الحكومة اللبنانية.. الولادة المعجزة

03:37 صباحا
قراءة 5 دقائق
بيروت: رامي كفوري

كان رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يعتقد على إثر الانتخابات النيابية الأخيرة أن الحكومة التي ستشكل ستكون حكومة العهد الأولى. كما أن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الذي سُمِّي من ١١١ نائباً، كان على يقين من أنه سيتمكن من تشكيل حكومته في سرعة قياسية نسبياً، لكن شتان ما بين التمنيات والواقع، فالتشكيل لم يكن نزهة، بل مغامرة، دونها الكثير من العقد والعقبات.
عديدة كانت العقد، ولكل منها عنوان: العقدة الدرزية، وقد ذللت بعد جهد كبير، العقدة القواتية التي وجدت طريقاً إلى الحل بعد ما يقارب الأشهر الخمسة. وبعد مسألة الأحجَام جاءت قضية توزيع الحقائب، وعندما فرغ «الطباخون» من ذلك، عادت مسألة تمثيل النواب السنة من خارج «تيار المستقبل»، وتحديداً سنّة الثامن من مارس/ آذار، الذين انتظموا في ما يسمى «اللقاء التشاوري».
وفي كل مرة كانت المعالجات تقترب من دائرة الحل، كانت تعود القهقرى إلى المربع الأول. ولم يعد ثمة ما هو خافٍ على الرأي العام، بعدما تاه في زحمة التفاصيل التي كمنت فيها الشياطين، التي كانت لا تتوانى عن ذر قرونها، لدى كل منعطف، وتجاوزت إرادة العاملين على ولادة الحكومة.. فهل ثمة أسباب تمنع الولادة الموعودة؟
يعزو مراقبون متابعون عن كثب أسباب تأخير تشكيل الحكومة وفق الآتي:
١- كثرت الشائعات حول وجود أسباب خارجية مرتبطة بالصراع الأمريكي الإيراني، والسعودي الإيراني، والتحولات المتصلة بالأزمة السورية، تمنع ولادة الحكومة العتيدة. لكن من يستقرئ الوقائع يتبين له أن هذه الشائعات ليست مبنية على معطيات صلبة وحقيقية، بل على تحليلات لا يخلو بعضها من المنطق، إذا اعتمد الربط بين المواقف والممارسات على أرض الواقع. إلا أنه في حالات كهذه يجري الارتكاز على ما يعلن رسمياً. وما أعلنه بعض الأطراف الخارجيين كان يؤشر إلى أن العواصم المعنية تدعو إلى سرعة تشكيل الحكومة. على أن واشنطن كانت تلمح بين الفينة والفينة على لسان مسؤولين، أو مصادر قريبة من «البيت الأبيض»، أو مأذون لها، إلى قلق من إسناد حقائب معينة إلى «حزب الله» مباشرة أو عبر شخصيات حليفة.
٢- وجود اتجاه لدى قوى الرابع عشر من مارس/ آذار لاستعادة ما اختل من توازن سياسي في الانتخابات النيابية، أنتج أكثرية مريحة لخصومها، وذلك من خلال توازن موازٍ لمصلحتها في الحكومة العتيدة، انطلاقاً من ثابتة سياسية يجب الإفادة منها، وهي أنه لا بديل للرئيس سعد الحريري على رأس الحكومة. وأن التمسك بهذه الورقة يعزز موقع القوى المناهضة لعون و«الثنائي الشيعي» وحلفائهما، وأنه بالنتيجة ستحصل تنازلات من قبل هؤلاء لرغبتهم في عدم وصول الوضع إلى نقطة لا يعود ممكناً معها ترميم الوضع.
٣- إن هذه الحكومة ستبقى إلى نهاية العهد الحالي، ومن الطبيعي أن يسعى كل طرف إلى تعزيز موقعه داخل السلطة التنفيذية، ومن هنا «الكباش» القائم لانتزاع الحقائب الدسمة، ولا سميا الخدمية، وهذا ما دفع بالكتل النيابية إلى ممارسة لعبة «حافة الهاوية»، على اعتبار أن كل ما يقال عن تدهور اقتصادي خطِر، ووضع مالي لا يبشر بالخير، ويهدد بأوخم العواقب، مبالغ فيه ويراد منه التهويل.
٤- إن هاجس الاستحقاق الرئاسي يستبد بالفرقاء، وإن كل طرف - وفي سياق سعيه لتحصين موقعه داخل الحكومة العتيدة - يتطلع إلى هذا الاستحقاق، إما طامحاً بإيصال مرشحه إلى قصر بعبدا، أو إلى أن يكون لاعباً رئيسياً.
على هذا المنوال يفسر المتابعون المعارك الطاحنة التي تدور من دون هوادة تحت ستار «التمثيل العادل» في مجلس الوزراء بين هؤلاء الفرقاء، وكأن السباق الرئاسي بدأ اليوم، ويضربون مثالاً على ذلك مصالحة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس «تيار المردة» سليمان فرنجيه، والتراشق بين وزير الخارجية جبران باسيل الساعي بدوره إلى الرئاسة الأولى، ومنافسيه الفعليين والمفترضين، الذين يكمنون له عند كل منعطف للإيقاع به، وإسقاطه بالضربة القاضية أو بالنقاط... وهذا ما يضع الحكومة في مهب الريح.
انطلاقاً مما تقدم، وبخلاف أطنان التحليلات وآلاف الاستنتاجات المستنسخة، المتشابهة، أو المتعارضة، يرى أحد المحللين أنه لا دور خارجياً كبيراً في عملية تشكيل الحكومة. وهناك مبالغة في تصوير الأدوار الإقليمية في هذه العملية. فمع اهتمام بعض الخارج بالوضع اللبناني، وحرصه على حلفائه فيه، فإن لديه ما يكفي من القضايا والملفات ذات الأولوية التي تتقدم على أي شأن آخر.. إلاّ أن بعض الفرقاء المتنازعين على الحكومة العتيدة يراهن على الخارج.. كل لديه خارج ما يستقوي به، ويعتقد أنه عائد إلى بيروت بزخم ليغير المعادلة، معتقداً أنها تصب في مصلحته؛ لذلك يجد المراقبون تدفقاً غير مسبوق في المواقف التصعيدية، ولعباً خطِراً على حافة الهاوية، واتجاهاً عابثاً لتخريب كل شيء، وفي يقين كل فريق أنه باستطاعته إعادة الأمور إلى نصابها بمجرد أن يظفر بما سعى لإدراكه.
إن استحضار الخارج إلى الداخل، وربط الداخل بالخارج، هي سياسة غير واقعية كما يقول وزير سابق، هو في الوقت نفسه سياسي مخضرم، وعلى الجميع أن يسقطوا الحواجز النفسية التي تفصل بينهم، وإلا فلا نتيجة. وإذا كان الأخير يجد أنه لا صعوبة في تحقيق هذا الهدف إذا صفت النيات، فإنه لا يقلل من شأن الحالة الطائفية والمذهبية في البلاد التي تعوق إنتاج حكومة وحدة وطنية، ما يعني أن المتاح هو حكومة ائتلاف الطوائف، وهي أقرب إلى الصيغة الاتحادية، منها إلى الصيغة الوطنية الجامعة، «أي مشروع خلاف دائم، وقنبلة موقوتة». على حد تعبيره.
وفي التأكيد على استبعاد الخارج، يقول سفير لبناني سابق في دولة كبرى، إن الخارج غير مهتم بالوضع اللبناني إلا بالحدود التي تضمن استقرار البلاد، وإبقاء جنوب لبنان منضبطاً تحت مظلة القرار الدولي الرقم ١٧٠١، وإنه يجب عدم البناء على التصريحات والبيانات التي تصدر عن هذه الدولة أو تلك حول ضرورة الإسراع في تشكيل الحكومة، أو تحميلها هذا الفريق أو ذاك مسؤولية العرقلة، أو تحذيرها من مصادرة جهة ما القرار، كما تدأب الإدارة الأمريكية من حين إلى حين تجاه «حزب الله».
و يشير رئيس جمعية المصارف الدكتور جوزف طربيه إلى أن كلفة دعم الليرة بسبب الأزمة الاقتصادية، وتأخر ولادة الحكومة كانت باهظة، وتجاوزت الخمسة مليارات دولار، ما سيحتم على حاكم «مصرف لبنان» رياض سلامة اللجوء إلى هندسات مالية جديدة، علماً أن الأمر سيكون أكثر صعوبة هذه المرة. ويرى طربيه أن تطبيق مقررات «مؤتمر سيدر» لن يكفي بعد هذه الأزمة المستفحلة، مما يجعل اللجوء إلى طلب المساعدات من الخارج أمراً لا مفر منه، وهو متاح شرط توافر الاستقرار السياسي بدءاً بتشكيل الحكومة.
لا يستبعد سفير غربي في بيروت، في تحليله للوضع الحكومي في لبنان، أن يستيقظ اللبنانيون يوماً، ويجدوا أن الحكومة قد تشكلت بسحر ساحر، ومن دون شروط أو تبدلات جوهرية. وهذا يعني أنه لا قاعدة تسير الحياة الوطنية والسياسية في هذا البلد، ما يجعل باب المفاجآت مشرعاً على كل ريح.. على ذلك يتساءل كثيرون عما إذا كانت هذه الريح ستحمل معها نسمة منعشة أو إعصاراً جامحاً في هذا اللبنان الذي يصح فيه قول الشاعر: «فالليالي من الزمانِ حُبالى... مثقلات يلدْنَ كلَّ عجيبِ».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"