الرضاع

01:45 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قال لي أحدهم: إنكم أيها العلماء تقولون بأنه يحرم بالرضاع كل ما يحرم بالنسب، ولكني وجدت أن هذه القاعدة لا تنطبق على أم الأخ أو الأخت من الرضاع مثلاً؛ إذ ليس بشرط أن تكون التي أرضعت أخي هي أمي؛ بل يمكن أن ترضعه أجنبية، وعندئذ هي تحل لي أن أتزوجها، بخلاف ما لو كانت أمه من النسب فإنها أمي أيضاً أو زوجة أبي، وفي كلتا الحالتين هي محرم (بفتح الميم).
قلت له ما استشهدت به حديث صحيح لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة»، وقد بين الفقهاء أن مثل ما يحرم من الولادة يحرم من المصاهرة أيضاً، وعندئذ تكون المحرمات الأصلية ثمانية هي:
أربعة محرمة بسبب النسب، وأربعة بسبب المصاهرة، لذلك فإن الأستاذ محمد مصطفى شلبي وضح المسألة في كتابه «أحكام الأسرة في الإسلام» بأن أصول الشخص من الرضاع وفروعه من الرضاع، وفروع أبويه، وفروع زوجته، وزوجات أصوله، وزوجات فروعه، هؤلاء كلهم محارمه من الرضاع قياساً على محارمه من النسب والمصاهرة.
ـ إذن الأم والبنت والأخت والعمة والخالة من الرضاع محرمة قياساً على النسب، وكذلك أم الزوجة وبنتها وزوجة الأب وزوجة الابن من الرضاع محرمة قياساً على المصاهرة.
ـ أقول: إن هذا هو الأصل، لكن لا يؤخذ بهذا الحديث على إطلاقه كما يقول الفقهاء، لذلك فإن هناك صوراً لا تدخل في هذا الحديث، منها ما ذكرت وهي أم الأخ أو الأخت من الرضاع، وذكر الفقهاء صوراً أخرى مثل أخت الابن أو بنته من الرضاع، فهي وإن كانت أخت ابنه، لكن لا يشترط أن تكون بنته؛ بل يجوز أن يتزوجها لأنها أخت ابنه من الرضاع، ومثلها أم ولد الولد، حيث يحل للجد أن يتزوجها إذا كانت من الرضاع، لأنها بالنسبة له أجنبية، واستثنوا أيضاً من قاعدة الرضاع أم العمة وأم العم والخال والخالة من الرضاع.
ـ والسبب أن الرضاع من جهة المرأة التي ترضع تنتشر حرمته في كل من رضع من جهتها سواء كان من أولادها أو من أولاد غيرها، وأما من جهة الولد الذي رضع فلا تلحق حرمة الرضاع إلا الذي شرب الحليب فقط، فلو أخذنا على سبيل المثال عائشة وفاطمة كامرأتين لكل منهما أولاد، فذهبت عائشة وأرضعت بنت فاطمة، فإن أولاد عائشة كلهم يصبحون إخوة وأخوات لبنت فاطمة التي رضعت معهم من أمهم عائشة.
أما لو أرضعت كل من عائشة وفاطمة ولداً أو بنتاً لكل منهما فإن أولادهما كلهم يحرمون على بعض، لأن كلاً منهما تصبح أماً لأولاد الأخرى.
ـ لكن ينبغي أن نفهم أن الرضاع المحرم له شروط كما يقول الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه «موسوعة الفقه الإسلامي» وهذه الشروط هي:
1- أن يشرب الطفل لبن امرأة آدمية، وليس بشرط أن تكون حية أو كبيرة عند الجمهور.
2- أن يصل اللبن إلى معدة الرضيع، وليس بشرط أن يشربه من الثدي؛ بل حتى من الرضاعة الزجاجية.
3- أن يصل اللبن إلى معدته عن طريق الفم أو الأنف، وبهذا فإن الرضاع عن طريق الحقنة لا يحرم عند الجمهور.
4- أن يشربه خالصاً غير مختلط بغيره كما يقول الحنفية والمالكية.
5- أن يشربه وعمره لا يتجاوز السنتين لقوله تعالى: «وفصاله في عامين»، وقد ذهب الظاهرية إلى جواز رضاع الكبير مستدلين بحديث: أمر رسول الله سهلة بنت سهيل برضاع سالم ففعلت وكانت تراه ابناً لها. وأخذت عائشة أم المؤمنين بهذا الحديث فيمن كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تأمر أختها أم كلثوم وبنات أختها أن يرضعن من أحبت أن يدخل عليها من الرجال.
ــ ويذكر سيد سابق في «فقه السنة» عن ابن القيم قوله بأن حديث عائشة ليس بمنسوخ ولا بمخصوص، وإنما هو رخصة للحاجة كحال سالم مع امرأة أبي حذيفة الوارد في الحديث، وهذا هو رأي شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً.
ــ أقول: لكن هذا القول يخالف رأي الجمهور، ولو أخذنا به في هذا الزمن لفتح علينا باباً من الفساد لا الصلاح، وإنني مع احترامي للعالمين الجليلين أدور مع الجمهور، لأن العقل لا يستسيغ أيضاً رضاع الكبار، لاسيما إذا عرفنا أن الشرع عندما شرع الرضاع أراد بذلك إنقاذ الأطفال الرضع؛ إذ قد يحرمون من أمهاتهم، أو كانت الحاجة تقتضي أن ترضع فلانة طفل فلان نظراً لانشغال الأم أو مرضها أو أنها من غير حليب، ولم يكن في تلك الأيام الحليب المجفف موجوداً في الأسواق.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"