الجزائر.. البحث عن مخرج

04:04 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

على الرغم من مرور أكثر من شهرين على اندلاع الحراك الثوري في الجزائري فإن الأزمة السياسية ما زالت قائمة؛ حيث إن المسألة لم تتعلق بإسقاط رأس النظام ممثلاً في شخص الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي تنحى عن الحكم، أو استقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، الذي عرف بولائه الشديد لبوتفليقة، والذي تدرج في مناصب مسؤوليات كبرى؛ حيث سيّـر وزارة العدل لمدة 9 سنوات، وتولى أيضاً وزارة الداخلية، وترأس «المجلس الدستوري»، ثم عينه الرئيس مستشاراً لديه، وعاد إلى «المجلس الدستوري» في فبراير/شباط الماضي.

الحراك الشعبي لا يتنازل عن مطلبه برحيل بقايا نظام بوتفليقة، لاسيما مع انضمام القضاة إلى الحراك، ورفضهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقررة في 4 يوليو/تموز المقبل، ورفض 40 رئيس بلدية من أصل 1500 الموجودة في الجزائر تنظيم تلك الانتخابات، وتحول الرفض الشعبي من قطع لزيارات وتجميد مهام وزراء الحكومة إلى محاولة الإقدام على اعتقالهم، ومقاطعة الطلبة من مختلف التخصصات للدراسة في الجامعات، واتساع جبهة الرفض للمشاورات التي أعلن عنها رئيس الدولة عبد القادر بن صالح؛ للتباحث حول الأوضاع السياسية في البلاد.
فما حدث حتى الآن في الجزائر حتى إعلان استقالة الرئيس بوتفليقة ربما يكون هو الجزء الأسهل من المهمة بالنسبة للشعب الجزائري، حتى لا تكون المرحلة الانتقالية التي تواجهها البلاد أشبه بالمتاهة أو ما يطلق عليه في أدبيات النظم المقارنة «دراما الانتقال». ومن ثم، يمكن القول إن هناك بعض الخطوات يمكن أن تكون مدخلاً أو خريطة طريق؛ للخروج من الأزمة التي تواجهها البلاد، بما يؤدي إلى الانتقال إلى الجمهورية الثانية، وفقاً لتصور قطاع عريض داخل الحراك الشعبي على النحو التالي:
* 1- استقالة الباءات: استجابة رئيس أركان الجيش الجزائري أحمد قايد صالح لبقية مطالب الحراك الشعبي بتنحية رئيس الدولة عبد القادر بن صالح ورئيس الحكومة نور الدين بدوي، لاسيما بعد استقالة رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز، فيما يعرف بالباءات الثلاث. وبما أنه استناداً لنص الدستور، فإن رئيس الدولة لا يملك صلاحيات إقالة الحكومة، وبالتالي فهي ستمضي في مهامها حسب القانون حتى يوليو/تموز القادم، فإن خيار الاستقالة الطواعية، يعد الخيار الأفضل والأقرب على اعتبار أن استمرار هذه الحكومة سيجعلها تسير على حقل ألغام قد ينفجر في وجهها في أي لحظة. وطرحت عدة تشكيلات سياسية هذا التصور في إيجاد مخرج للأزمة الحالية، واقترحت استقالة بدوي، وتعيين عضو آخر من الحكومة بدلاً عنه، ثم استقالة ابن صالح من رئاسة الدولة، ويتولى رئيس المجلس الدستوري الجديد الرئاسة.
2- السير في اتجاه محاسبة ما يُطلق عليهم «جماعة بوتفليقة»، أو «حكام الظل» والذين توجه إليهم تهم محددة تتعلق بإهدار المال العام، والتكسب لمصالح شخصية. وقد بدأت الجهات القضائية التحقيق في منح قروض لرجال الأعمال الممنوعين من السفر بطرق منافية للقانون الجزائري، من طرف البنوك العمومية. وتشمل التحقيقات: «بنك الجزائر الوطني»، «القرض الشعبي الوطني»، و«بنك التنمية المحلية»، إضافة إلى «بنك الفلاحة والتنمية الريفية»، على أن تشمل التحقيقات البنوك الخاصة في المرحلة الثانية، كون أن البنوك العمومية ممولة من الخزينة العمومية أي من أموال الشعب، أما البنوك الخاصة فتتحمل مسؤولية منح القروض من دون ضمانات.
وفي هذا السياق، أشار «موقع الجزائرية للأخبار» بتاريخ 20 إبريل/نيسان الجاري إلى أن عدداً من رجال الأعمال المستفيدين من قروض بمئات المليارات، بدأوا في تسديد جزء من الأموال التي اقترضوها؛ بحيث أودع الحاصلون على قروض متعثر تسديدها مبالغ مالية فاقت قيمتها الإجمالية 100 مليار سنتيم في الفترة بين يومي 12 و17 إبريل/نيسان. وقد جاء هذا بعد تهديد نائب وزير الدفاع الوطني بشأن القروض البنكية التي حصل عليها عدد من رجال الأعمال، والدعوة المشددة للعدالة؛ لفتح ملفات الفساد بالنسبة لوزراء الحكومة أو أعضاء مجلس النواب.
3- التحلي باليقظة من قوى الحراك الشعبي في الجزائر؛ لمواجهة محاولات جماعة «الإخوان»؛ (حركة مجتمع السلم «حمس» وجبهة العدالة والتنمية) الاقتطاف الأحادي لثمار إسقاط حكم بوتفليقة، كونه يمثل بالنسبة لها فرصة ثمينة لتصدر المشهد السياسي في البلاد؛ وذلك عبر دفع هذا الحراك للاستمرار والتصعيد، وقطع الطريق على أي حلول يمكن أن تخلق حالة من التهدئة، من خلال الاعتماد على مجموعة من الآليات، التي استخدمتها من قبل بعض الدول التي شهدت حراكاً مماثلاً، والتي يأتي على رأسها محاولة ركوب الحراك الثوري وتوجيه دفته، بالتزامن مع محاولتها «أسلمة الحراك» الشعبي، وتعقيد كل ما يقدم من الحلول السياسية التفاوضية، إضافة إلى الطعن في مؤسسات الدولة، والتشكيك في حسن نواياها.
4- الحرص على عدم صدام قوى الحراك الشعبي مع المؤسسة العسكرية؛ لأن الأخيرة تمثل العمود الفقري للنظام الجزائري، والنواة الصلبة التي لا يمكن تجاوزها خلال إدارة المرحلة الانتقالية؛ بل تمثل اللاعب المحوري في تفاعلاتها، وهو ما أكده الرئيس الجزائري السابق اليمين زروال خلال استقباله لوفد من المتظاهرين في 19 إبريل/نيسان الجاري بالقول: «إن القضية أصبحت من الشعب إلى الجيش مباشرة». وأضاف: إنه «مستعد لرسم خريطة مع المتظاهرين لمستقبل الجزائر وتقديمها للجيش».
وعلى الجانب الآخر، أكد المحامي مصطفى بوشاشي أيقونة الحراك الثوري في تصريحات صحفية بتاريخ 18 الجاري «أن مشاركة الجيش الشعبي الوطني في عملية الانتقال الديمقراطي أمر «ضروري» في الوضع الحالي داعياً القايد صالح لتسيير المرحلة الانتقالية، وأن البلاد اليوم بحاجة إلى مؤسسة عسكرية شجاعة؛ للتصدي لكل العقبات»، مضيفاً: «يجب على المؤسسة العسكرية أن ترافق عملية إنشاء دولة قوية، برئاسة رئيس الجمهورية المنتخب ديمقراطياً ومن دون تزوير».
خلاصة القول إن الحراك الثوري في الجزائر يدعم التوصل إلى الحلول السياسية والتي هي ضد الحلول الدستورية، عبر اختيار شخصية توافقية مقبولة لدى الجماهير تدير المرحلة الانتقالية، لاسيما أن ممثلي ذلك الحراك يرون أن المادة
(102) هي بداية الحل، لكن لا يمكن الوقوع في فخ الدستور الذي لا يريده أحد، على حد تعبير رئيس المجلس الشعبي الوطني الأسبق عبد العزيز زياري خلال لقائه بالرئيس المؤقت عبد القادر صالح يوم 18 إبريل الجاري. وذكر أنه «لا يمكننا أن نذهب إلى الانتخابات الرئاسية بمثل هذا الدستور الذي يجب تعديله؛ لأنه يمثل سلاحاً خطراً في يد أي رئيس»، وإلا صارت البلاد إلى طريق مسدود يمتد إلى استغلال التنظيمات الإرهابية؛ مثل «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» للعودة إلى الساحة الجزائرية.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية
بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"