الشفق القطبي يكشف الأسرار

بعد ثلاثين عاماً من حيرة العلماء
13:49 مساء
قراءة 4 دقائق

في أي الأماكن من الفضاء يتشكل الشفق القطبي؟ تساؤل يطرحه علماء الفيزياء والفضاء منذ 30 سنة، لكن وكالة ناسا الفضائية أرادت وضع حد نهائي لهذا التساؤل، بعد ان ارسلت في فبراير/شباط الماضي الى الفضاء خمسة أقمار اصطناعية، ويطلق على هذه الحملة اسم ثيميس ربة العدل عند الاغريق، والواقع أن ثمة فرضيتين تفسران حدوث هذه الظاهرة احداهما تقول إنها تتشكل على ارتفاع 60 ألف كم، فوق سطح الأرض، والأخرى تشير الى تكونها على مسافة أبعد من ذلك وتبلغ 150 ألف كم.

والهدف من ارسال هذه الأقمار الكشف عن أقل تدفق للجسيمات، واقل تغير في المجال المغناطيسي، يحدث عند هذه الابعاد.

وفي الوقت نفسه، هناك سبع محطات موزعة بين كندا والألسكا لرصد السماء، أثناء حدوث الظاهرة لا سيما أن المحطات مزودة بكاميرات غاية في الحساسية، علاوة على ذلك، زودت وكالة ناسا بعض التلاميذ المتميزين في المدارس الأمريكية، بأجهزة لقياس التغير في المجال المغناطيسي عند حدوث الظاهرة، ويقول آلان روو البحث من مركز دراسات البيئة الأرضية والكوكبية إن هذه المحاولة هي المرة الأولى التي يتمكن فيها الباحثون من مشاهدة ظاهرة الشفق القطبي، في اللحظة نفسها من الأرض والفضاء، وبالتالي فهم الظاهرة بمجملها.

يذكر أن المختبر التابع لهذا المركز هو الذي قام بتصنيع الهوائيات المغناطيسية على متن ثيميس.

ويبدو أن وكالة ناسا كانت تضع خطة أخرى بخصوص دراسة الظاهرة، فالباحثون في الوكالة يرون أن فهم آلية حدوث الشفق القطبي، سيمكنهم من وضع برامج محاكاة رقمية قادرة على استباق، وابل الجسيمات الشمسية التي يعتقد أنها أصل الظاهرة.

ويشير ديفيد سيبك المسؤول العلمي عن هذه البعثة لدى وكالة ناسا، الى أن وراء هذه العروض الضوئية الجميلة متعددة الألوان، تختفي معركة حامية الوطيس بين المجال المغناطيسي للأرض وتلك الجسيمات الخطرة المقبلة الينا من الشمس جراء الرياح الشمسية القوية، والمعروف أن تلك الجسيمات عالية الخطورة بالنسبة لرواد الفضاء والاجهزة العاملة في الفضاء كالمركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية، علاوة على احداثها لاضطرابات شديدة في عمليات الاتصال الرادياوية على الأرض، الى درجة انها تتسبب في تعطيلها بشكل كلي في بعض الأماكن.

وكان الباحث تساو جين بين في مركز الفضاء والبحوث التطبيقية التابع لأكاديمية العلوم الصينية، قال عن هذه الظاهرة: كان الاعتقاد السائد لوقت طويل أن الشفق القطبي ينجم عن غازات مؤينة تقذف من سطح الشمس بسرعة عالية، لكن هذا الاعتقاد بات غير صحيح، بعد أن تمكن الباحثون من جمع البيانات من أربعة اقمار اصطناعية لدحض هذه الفكرة.

ويشير الباحث تساو الى أن الباحثين وجدوا أن الشفق الذي ينجم عن الغازات الشمسية المؤينة ضعيف جداً، ولا يكاد يرى بالعين المجردة، لكن الشفق القطبي الجميل الذي يسطح في ظلمات الليل ناجم في الواقع عن العواصف المغناطيسية الجزئية، وتبين للفريق العلمي ان الانبعاثات والتيارات فائقة السرعة الناتجة عن الغازات المكهربة والمعروفة بالتيارات الحجمية الانفجارية بي بي إف، ناشئة عن العواصف المغناطيسية الجزئية، وتسير التيارات بشكل لولبي تحت حدود المجال المغناطيسي الأرضي، وتصطدم بالذرات المنتشرة على ارتفاع 100 كم، الأمر الذي يؤدي الى تشكل الشفق القطبي.

واشار البروفيسور بوتسوين في كلية علوم الأرض والفضاء بجامعة بكين الى أن اكتشاف منشأ وأصل ظاهرة الشفق، سيساعد البشرية على فهم الطقس في الفضاء، وهو عامل مهم لضمان نجاح وأمن وسلامة مهمات استكشفاف الفضاء عبر المركبات الفضائية بما في ذلك رواد الفضاء ايضاً.

وتنطلق تدفقات مستمرة من الجسيمات بروتونات والكترونات من سطح الشمس وبسرعة تصل الى 400 كم في الثانية، وهو ما يطلق عليه بالرياح الشمسية، وبالطبع تصل هذه الجسيمات البلازما الى كل جسم على الأرض، كما لو كانت اشعاعات رادياوية نشطة مشعة، لكن الدرع الواقية للأرض مجالها المغناطيسي هو الذي يمنعها من تدمير ما تمر عليه، وعندما تمر الرياح الشمسية على المجال المغناطيسي، فإنها تثني خطوطه المحيطة بجانبي الأرض كما يمر الماء في الأنهار حول قطعة حجر.

يذكر أن الدرع المغناطيسية المحيطة بالأرض تعاني من عيبين فعند القطبين يتخذ المجال المغناطيسي شكلاً يشبه القمع، حيث تتجمع فيه الجسيمات التي كان يعتقد لفترة طويلة أنها تصل الى الغلاف الجوي لتشكل الشفق القطبي، لكن الواقع أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، فلدى اقتراب هذه الجسيمات من الأرض، فإن المجال المغناطيسي يقوم بطردها بعيداً عن الأرض، إلا أن الجسيمات تتجمع في المنطقة الضعيفة في هذا المجال والمعروفة بالذيل المغناطيسي.

وتتجمع الجسيمات البلازما على مدى ساعات عدة في هذه المنطقة حيث تتقارب خطوط المجال المغناطيسي من بعضها وتصبح طبقة البلازما أشد كثافة، وأكثر دقة، وشيئاً فشيئاً تنفجر هذه الطبقة، كما لو كانت كيساً مملوءاً، وذلك كل 3 ساعات في المتوسط ويطلق عليها الزوبعة التحتية، مكونة ما يعرف بالشفق القطبي، وهو مهد هذه الظاهرة، بالتحديد، وتندفع الجسيمات البلازما نحو الأرض الى أن تصل الى منطقة بيضاوية الشكل حول القطبين الشمالي والجنوبي، وذلك بين خطي عرض 65 75 درجة.

وعلى ارتفاعات شاهقة من الغلاف الجوي يدخل وابل من الجسيمات بسرعة 40 ألف كم في الثانية، ويصطدم في ذرات الأوكسجين والآزوت، وعلى مدى هذه الاصطدامات، تفقد الجسيمات من سرعتها، لكنها تولد انبعاثات من الفوتونات الضوئية يعتمد لونها على طبيعة الذرة وسرعة الاصطدام، وعندما تشاهد من الأرض يلاحظ أن مسارات هذه الفوتونات تظهر على هيئة خطوط ملونة، تقع على ارتفاعات تتراوح بين 80 و400 كم. ويولد الالكترون على الارتفاعات العالية لوناً أحمر عندما يصطدم بذرة الأوكسجين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"