الذيد.. واحة الثقافة

01:18 صباحا
قراءة 5 دقائق
خليفة بن حامد

يعكس المشهد الثقافي في الذيد المكانة التي وصلت إليها إمارة الشارقة التي استطاعت ومنذ ما يزيد على أربعة عقود أن تكرس لنفسها مكانة ثقافية مرموقة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، حتى حازت لقب العاصمة العالمية للكتاب لعام 2019 الذي جاء تتويجاً لمسيرة مليئة بالمنجزات، استطاعت من خلالها الشارقة أن تصل بالثقافة والكتاب للجميع، وأن تؤكد رؤية وضعها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في نفوسنا جميعاً لننطلق من الثقافة ونخاطب الإنسان أينما وجد.
تعود بدايات المشهد الثقافي في الذيد إلى ظهور ما عرف بالتعليم عبر الكتاتيب أو المطوّع، لقد عرفت الذيد مثلها مثل بقية القرى والمدن العربية تلك المهنة، وكانت الكتاتيب هي الوسيلة الأهم وربما الوحيدة للتعليم المتعارف عليها في منطقة الإمارات، فكانت بمنزلة مراكز العلم والثقافة، تعتمد على المطوع الذي كان يتولى تعليم أطفال الحي وتحفيظهم القرآن الكريم وتلاوته. كما شكّل ظهور مدرسة الذيد في أوائل الستينات من القرن المنصرم حدثاً تاريخياً ونقلة نوعية في المشهد الثقافي، وكانت العلامة البارزة التي أحدثت أكبر تحول غير مجرى الحياة بأسرها في تلك الواحة التي تسكن في أحضان الرمال؛ فمع المعرفة التي يتلقاها الطلاب، جلب في تلك الحقبة مدرسو الذيد معهم مجلات ثقافية وصحفاً عربية وأخرى خليجية إلى الذيد، منها آخر ساعة، والمصور والأهرام ومجلة العربي الكويتية، التي أقبل عليها الطلاب بكل شغف للنهل من معينها.
وقد أوقد تأسيس مكتب المنطقة الوسطى عام 1977 الشرارة الأولى لظهور أول مجلة تعرفها المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة تحت اسم «بدر» ثم الإصدار الثاني «مجلة الشروق» اللتين تلمس فيهما الهيئة التدريسية والطلاب منابع للإبداع والكتابة، لتشكل بوتقة ينصهر فيها تنوع الحياة بالمنطقة في قالب ثقافي واحد.
وكان لتدشين نادي الذيد الثقافي الرياضي عام 1980 الدور الثقافي المميز، حيث سعى لإقامة الندوات والأمسيات إلى جانب إصدار مجلة تحمل اسم «الذيد».
لقد شهدت مدينة الذيد عاصمة المنطقة الوسطى تغيرات كبيرة بفضل رؤية صاحب السمو حاكم الشارقة أحدثت نقلات كبيرة في مجال الثقافة والمعرفة، وتسلح إنسان المنطقة بالعلم وفي ذات الوقت المحافظة على عادات وتقاليد ابن البادية.

مزايا جديدة

إن كانت مدينة الذيد معروفة للجميع كمركز رئيسي ومهم لتسويق منتجات الزراعة، فها هي المدينة الواحة، تكتسب يوماً بعد الآخر مزايا جديدة، لتتحول إلى مركز إشعاع ثقافي تعمل مؤسساتها المختلفة على تعزيزه، بيد أن ثمة دوراً محورياً كبيراً تضطلع به إحدى أهم منارات المدينة وهي مكتبة الذيد العامة، إحدى المكتبات الفرعية لمكتبة الشارقة العامة، التابعة لهيئة الشارقة للكتاب، التي تضطلع بدور معرفي تنويري تستخدم فيه جميع الوسائل المعرفية الحديثة، وتضم مكتبة الذيد ما يربو على 40000 كتاب في مختلف المجالات المعرفية، كما أنها تشهد توافداً متزايداً من قبل الرواد، الذين يجدون فيها فضاء معرفياً يتسم بالهدوء، ويمنحهم الفرصة لاكتساب معارف جديدة، عبر حزمة من الخدمات في مكتبة الذيد العامة التي افتتحت في عام 2010.
وقد وجه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي بتأسيس مركز للفنون في مدينة الذيد بالمنطقة الوسطى. ولقد جاء التوجيه بإنشاء المركز حرصاً من سموه على توفير كافة المرافق والسبل لأبناء الشارقة جميعاً وعبر كافة مدنها وضواحيها بما يتجاوب مع طموحهم الإبداعي، ويتوافق مع مواهبهم الفنية، ويسهم في خلق أجيال إبداعية قادرة على إحداث الأثر الإيجابي ضمن مسيرة الحضارة الإنسانية التي تمثل الفنون الجادة والأصيلة واحدة من ركائزها ودعائمها الرئيسية التي لا يستوي البنيان بدونها.
إلى جانب ذلك، جاء تشييد المركز الثقافي في الذيد ليكون منارة إشعاع معرفي بالمنطقة الوسطى، ويحتوي على قاعة للمعارض وأخرى للمسرح تتسع لما يقارب من 200 شخص وجهزت بأحدث تقنيات الصوت والإضاءة، ويتبع في إدارته دائرة الثقافة.
في عام 2015 افتتح صاحب السمو حاكم الشارقة، رئيس جامعة الشارقة، فرعاً لها في الذيد، وبدأت الدراسة فيه في خريف العام نفسه، ويسعى الفرع إلى نشر العلم والمعرفة، واستقطاب الطلبة من أبناء المنطقة والمناطق المجاورة، وتمكينهم من تحصيل أعلى درجات العلم والخبرة على أيدى أساتذة أكفاء، مع المحافظة على القيم والعادات السائدة. ويوجه الطلبة لاختيار أفضل التخصصات العلمية التي تخدم المنطقة، وتلبي احتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إضافة إلى الدور التنموي الذي يضطلع به فرع الجامعة في مدينة الذيد والمناطق المجاورة لها، من تنمية الاقتصاد المحلي والحث على التطور في كافة المجالات بأساليب علمية منهجية تعتمد على البحوث والدراسات.

دعم

افتتاح فرع لمعهد الشارقة للتراث بمدينة الذيد جاء دعماً للمشهد الثقافي والتراثي بالمنطقة، وتأكيداً لدور المعهد في بناء كوادر علمية في المجال التراثي والحفاظ على الموروث الشعبي الإماراتي والعربي بكل أبعاده الثقافية والحرفية والاجتماعية، ودعمها لتكون نواة لتأسيس جيل واعٍ بالهوية الإماراتية والعربية، ويكون انتماؤه نابعاً من ثقافة استمرت عبر قرون ومن خلال أجيال متتابعة، إلى جانب الاهتمام بالحرفيين وتوثيق التاريخ الشفوي، وجمع المأثورات الشعبية الشفوية، والاهتمام بالحرف والمهن، وتوفير معلومات للباحثين ودعم الأنشطة التدريبية والتعليمية في مجال التراث، وإحياء الفعاليات والتقاليد الموروثة التي تتميز بها بادية الذيد، ورعاية وإبراز ونشر الدراسات وتوثيق وأرشفة التراث المادي والصور التاريخية لمنطقة يعود تاريخها والنشاط الإنساني فيها إلى آلاف السنين، وإنشاء قاعدة معلومات مفصلة وموثقة حول التراث الثقافي الإماراتي ووضع آليات مناسبة لحمايته وإبرازه.

اهتمام متواصل

تحظى المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، كسائر ربوع مناطق إمارتنا الباسمة، باهتمام متواصل وكبير من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، الذي يوجه دائماً بتحسين حياة المواطن والمقيم في هذه المنطقة الغالية، والارتقاء بواقعها، وإبراز ما تحفل به من تراث غني وطبيعة جميلة، إلى جانب نقل ما يدور فيها من أحداث وفعاليات تُعبّر عن هويتنا الوطنية، وانتمائنا إلى هذا الوطن العزيز.
من هنا جاء إطلاق قناة الوسطى لتثري المشهد الثقافي والتراثي عبر باقة من البرامج الثقافية والتعليمية والتراثية، التي تسهم في ربط التراث بالحاضر، وتعيد إلى الأذهان أصالة وعبق الماضي.
وتعمل القناة على نشر ونقل عادات وتراث المنطقة وطبيعتها وآثارها والحياة الثقافية لأهلها، مع المحافظة على قيمها وهويتها الخاصة، المستمدة من ديننا الإسلامي الحنيف وتقاليدنا العربية الأصيلة، والتركيز على الثقافة والتعليم كمنهج حياتي، تماشياً مع المبادئ التي تقوم عليها إمارة الشارقة.
وجاء إصدار مجلة «الوسطى» التي تعنى بالمنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، تتويجاً للمشهد الثقافي الذي انطلاق في مدينة الذيد منذ عقود.

ملف

يكتمل المشهد الثقافي في الذيد وما جاورها بإعلان لجنة ملف التراث العالمي للمشهد الثقافي للمنطقة الوسطى لإمارة الشارقة، أنها ستقدم ترشيحها إلى قائمة مواقع التراث العالمي التي تشرف عليها «اليونسكو» خلال دورة 2021، بعد استكمال الملف وتعزيز نقاط القوة فيه لضمان الإدراج النهائي للمنطقة الوسطى في قائمة المواقع التي تشرف عليها المنظمة الدولية. ومن أهم المواقع التاريخية في الذيد الموقع المرشح في الملف والذي يحتوي على قلعة الذيد التاريخية، والتي كانت تسمى «قلعة القواسم»، ويحيط بها عدد من أفلاج المياه التي يعود تاريخ حفرها لمئات السنين وواحة نخيل، إضافة إلى عدد من أبراج المراقبة التي كانت تستخدم لمراقبة طرق القوافل وحمايتها من أي هجوم. والمعروف عن سكان هذه المنطقة من القبائل ذات الجذور العربية الأصيلة، أنهم ما زالوا يحتفظون بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة المتوارثة عن الأجداد والآباء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"