القراءة.. حماية

03:17 صباحا
قراءة 5 دقائق
القاهرة: مدحت صفوت

من عالم لا تتوقف أنشطته، إلى حجر ذاتي، مع فرض حظر تجوال في أغلب الدول، وعلى الرغم من أن البقاء في المنازل يعد وسيلة جيدة لحماية النفس والآخرين معاً من فيروس كورونا، وهو إجراء مهم للمساعدة في الحد من انتشار الوباء أو الجائحة التي تضغط على نظام الرعاية الصحية في دول العالم كافة، فإنه إجراء قد يبدو «مملًا» في كثير من الأحيان.

ولكن من المستحيل تجاهل العناوين شبه الثابتة التي تحتوي على أعداد محدثة من حالات الإصابة بالفيروس، إلى جانب الصور المشاركة على منصات التواصل الاجتماعي لتأثيرات الجائحة في سكان الكرة الأرضية، إذاً، عليك أن تفكر على نحو جيد في الاستفادة القصوى من فترة العزل، التي يمكن أن تكون تجربة مربكة، خاصة لأولئك الذين اعتادوا على قضاء ثلثي وقتهم خارج البيت، ومع ذلك، من المهم أن ننظر إلى نصف الكوب المملوء، وأن نوجه طاقتنا إلى بعض الأنشطة المفيدة والممتعة.

في الوقت الذي كان استلقاؤك على الأريكة أمام جهاز التلفاز ممتعاً وقتما كنتَ طفلًا، يبدو الأمر مختلفاً الآن، وأنت شخص قد اعتاد على جدول مزدحم من الفعاليات، إذاً، تعال نتفق على أننا جميعاً، أمامنا فرصة إما أن نُضيع أيامنا المقبلة في لحظات مملة وباهتة، وإما نستثمر هذا الوقت «ثقافياً» وفنياً، ما يعني أنها فرصة لبناء الإنسان، ما يصب في النهاية في بناء المجتمع.

مشاريع مؤجلة

المعنيون بالعملية الثقافية إنتاجاً وتلقياً، تزخر مكتبات معظمهم، إن لم يكن جميعهم بعشرات الكتب التي لم يطالعوها، ويؤجلون الشروع في قراءتها نظراً لكمّ الانشغالات، وكلما وضع الإنسان جدولًا لإنجازها كثرت المشاغل، وزادت المشاريع المؤجلة.

وربما كانت هذه الأيام فرصة للانقضاض على رائعة الكاتب والشاعر الإيرلندي جيمس جويس «عوليس»، المؤلفة من 700 صفحة، التي تعد من أبرز الأعمال في الأدب الحداثي، حتى إنها اعتبرت «نموذجاً وإجمالًا للحركة بأكملها». ومن الأدب الإنجليزي إلى نظيره الروسي، يمكن أن نعود مرة أخرى إلى «الحرب والسلام»، لليو تولستوي المنشورة في أكثر من 1200 صفحة.

وفي جزأين تجاوز عدد صفحاتهما 1550 صفحة، يحكي الإسباني الشهير ميجيل دي ثربانتس في روايته «الشريف العبقري دون كيخوتي دي لا مانشا»، والمعروفة برواية «دون كيخوت»، عن حياة نبيل إسباني من الطبقة الوضيعة يقضي أيامه مطالعاً كتب الفروسية، ويتغنى بها ليل نهار، إلى أن توهم نفسه واحداً من الأبطال، يخرج من بيته وبرفقته خامه «شانسو بانشا»، حالماً بالأعمال البطولية، ومساعدة الضعفاء، ومقاتلة الظالمين.

ولو افترضنا أن جزأي «دون كيخوت» ليسا كافيين، فالكاتب الألماني توماس مان، استلهم قصة النبي يوسف في رواية من أربعة أجزاء وعنونها ب«يوسف وإخوته»، وفي نحو ألف ومئتي صفحة، متأثراً بأسلوب ثربانتس.

وفي المكتبة العربية، تحل ملحمة الأديب المصري نجيب محفوظ الحائز على نوبل 1988 «الحرافيش»، التي اعتبرها النقاد درة الرواية العربية، وأهم كتابات أديب نوبل، وقد تتقاطع مع اللحظات التي يمر بها العالم حين يحل وباء على أهل الحي الذي لا تحديد لزمانه، أو موضعه بالضبط، في إشارة إلى التركيز على الإنسان بعيداً عن الزمان، والمكان، وهي الدلالة التي يؤكد عليها محفوظ حين يبدأ ملحمته بعاشور الناجي، وينهيها بعاشور الناجي أيضاً، كأن الإنسان في دوامة لا تنتهي، وسلسلة من الدوائر يعيد بعضها بعضاً.

ومن الأدب الكلاسيكي إلى الكتابات الراهنة، يحل الروائي الأمريكي الشهير فوستر والاس، وروايته «الدعابة اللانهائية» الصادرة عام 1996، والمدرجة حسب قائمة مجلة Time ضمن أفضل 100 رواية إنجليزية نشرت في الفترة من 1923 حتى 2005.

واشتهرت الرواية على نطاق واسع ببنيتها السردية غير التقليدية، واستخدامها التجريبي للتعليقات الختامية، والحواشي التي وصل عددها إلى نحو 388 تعليقاً، ما دعا عدداً من النقاد الأمريكيين إلى وصفها بالرواية الموسوعية، واعتبرتها مجلة «تليجراف» واحدة من الكتب التي لن يستطيع جميع القراء الانتهاء من صفحاتها التي تتجاوز ألف ومئة صفحة.

معايشة رواية والاس ليست مجرد قراءة رواية جميلة، ومحبوكة، ومؤثرة، إنما هي بوابة حقيقية لمعرفة كتابات ما بعد الحداثة الأمريكية التي أصبحت السخرية غاية في حد ذاتها، حتى تحولت من أداة لتحرر الإنسان من أي قيود معرفية، إلى استعباد الإنسان، وتسخير كتاباته لمصلحة السخرية المطلقة، وتأكيداً على رفض ثبات المعنى، وقدمه، ووضوحه.

ملاذ

العزلة انسحاب من العالم الظاهر المشترِك فيه الجميع إلى الكينونة الذاتية، «سياج»، إجبارياً كان، أو اختيارياً، ليس موضوعنا هنا، يفصل بين الاعتزالي، والأغيار، أو الذين يرونهم أغياراً، أولئك المشيرون دوما إلى الجحيم. وهي اختيار فنيّ، فضاء يتقصده المبدع للإنتاج، أسوار حماية ضرورية أحياناً لاختمار الرؤية، ونضج الفنّ. «من لا يحب العزلة لا يهوى الحرية»، هكذا فهمها الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، وقلائل هم من يتلمسون بالتجربة حريتهم التي تبدأ عند نهاية أعتاب الآخرين. وقديماً قالوا في مديحها أنّها تقي العرض، وتبقي الجلالة، وتستر الفاقة وترفع مؤونة المكافأة في الحقوق الواجبة.

العزلة أيضاً استجواب للعالم ومساءلة للكون، «أن تحب العزلة يعني أن تكون قوياً»، بوصف الفنان الإيطالي بيير باولو بازوليني. إفصاح عن الرغبة، أشكال مختلفة من الصوت للتعبير عن الذات. ملاذ من ضغوط عالم العمل، ثاني أركان التصوف بعد الصمت، قلاية راهب تغنيه، وتستكفيه، سعي لتشييد المملكة الخاصة بالاعتزالي بعد أن يشهر في وجه الجميع «مملكتي ليست في هذا العالم».

وفي مثل عزلة الحجر الصحي يحتاج الإنسان إلى ما يقوي إحساسه بالطمأنينة، وهو ما يمكن أن تحققه بعض الكتب، بخاصة تلك التي تتراوح لغتها بين الشعرية والنثرية، ونقترح وصفة نظن أنها منتقاة للغرض المشار إليه، وقد تتطلب قراءتها تفرغاً كاملًا يصل إلى نحو أسبوعين، وهي على الترتيب «اللاطمأنينة» فرناندو بيسوا، و«المواقف والمخاطبات» النفري، و«مثنوي» جلال الدين الرومي، و«المحاورات» كونفشيوس، و«هكذا تكلم زرادشت» لنيتشه.

أفضل 100 فيلم

في مقالة على موقع «USA TODAY»، رصدت هيئة التحرير 100 مهمة يمكن أن يؤديها العالقون في الحجر الصحي، وتتضمن المهام أنشطة في أغلب المجالات الممكن تنفيذها خلال البقاء في البيت، إلا أننا نلاحظ اهتماماً خاصاً بالفنون عامة، وفنّ السينما على نحو خاص.

وينصح الموقع الأمريكي خلال فترة الحجر الصحي في البيوت، بمشاهدة الأفلام التي فازت بجائزة الأوسكار.

واستغلت هيئة تحرير الموقع إصابة الفنان الأمريكي المخضرم توم هانكس، وزوجته ريتا ويلسون، بفيروس كورونا، لتقترح في النصيحة رقم 27 مشاهدة أفلام هانكس الذي يزيد عددها على 40 عملًا، مرتبة زمنياً تصاعدياً، أو تنازلياً.

وداخل مقالة الموقع الأمريكي إشارة إلى مقالة أخرى تقدم ترشيحات لمئة فيلم متوافرة على شبكة الإنترنت، تحت عنوان «هل تحتاج إلى الهروب من الفيروس التاجي؟ إليك 100 فيلم لمشاهدتها»، وتضم قائمة تاريخية أقدمها الفيلم الموسيقي الكوميدي «ساحر أوز»، المقتبس عن رواية ساحر أوز العجيب للكاتب ليمان فرانك، ومن إنتاج 1939.

كما تضم قائمة الترشيحات 3 أعمال من إنتاج العام الماضي، هي «الأرنب جوجو» الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل كتابة لسيناريو مقتبس 2020، وفيلم «Book smart» للنجمة أوليفيا وايلد، و«Parasite» الفيلم الكوري الحائز على السعفة الذهبية.

وقسّم الموقع الأمريكي الأفلام إلى 10 مجموعات، هي الخيال العلمي، والطبيعة، والدراما الاجتماعية، والكوميدية، والرعب، والأكشن، والتاريخية، وأفلام مهمة، وأخرى ليست على الأهمية نفسها، وأخيراً ما تمنح القلب الدفء.

من ناحيته، ينصح كبير مساهمي مجلة «فوربس» الأمريكية جاك كيلي، متابعة عروض Netflix المختصة في تزويد خدمة البثّ الحي والفيديو، وما تنتجه من برامج، وأفلام، وأعمال درامية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"