركة كي تكون الانتخابات صحيحة، فحتى لو شارك (15 أو 20%) ممن لهم حق التصويت في الانتخابات، فإنها ستكون صحيحة، وكل ما يلزم للفوز هو حصول المرشح الرئاسي على (50% من الأصوات + واحد)، وسواء فاز أحد المرشحين الخمسة من الجولة الأولى، أو جرت جولة الإعادة، فإن هذا هو الشرط الوحيد للفوز بغض النظر عن نسبة المشاركة الجماهيرية.
وفي ظل ضعف المشاركة المتوقع، فإن شرعية الرئيس القادم ستكون «منقوصة» بشكل أو بآخر من الناحية السياسية والجماهيرية، على الرغم من شرعية وضعه القانوني. والنتيجة المباشرة لهذا هي أن الرئيس القادم لن يستمد شرعيته - على الأرجح - من جماهير الشعب. ولكن من القوى الوحيدة الصلبة والمنظمة في البلاد، أي من الجيش، لأنه سيكون «رئيساً للأقلية» من الناحية السياسية، بغض النظر عن الوضع القانوني، ومن ثم فإنه سيكون ضعيفاً ومضطراً للاستناد إلى الجيش طوال الوقت، ومن ثم للخضوع لإرادته وبذلك فإن حدود الإصلاح السياسي المرتقب ستكون مرهونة بما يسمح به الجيش.
وقد يكون قرار البرلمان الأوروبي الأخير بمعنى من المعاني «هدية» للجيش وللرئيس القادم من حيث التوقيت، بما أثاره من غضب لدى الشعب الجزائري، المعروف بكبريائه الوطني، فقد يرفع نسبة الإقبال على التصويت بدرجة أو بأخرى في ظل حالة من الشحن الوطني.. لكن هذا لن يغير الأمر بصورة كبيرة.
وهكذا يظل من المرجح أن تسفر الانتخابات الرئاسية المقبلة في الجزائر عن رئيس ضعيف وعن تعزيز سلطة الجيش.. وتظل القضايا الكبرى للإصلاح السياسي والدستوري محلاً للصراع، بما يعنيه ذلك من ضعف لاستقرار الجزائر.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"