القلاع.. حارس الماضي

01:54 صباحا
قراءة 5 دقائق
تروي قلاع وحصون مدينة العين تاريخ حقبة زمنية كان لها أثر كبير في حياة إنسان الإمارات؛ لأنها لعبت أدواراً رئيسية ومختلفة في المجتمع الإماراتي في الماضي.
كانت القلاع مركزاً للحكم، ومصدراً مهماً في توفير الأمن للقوافل التجارية، وقامت بدور المحكمة، وشهدت ساحاتها الواسعة احتفالات الأهالي في مناسباتهم، وكانت مركزاً لإدارة النشاط الزراعي في المنطقة الشرقية من أبوظبي، وظلت لسنوات طويلة تستخدم مصيفاً لأهاليها.
ولأن مدينة العين في الماضي كانت مكونة من عدة قرى صغيرة ومتفرقة جاء توزيع القلاع والحصون متباعداً، وتركزت هذه المباني في بعض المناطق السكنية آنذاك، مثل الهيلي والقطارة والمعترض والمويجعي والجاهلي والمسعودي.
وحمل بعضها أسماء المناطق التي أقيمت بها مثل قلعة المويجعي وقلعة الجاهلي، وسمي بعضها وفقاً لشكلها مثل قلعة المربعة، بينما حمل بعضها اسم منشئها مثل قلعة سلطان.
الجولة بين قلاع العين وحصونها تبدأ من مدخل المدينة حيث تقع قلعة المويجعي.
واكتسبت هذه القلعة أهمية تاريخية بارتباطها بالإرث السياسي لحكام آل نهيان في العين، إذ بنيت القلعة في عهد الشيخ زايد بن خليفة، الملقب بزايد الكبير، وبعد وفاته انتقلت إدارتها إلى الشيخ محمد بن خليفة، والد سمو الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان، ممثل الحاكم في المنطقة الشرقية.
ومنذ تعيين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكماً للعين، ازدادت الأهمية السياسية للقلعة التي أصبحت قصر الحكم.
وازدادت أهمية القصر باتخاذ عائلة الشيخ زايد منه مكان إقامتها، وولد فيه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله.
وبعد مرور عقود، افتتح قصر المويجعي كمتحف ومعرض، باعتباره صرحاً وطنياً يتمتع بتاريخ حافل وثري، إذ أعادت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تأهيله وترميمه، ليتحول إلى متحف بمعايير عالمية رفيعة.
والقصر عبارة عن مبنى مربع تحيطه جدران سميكة تعلوها فتحات للرماية بالبنادق، ويضم ثلاثة أبراج استخدمت لحماية المبنى.
في محطتنا الثانية إحدى أكبر قلاع العين، وهي قلعة الجاهلي وتقع في القسم الجنوبي الشرقي من المدينة، وتمثل أفضل نموذج لفن العمارة العسكرية المحلية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ أسرة آل نهيان.
القلعة بناها الشيخ زايد بن خليفة (زايد الأول) في الفترة ما بين 1891و1898 بالقرب من إحدى المستوطنات حول واحة الجاهلي، وباشر منها العديد من المشاريع التطويرية بدءاً بالأفلاج وانتهاء بالمباني الدفاعية.
واستخدمت القلعة في ذلك الوقت للدفاع عن المدينة وحماية مزارع النخيل، وظلت السكن الخاص بأسرة آل نهيان حتى بعد وفاة الشيخ زايد الأول في العام 1909، وكانت تمثل رمز الاستقرار السياسي الذي حققه خلال فترة حكمه الطويلة.
واليوم أصبحت قلعة الجاهلي بعد ترميمها وإعادة فتحها للزوار متحفاً دائماً ومعرضاً يستضيف الأحداث الثقافية والمجتمعية المختلفة التي تشهد على أصالة هذا المكان وارتباطه الوثيق بتاريخ الإمارات وتراث الأجداد.
وانتقلنا من أكبر قلاع العين إلى أحدثها، وهي قلعة المربعة، وتقع بالقرب من الحصن الشرقي.
واكتسب البرج المتكون من ثلاثة طوابق اسمه من شكله القريب من المربع، وأمر الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ببناء قلعة المربعة خلال فترة حكمه للمنطقة الشرقية، وشيدت المربعة في البداية لتكون برجاً للمراقبة ومقراً للحرس، لتتحوّل لاحقاً إلى مقر للشرطة وسجن محلي ومكان للتجمع من أجل إقامة المهرجانات وعقد الاجتماعات الرسمية للحاكم.
واستعملت القلعة لفترة طويلة كمقر مؤقت لقيادة شرطة العين.
وتتألف القلعة من برج مستطيل الشكل، تقع بوابته في وسط الجدار الغربي لشرفة القلعة المبنية من الطوب الطيني، وتتمركز الشرفات والأبراج المثلثة الشكل والمستخدمة للرماية على قمة الجدران والبرج.
ويعتبر القوس المتعدد الطبقات الذي يطل على الشارع الرئيسي نموذجاً للبناء المحلي، إذ استخدمت جذوع أشجار النخيل والحصير المصنوع من سعف النخيل لدعمه في البناء.
ويوجد في الساحة كوخ مبني من غصون النخيل يعكس طبيعة العمارة المحلية التي كانت شائعة في بناء المنازل في الإمارات حتى ستينات القرن الماضي.
وكان لا بد لنا من زيارة الحصن الشرقي،أو ما يعرف بحصن الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان أو حصن سلطان، الذي يعطي انطباعاً حياً عن الحياة في بداية القرن العشرين.
ويرجع بناء الحصن إلى ما قبل 100 عام على يد الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، الذي اتخذه مسكناً لعائلته لغاية توليه مقاليد الحكم سنة 1922، وفي 1969 تحوّل الحصن إلى متحف يعرض العديد من القطع الأثرية، وبعد مرور سنتين وتحديداً في 1971، نقلت القطع الأثرية إلى متحف العين الوطني ومعارض أخرى ضمن البرج الشرقي الذي تمت توسعته من خلال إضافة جناح آخر للعرض.
ويتخذ الحصن شكلاً معمارياً قريباً من المربع مع جوانب يبلغ طولها التقريبي 35 متراً، وتعكس البوابة الرئيسية في الجدار الجنوبي الأغراض الثلاثة التي بني الحصن من أجلها وأولها الإقامة، إذ توجد غرف وموارد مياه منفصلة خصصت لأسرة الشيخ سلطان.
أيضاً استخدم الحصن في الإدارة الحكومية، وخصصت الساحة الداخلية لاستضافة القادمين من مناطق بعيدة، بينما استخدمت غرف التخزين الموجودة في الجدران الداخلية لتخزين التمر والقمح، وبما أن الشيخ سلطان كان يشغل دور الوسيط والقاضي كجزء من مهامه، زوِّد الحصن بسجن داخلي لاعتقال المخالفين للقانون.

ومن أهم استخدامات الحصن الشرقي الدفاع عن المنطقة وسكانها ومواردها، وذلك من خلال الأبراج الثلاثة مخروطية الشكل عند زوايا الساحة والجدار السميك والحصون العسكرية.

وبينت أماكن للرماية ومراقبة المنطقة في كل جدار خارجي وفي الأبراج.

أكثر المباني تحصيناً وبعد حصن الشيخ سلطان، انطلقنا إلى الأعلى حيث تقع قلعة مزيد على سفح جبل حفيت في العين، وهي إحدى أكبر القلاع في المنطقة، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن التاسع عشر.
ويمتد البناء المستطيل الشكل على مساحة تقارب 3600 متر مربع، وهو محاط بأبراج مراقبة مرتفعة أسطوانية الشكل على ثلاث زوايا.
ويحيط بالساحة التي يوجد فيها مزرعة نخيل أكثر من 40 غرفة مبنية من الداخل، وبها متاريس بارتفاع أربعة أمتار.
وتعلو أبراج القلعة فتحات لإطلاق النار وشرفات مثلثة الشكل مع فسحات نظامية وثغرات مدرجة بالجدران، مما يجعل من قلعة مزيد أحد أكثر المباني المحصنة في الإمارات.
ولم تحافظ عملية ترميم قلعة مزيد على مزرعة النخيل فحسب وإنما على الانطباع الحقيقي لفن العمارة عبر استخدامها للطوب الطيني.
وقبل أن ننهي جولتنا كان علينا المرور بقلعة المريجب، إحدى أقدم القلاع المهمة في مدينة العين، لأنها بنيت في بداية القرن التاسع عشر على يد أفراد من أسرة آل نهيان، الذين بنوا مزارع في المنطقة، واستلهم منها الاسم الحالي للقلعة.
وتقع المباني الثلاثة للقلعة في الجزء الغربي من حديقة المريجب، وبنى الشيخ شخبوط بن دياب بعد أن خلّف أباه الشيخ دياب بن عيسى في العام 1816، قلعة المريجب لتكون مكاناً لإقامته ولاستضافة الشخصيات المهمة وحماية موارد المياه المحلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"