السودان.. «خروج» صعب من قائمة الإرهاب

02:59 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. أيمن شبانة *

بدعوة من الإدارة الأمريكية، زار رئيس الوزراء السوداني، د. عبد الله حمدوك، واشنطن في مطلع شهر ديسمبر الجاري، في زيارة اصطحب خلالها وزراء الدفاع والعدل والمالية وغيرهم، لبحث ملفات عديدة، يأتي في القلب منها «رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب»، وهو الأمر الذي تعتبره الحكومة السودانية بمثابة العصا السحرية، للتغلب على معظم العقبات التي تواجه تنفيذ استحقاقات المرحلة الانتقالية الراهنة بالبلاد.
هل يحقق رئيس الوزراء السوداني مبتغاه، أم تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، بإرجاء حسم الملف إلى أجل غير مسمى؟ كانت الولايات المتحدة قد صنفت السودان كدولة راعية للإرهاب عام 1993، وأخضعته لعقوبات اقتصادية عام 1997، وذلك إثر اتهامها لنظام الإنقاذ السابق بدعم الحركات الإرهابية، واستضافته لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، وممارسة أنشطة تخريبية هدامة بدول الجوار، الأمر الذي انعكس بالسلب على أوضاع السودان الاقتصادية، وأدخله في دائرة العزلة الدولية.

مفاوضات مكثفة

خاض السودان مفاوضات مكثفة مع الإدارة الأمريكية، بغية الفكاك من أسر العقوبات. وأظهر تعاوناً واضحاً في ملفات مكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال. فشارك في عملية عاصفة الحزم باليمن، واستضاف مفاوضات تسوية الصراعات بإفريقيا الوسطى وجنوب السودان. وهو ما دفع واشنطن لمكافأته عبر ثلاثة قرارات. جاء أولها في أكتوبر 2017، بالإفراج عن الأرصدة السودانية بالبنوك الأمريكية، وإتاحة المبادلات التجارية والاستثمار. وتلاه رفع اسم السودان من قائمة الدول المجندة للأطفال، ثم تعديل تصنيفه بتقرير الخارجية الأمريكية للعام 2018 في مجال مكافحة الاتجار بالبشر من الفئة «المنتهكة لمعايير المكافحة» إلى الفئة الثانية «دول المراقبة».
لكن الإدارة الأمريكية رأت الإبقاء على السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. وهو ما يعني استمرار أربعة قيود على الأقل هي: حظر تصدير السلاح للسودان، وتقييد بيع وتصدير السلع ذات الاستخدام المشترك (مدنية وعسكرية)، وحظر تلقي المساعدات التنموية والقروض من المؤسسات التمويلية الدولية، والحرمان من الإعفاءات الأمريكية المتعلقة بالديون الخارجية.
الثورة فتحت الطريق بسقوط نظام الإنقاذ في إبريل 2019، انتعشت آمال السودانيين في رفع اسم بلادهم من قائمة داعمي الإرهاب، بهدف تحسين صورتها القومية، وتدعيم أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية، وإخراجها من دائرة العزلة الدولية. ولتحقيق ذلك، بذلت حكومة حمدوك جهوداً حثيثة، فتحركت داخلياً لإنفاذ إجراءات الانتقال نحو الحكم المدني، عبر إقرار الوثيقة الدستورية المنظمة للمرحلة الانتقالية، وتشكيل المجلس السيادي والحكومة المدنية، والإعداد لتكوين المجلس التشريعي، وتدشين مفاوضات إحلال السلام الشامل بالبلاد، وإصدار قانوني تفكيك نظام الإنقاذ الوطني، وإقامة مفوضية العدل، وإلغاء قانون النظام العام، والتعهد باحترام حقوق الإنسان، وتعزيز المشاركة السياسية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وتسليم السلطة لحكومة منتخبة في نهاية المرحلة الانتقالية.

تحرك خارجي

وعلى المستوى الخارجي، كان رفع اسم السودان من قائمة رعاة الإرهاب ملفاً حاضراً بشكل دائم على طاولة محادثات الحكومة السودانية مع كافة الأطراف الدولية والإقليمية. وفي هذا السياق وافقت الحكومة على إنشاء مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بالخرطوم. وبحثت مع الأمم المتحدة سبل التعاون الممكنة في مكافحة الإرهاب. وهو ما تعهد به حمدوك خلال اجتماعات الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019. وهنا تواترت التصريحات الداعية لرفع اسم السودان من قائمة داعمي الإرهاب، وأهمها تصريحات الخارجية الأمريكية، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والاتحاد الإفريقي والبرلمان العربي. كما أكد البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي أنهما بصدد بحث سبل دعم السودان، وإعفائه من الديون التي أثقلت كاهله.
لكل ذلك، ذهب رئيس الوزراء السوداني إلى واشنطن متدثراً بالأمل في نجاح مسعاه، رغم أن زيارته لم تكن تتضمن مقابلة الرئيس الأمريكي أو وزير خارجيته بومبيدو، حيث اقتصرت على لقاءات جمعته بوزير الخزانة، وبعض أعضاء الكونجرس. وهناك سعى حمدوك لتبديد المخاوف الأمريكية من وجود عناصر عسكرية بالمجلس السيادي، مؤكداً الالتزام بتنفيذ كافة استحقاقات المرحلة الانتقالية، واحترام حقوق الإنسان، وقطع الطريق على عودة فلول نظام الإنقاذ والإخوان المسلمين إلى السلطة.
شروط أمريكية في المقابل، استبقت الولايات المتحدة زيارة الوفد السوداني بقرار صادم أصدره الرئيس ترامب في الثالث من نوفمبر الماضي، بتمديد فرض حالة الطوارئ الأمريكية إزاء السودان، بدعوى أنه لا يزال يشكل تهديداً للأمن القومي الأمريكي، بما يسوغ اتخاذ قرارات استثنائية ضده.
في هذا السياق، لم تتجاوب واشنطن كثيراً مع الملف الأساسي للزيارة. فاكتفت بتصريحات سياسية تؤكد دعمها للحكومة الانتقالية بالسودان، باعتبارها شريكاً وليست خصماً للولايات المتحدة. كما وافقت الخارجية الأمريكية على رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع الخرطوم لمستوى السفارة، للمرة الأولى منذ ثلاثة وعشرين عاماً. لكنها تمسكت بشروطها الستة التي أعلنتها مراراً لإغلاق ملف رعاية السودان للإرهاب وهي: تحقيق السلام الشامل، والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لمناطق الحرب بدارفور وجنوب كردفان، والنيل الأزرق، وضمان حقوق الإنسان، ودعم السلام بجنوب السودان، ووقف دعم حركة جيش الرب بأوغندا، ووقف التعاون العسكري مع كوريا الشمالية.

مناقشات الكونجرس

لم تكشف واشنطن رسمياً عن أي اشتراطات جديدة مقابل رفع اسم السودان من قائمة داعمي الإرهاب. لكنها أكدت عبر مستشارها للأمن القومي أن هذا الملف لن يغلق بقرار إداري، بين عشية وضحاها. ولكنه سيخضع لمناقشات دقيقة داخل أروقة الكونجرس، وذلك على مدى يتراوح بين تسعة شهور إلى عام، وأنه لا يمكن تجاوز هذا الروتين لأي سبب.
مطالب أخرى كما ألمح بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين إلى ضرورة تجاوب الحكومة السودانية مع بعض المطالب الأخرى التي ربما تطرحها واشنطن مستقبلًا وأهمها: تسليم الرئيس السابق عمر البشير ومعاونيه إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتقديم تعويضات مالية عن بعض العمليات الإرهابية، التي تحوم الشكوك حول تورط السودان فيها، وأهمها تفجير السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998، وتفجير المدمرة الأمريكية كول بخليج عدن عام 2000، وذلك رغم صدور حكم قضائي، يخلي مسؤولية السودان عن الحادث الأخير في مارس 2019.
وعلى ذلك، فمن المرجح أن يستمر ملف رفع اسم السودان من قائمة داعمي الإرهاب قيد التفاوض بين واشنطن والخرطوم، وذلك لحرص الإدارة الأمريكية على استثمار هذا الملف في كسب دعم اللوبي اليهودي، ومنظمات حقوق الإنسان الأمريكية المتعاطفة مع الصراع في دارفور، خلال الحملة الانتخابية المقبلة للرئيس ترامب. لكن ذلك يثير المخاوف من ارتفاع سقف الشروط الأمريكية، لتشمل كافة قضايا السودان، وربما دول جواره، بالتوازي مع استجابة الحكومة السودانية لبعض الشروط الستة الأساسية، خاصة أنها لا تملك حالياً الكثير من أوراق الضغط المؤثرة، التي يمكن من خلالها مساومة الولايات المتحدة.

* مدير مركز البحوث الإفريقية -جامعة القاهرة

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"