الزكاة عن سنوات ماضية

02:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
د. عارف الشيخ

قال لي أحد التجار ذات مرة: إنني أملك أموالاً طائلة من نقديات وعقارات وشركات ومصانع في داخل الدولة وخارجها، لكني لم أخرج زكاة أموالي ولا لسنة واحدة، اللهم إلا أنني أسهمت في أعمال خيرية هنا وهناك مثل حفر الآبار والبرك وإيواء الأيتام والفقراء وغيرها، وفي هذا العام خطر ببالي أن أخرج زكاة مالي بمبلغ من المال خصصته لهذا الغرض، وفي نيتي أن أدفعه لبعض أقاربي.
قلت له: وهل المبلغ الذي خصصته هو المبلغ الفعلي عن الزكاة المستحقة على أموالك كلها؟ قال: لم أفهم شيئاً.
قلت له: الزكاة تجب عليك بشروطها الشرعية وهي أن تكون مسلماً بالغاً عاقلاً مالكاً للنصاب، وتملك ما يمكن حيازته والانتفاع به على وجه معتاد، والشروط المطلوبة في المال أن تملكه أنت ملكاً تاماً، وتقصد به النماء، وأن يزيد على حاجتك الأصلية، ولا يكون عليك دين، وأن يحول عليه الحول إذا كان نقوداً أو سلعاً تجارية أو من الأنعام الثلاث.
قال: ما تقوله حاصل، لأنني أملك مالاً كثيراً من النقود وغير النقود.
قلت: إذن وجب عليك أن تحسب ما عندك في حسابك، وما عندك من بضائع وعقارات، ثم تستبعد ما عليك من ديون، وبعد ذلك تستخرج بنسبة درهمين ونصف الدرهم في المئة.
فتح الرجل عينيه بكل ما أوتي من قوة وقال: في كل سنة عليّ أن أفعل مثل هذا؟
قلت له : نعم، قال: حتى عن السنوات السابقة؟ قلت: حتى عن السنوات السابقة، لأن الزكاة مثل الصلاة ركن من أركان الإسلام لا تسقط عن المسلم بأي حال، وتبقى ديناً في ذمته، ولو مات وجب إخراجها من ماله.
قال: ماذا تقول؟ إنني حسبت زكاة سنة واحدة فبلغت عشرات الملايين، فكيف لو أحسب زكاة ثلاثين سنة مضت؟
قلت له: عليك أن توزع مئات الملايين على أصناف الزكاة الثمانية التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.
قال: كفى يا شيخ، كفى يا شيخ، إنني لما أفكر في تلك الملايين «يعورني قلبي»، فكيف تريدني أن أوزعها على الناس هباء؟ إنها مالي الخاص.
قلت: بل مال الله ومال الفقراء، وليس لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، ولو زكيت زكاة مالك سنوياً لما تراكمت عليك هذه الملايين.
قال: ولكني كنت أعمل الخير كما ذكرت لك، قلت له: وما عملته من خير لا يمثل 5% مما يجب عليك لله وللمحتاجين، ثم إن ما عملته يدخل في باب الصدقة ولا يصلح زكاة، لأن الزكاة مال مخصوص، يستخرج في زمن مخصوص، ويدفع لجهة مخصوصة، وبصفة مخصوصة وبنيّة مخصوصة.
ولقد أوردت مجموعة الفتاوى الكويتية أن من تراكمت عليه زكوات لسنوات عدة، عليه أن يحسب مقدار الزكاة عن العام الأول، ثم يحسم قيمة الزكاة من رأس مال العام الثاني، وهكذا في كل عام، فيكون رأس ماله الذي تجب فيه الزكاة في العام الثاني هو رأس ماله في العام الأول، مضافاً إليه العائد الشرعي محسوماً منه مقدار الزكاة في العام الأول، إضافة إلى ما دخل في حسابه من أموال وما نتج عنها من عائد شرعي.
وهذا يعني أن أصحاب الأموال الذين لم يخرجوا الزكاة في السنوات الماضية، لا يكفي أن يزكوا الآن فقط، بل عليهم أن يزكوا عن كل السنوات التي فاتت، لأن الزكاة مثل الدين، متى تراكمت لا تسقط إلا بالأداء أو إبراء الذمة من قبل صاحب الدين، وإلا بقيت عالقة في ذمته حتى ما بعد الموت.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"