الفراغ الدستوري.. «شبح» يهدد العراق

02:10 صباحا
قراءة 4 دقائق
د. محمد فراج أبو النور *

تدخل الأزمة السياسية في العراق مرحلة أكثر تعقيداً بعد انقضاء مهلة الخمسة عشر يوماً المقررة دستورياً من دون أن يتمكن مجلس النواب من الاتفاق على تسمية مرشح؛ لتشكيل الحكومة أو رفع اسمه إلى رئيس الجمهورية؛ ليكلفه بالمهمة رسمياً..
معروف أنه وفقاً للمادة (76) من الدستور العراقي، فإن الحزب أو التحالف الحزبي الذي يملك أكبر عدد من مقاعد البرلمان هو الذي يجب تكليفه باختيار أحد أعضائه؛ لرئاسة الحكومة؛ لكن الخلاف المحتدم في البرلمان بين «كتلة الإصلاح» بزعامة مقتدى الصدر وحيدر العبادي من ناحية، و«كتلة البناء» بزعامة هادي العامري ونوري المالكي من ناحية أخرى، حول أي كتلة من الكتلتين هي «الكتلة الأكبر»، حمل الرئيس العراقي برهم صالح على التوجه للمحكمة العليا طالباً رأيها الدستوري في القضية.. وردت المحكمة الكرة إلى الرئيس بتحديد الضوابط الدستورية للمسألة، من دون إجابة محددة، فقام الرئيس بدوره بإعادة الكرة إلى البرلمان «مجلس النواب»؛ من خلال خطاب يطلب فيه إبلاغه بالأوضاع التفصيلية للأحزاب والتكتلات، وعدد مقاعدها.
وفي أثناء حدوث ذلك كانت المهلة الدستورية لتكليف «الكتلة الأكبر» قد انتهت «الأحد 22 ديسمبر/‏كانون الأول» وأخذ يلوح شبح الفراغ الدستوري في العراق؛ ولذلك فالأرجح أن حكومة عادل عبد المهدي ستظل تقوم بدور تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة، بغض النظر عن مدى دستورية هذا الوضع، الذي قد يطول.

غليان في الشوارع

الأمر الأهم من كل هذه الأوضاع الدستورية، أن الصراع في مجلس النواب يجري على وقع صراع سياسي محتدم في الشوارع والساحات، وحراك شعبي ضخم أجبر حكومة عبدالمهدي على الاستقالة، ويطالب بحل البرلمان، وإزاحة الطبقة السياسية الحاكمة بأكملها، ومحاكمة أغلب رموزها بتهمة الفساد، ونهب أموال الشعب.. وبتهمة سفك دماء أكثر من خمسمئة من العراقيين، كما يطالب بالتخلص من النفوذ الأجنبي المتغلغل بعمق في البلاد والذي تستند إليه السلطة السياسية الحاكمة، ونعني النفوذ الإيراني بالدرجة الأولى، وكذلك النفوذ الأمريكي بالطبع، وقد فشلت كل وسائل القمع الدموي في الحد من اتساع هذا الحراك.
ومن ناحية أخرى، فإن الطابع العابر للطائفية الذي تتسم به الانتفاضة «ومطالبها» وانضمام جماهير واسعة من الشيعة إليها - في مقدمتهم أنصار مقتدى الصدر - واشتعال الانتفاضة في المعاقل الشيعية في الجنوب، أحدث انشقاقاً حقيقياً فيما يُسمى ب«البيت الشيعي» والاصطفاف الطائفي الذي كان قائماً في البلاد منذ الغزو الأمريكي عام 2003.. ونتيجة لذلك كله وجد المرجع الشيعي العراقي الأعلى «آية الله السيستاني» نفسه مضطراً لتبني مطالب الانتفاضة الجماهيرية، بما لذلك من أثر معنوي كبير وسط الجمهور الشيعي، وطالب باستقالة عبد المهدي بعد مذبحة الناصرية..

صراع الكتل السياسية

لقد كان ضرورياً أن نشير إلى كل هذه التفاصيل؛ لنخلص إلى أن السلطة الحاكمة في العراق تواجه حصاراً شعبياً متزايداً - بما في ذلك بين جماهير الشيعة - على الرغم من رهانها على عنصر الوقت، والمناورات السياسية المستمرة؛ لإضعاف زخم الانتفاضة؛ لكن بلا جدوى.
وقد حاولت «كتلة البناء» البرلمانية، التي تدعي لنفسها وضع «الكتلة الكبرى» في مجلس النواب، والتي يتزعمها هادي العامري «تحالف الفتح» ونوري المالكي «تحالف دولة القانون.. ونواته «حزب الدعوة» الالتفاف على الدستور، والإعلان عن نجاحها في الحصول على توافق لترشيح اثنين من ممثليها؛ لتشكيل الحكومة الجديدة هما على التوالي:
1- محمد شياع السوداني.. الوزير السابق والعضو في حزب الدعوة بزعامة نوري المالكي.
2- قصي السهيلي وزير التعليم العالي في حكومة عبد المهدي المستقيلة.. وعضو حزب «الدعوة» أيضاً.. لكن الجماهير الغاضبة نجحت في إسقاط السوداني بسرعة قياسية، وهي في طريقها إلى إسقاط الثاني، فقد أعلن المتظاهرون - من بغداد إلى مدن الجنوب - رفضهم للمرشحين الاثنين، وعلقوا صورهما وعلى وجهيهما علامة (×).. مؤكدين أنه لا مكان لأتباع السلطة الفاسدة والقمعية في قيادة البلاد.

بين المحكمة العليا والبرلمان

وقد أوضحنا في بداية مقالنا رفض الرئيس العراقي برهم صالح لترشيح «البناء»، وإصراره على توجيه القضية برمتها للمحكمة العليا.. ثم توجيهه الخطاب بشأن «الكتلة الكبرى» لمجلس النواب؛ لكن نوري المالكي مع زملائه يواصلون الضغط على الرئيس، مما دفعه للتصريح بأنه «لن يوافق على أي مرشح لا يوافق عليه العراقيون».. وأنه يمكن أن «يقدم استقالته إذا لم تتوقف الضغوط» التي تمارس عليه.. وواضح أن الحديث يتعلق ب«كتلة البناء» فهي التي تحاول تمرير مرشحها بكافة الوسائل.. و«كتلة الإصلاح» لم تعلن عن أي مرشح حتى الآن.
على أية حال.. الأيام المقبلة ستكشف ما إذا كانت كتلة المالكي - العامري، ستتمكن من الحصول على وضع «الكتلة الكبرى» في البرلمان أم لا.. وهل تستطيع التأثير على بعض الأحزاب الصغيرة أو حتى رشوتها؟
وبفرض - جدلاً - أن الفريق الأكثر طائفية وفساداً نجح في تمرير «حكومة تخصه» فالمؤكد أن الجماهير الثائرة قادرة على أن تحكم عليها بمصير حكومة عبد المهدي.
وهذه الجماهير ترفض رموز النظام الطائفي الاستبدادي والتابع.. وتطالب بقانون جديد عادل للانتخابات، وهو ما تماطل «كتلة البناء» في إقراره - وإجراء انتخابات نزيهة لبرلمان وحكومة جديدين - لمدة ستة أشهر أو سنة على أقصى تقدير يتم خلالها كتابة دستور جديد لا يقوم على المحاصصة الطائفية.. وحكومة دائمة تحقق مصالح الشعب العراقي.. وإلى أن يحدث ذلك ستظل أية حكومة منقوصة الشرعية.. وسيقاومها العراقيون.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"