العقاب البدني للأطفال..حيرة بين سلطة الآباء وتجريم القانون

02:09 صباحا
قراءة 4 دقائق
تحقيق: مها عادل

تناقلت مواقع «التواصل الاجتماعي» مؤخراً ممارسات سلبية وعنيفة يقوم بها آباء وأمهات ضد أطفالهم في مناطق مختلفة من العالم العربي. بعض هذه الممارسات تخطت حدود القانون واستلزمت تدخلاً مباشراً من السلطات الرسمية لعقاب الأهل بتهمة تعنيف الأطفال والإساءة إليهم، خاصة عندما وصل الأمر في بعض الأحيان لإلحاق أذى شديد وصل في بعض الأحيان إلى «العاهة المستديمة» أو«ضرب أفضى إلى الموت»، بينما أثيرت تساؤلات مهمة بين متابعي «السوشيال ميديا» وفي أوساط مختلفة علي أرض الواقع، حول أصول التربية السليمة، وكيف كانت تعتمد في الماضي على آليات العقاب البدني، بينما أصبحت اليوم ترفض هذه الممارسات. وطُرحت تساؤلات هامة عن دور الأهل في حياة الأطفال، وحدود سلطاتهم، ومفهوم التربية، وأدوات العقاب الذي يمكن اتخاذه بغرض التقويم، ومتى يحيد العقاب المقبول عن الحدود فيتحول إلى عنف يتجاوز القانون، ويدمر حياة الطفل وينتهك حقوقه في حياة كريمة. في السطور التالية نتعرف إلى تجارب وآراء بعض العائلات حول العنف والإيذاء البدني للصغار ومدى جدواه وبدائله
تقول معالي فياض، ربة بيت:«رغم انتشار نظريات التربية التي توصي بعدم ضرب الأبناء نهائياً لأنها عملية تؤدي إلى إهانة الأبناء وتؤذيهم نفسياً، إلا أن الواقع وتفاصيل الحياة اليومية تفرض حقيقة أخرى وهي أنه لا مانع في بعض الأحيان من اللجوء لقدر محدود من العنف ولكن بشروط أهمها أن يكون هناك سبب مقنع ومبرر وألا يتجاوز العنف حداً معيناً فيصل إلى درجة الإيذاء وعادة ما يكون حلاً أخيراً بعد مراحل طويلة من النصح والتوجيه. وعن نفسي أهدد بالضرب عشرات المرات ولا أنفذ إلا مرة واحدة وبشكل محسوب وغير متروك لحالة الغضب، والانفعال الذي يقود صاحبه لتصرف مبالغ فيه لأن أبنائي هم أغلى الناس إلى قلبي ولذلك أحرص دائماً إذا طبقت عليهم أحد أشكال العقاب أن أشرح لهم سببه والغرض منه وما نوعية السلوك الخاطئ وتأثيره السلبي فيهم وأحيطهم علماً بأني لا أرغب في عقابهم على الإطلاق ولا أرغب إلا في الأفضل لهم.
أما حنان محمود، موظفة بالشارقة فتطلعنا على موقفها من العنف ضد الأطفال وتقول:«يختلف شكل العقاب ونوعه حسب المرحلة العمرية للطفل، فمن خبرتي مع أبنائي خاصة الذكور منهم يشكل التعامل البدني والاحتكاك بينهم وأصدقائهم أمراً طبيعياً وأحياناً على سبيل المرح واللعب، فالتشابك بالأيدي أمر طبيعي ولا تغلفه تلك الحساسية التي تحدث مع الفتيات. وهناك مراحل عمرية عند الذكور، قد تحتاج لبعض الترهيب عند الخطأ والترغيب عند الإجادة وقد يستلزم الأمر بعض العنف من الأم خاصة مع الأبناء الذكور لفض اشتباكاتهم أحياناً أو منعهم من إحداث أفعال تخريبية بالبيت، فالأطفال لديهم طاقة كبيرة يجب السيطرة عليها ولكن بالطبع يجب أن يكون أي عقاب بدني أو زجر خشن محسوباً وبقدر بسيط ومحدود حتى لا يؤذيهم بدنياً ونفسياً. وأحياناً ما تحتاج الأم لإيصال رسالة القوة لأبنائها وأنها ليست أضعف منهم، وعادة ما يكون ذلك بطريقة لا تسبب للأطفال أي أذى، وأعتقد أنه من تجربتي فالأطفال في المرحلة من 6 إلى 10 سنوات يحتاجون بعض الشدة للسيطرة عليهم وتقويم سلوكهم.

العنف مجرم

جلال إبراهيم مخرج تليفزيوني بدبي يستنكر مبدأ اللجوء للعنف مع الأطفال بأي طريقة ويوضح:«نشأ أولادي في بريطانيا حيث كنت أعمل لسنوات، وفي المدارس هناك يعلمون الأطفال أن يتصلوا برقم معين إذا ما تعرضوا لأي عنف أو تهديد من أحد أفراد العائلة. فضرب الأولاد ليس فقط غير مسموح به بداعي اللياقة وإنما هو أمر يتم تجريمه بنصوص القانون والممارسة الفعلية. ولأنني تربيت بطفولتي على فكرة قبول الضرب من الأبوين ببعض الأحيان كوسيلة فعالة للردع التهذيب للأبناء، ففي السنوات الأولى لإقامتي بالخارج كنت أرى هذه الأفكار الغربية في التربية الحديثة غريبة وغير منطقية، وكنت أعتقد أنه من غير المنطقي التدخل في العلاقة بين الأب وأولاده ومنعه من ضربهم أحياناً لتقويم سلوكهم لأنه الأكثر حرصاً عليهم من الغرباء، ولكنني بعد فترة اقتنعت بأن منع العنف وضبط قواعد التعامل بين أفراد الأسرة والتساوي في الحقوق بين الجميع واحترام إرادتهم، أفضل بكثير لأنه يحافظ على كرامة الأطفال وحقوقهم ويقلل من لجوئهم للعنف فيما بينهم والأهم من ذلك أنه يسمح بتقويم السلوك بطرق أفضل تضمن علاقة صحية بالأسرة. فالطفل الذي يتربى على العقاب البدني يمارس العنف ضد الآخرين.
وتقول خديجة العلي، معلمة بدبي: استفزتني جداً بعض القضايا والحوادث المؤسفة التي انتشرت مؤخراً على مواقع «التواصل الاجتماعي» لبعض أولياء الأمور ضد أطفالهم مثل حادث الأب الذي يصفع ابنته الرضيعة بعنف بحجة تعليمها المشي، من دون أن يفكر في حجم الأذى النفسي والبدني الذي يمكن أن يلحقه بها. وحادث الجدة التي قامت بتعذيب حفيدتها الصغيرة بالكي حتى الموت بحجة تربيتها وتهذيبها. ورغم أن السلطات المسؤولة في البلدين اتخذت الإجراءات القانونية ضد هذه الحالات إلا أن الجدل المجتمعي حول الأمر كان مستفزاً، فالجميع أدان الصورة المتطرفة في العقاب البدني بهذه الطريقة ولكن كثراًَ الذين جادلوا بأن بعض العنف البدني المحسوب مطلوب لتربية الأطفال بطريقة سليمة. وأعتقد أنه لا يوجد عنف «محسوب» وعنف «غير محسوب» فكل طرق العقاب البدني لابد أن تختفي من مجتمعاتنا، خاصة أن قوانين حماية الطفل ببلادنا قد تغيرت وأصبحت تؤيد هذا الاتجاه وتعمل على تجنب القسوة الشديدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"