الكوارث الطبيعية تغيِّر طبيعة العالم عبر التاريخ

أغرقت جزراً ودفنت مدناً وقرى
03:06 صباحا
قراءة 6 دقائق
إعداد: محمد فتحي

يسارع البشر الخطى نحو السيطرة على الطبيعة وترويضها، لكنها في كثير من الأحيان تكشر عن أنيابها لتفتك بالإنسان وتدمر المعالم الطبيعية من حولها لعقود أو حتى إلى الأبد. ولطالما شهد التاريخ موجات من الكوارث الطبيعية التي تراوحت بين الزلازل والبراكين والفيضانات والأعاصير المدمرة لتغير من ملامح المدن والقرى وتزيل بعضها لتصبح في طي النسيان. ولا تزال الكوارث الطبيعية تشكل تهديداً مباشراً لحياة الإنسان وأحد العوامل الرئيسية لتغيير ملامح الطبيعة الجغرافية والسكانية للمناطق القريبة من حدوثها. ويشهد التاريخ على العديد من تلك الكوارث التي غيرت وجه الحياة للملايين.
تعد البراكين أكبر الكوارث الطبيعية، إذ تسببت في اختفاء وظهور جزر ودفن مدن وقرى على مر التاريخ. ويمثل بركان كراكاتوا الذي ثار في الهند الشرقية الهولندية (إندونيسيا حالياً) عام 1883، إحدى أكبر الكوارث الطبيعية على الإطلاق، وبلغ الذروة مع العديد من الانفجارات المدمرة التي تسببت في انهيار ثلثي منطقة كراكاتوا مع تدمير معظم الجزيرة والأرخبيل المحيط بها. نتج عن الانفجار «تسونامي» ضخم، بالإضافة إلى الخسائر البشرية التي قُدرت بنحو 36000 شخص على أقل تقدير، بالإضافة إلى التأثيرات الواضحة للانفجار على العالم كله.
وفضلاً عن سماع انفجاره في أستراليا وموريشيوس، التقطت أجهزة «راسم الضغط الجوي» بيانات الموجة الانفجارية الضاغطة للبركان في جميع أرجاء العالم لأكثر من 7 مرات خلال 5 أيام حينها. وقيل حينها إنه إذا كان شخص موجوداً في نطاق أقل من 16 كيلومتراً لكان أصيب بالصمم من قوة الصوت. ولم تكن تأثيرات البركان بيئية فقط، بل وجيولوجية أيضاً، فمع تصاعد الغبار البركاني لأكثر من 80 كيلومتراً في الغلاف الجوي، تسبب الانفجار الذي دام ليومين في شتاء بركاني دام 5 سنوات. كما تغيرت ملامح الجزر المحيطة بالبركان، إذ كان للجزيرة 3 براكين أخرى هي «بيربواتان» و«دانان» اللذان دُمرا أثناء الثوران، و«راكاتا» الذي دُمِّر نحو نصفه، بينما ظل نصفه الناجي فوق مستوى سطح البحر. واستمرت التحولات الجيولوجية في المنطقة قرابة الخمسة عقود.
جبل مونت بيليه هو بركان نشط في الطرف الشمالي من جزر ما وراء البحار الفرنسية مارتينيك، وتحديداً في جزر الأنتيل الصغرى في البحر الكاريبي، ويتكون من مخروط بركاني من طبقات من الرماد البركاني والحمم الصلبة. وهو بركان طبقي تكون عند اندلاعه في عام 1902 مسبباً دماراً هائلاً، حيث يطلق عليه اسم أسوأ كارثة بركانية من القرن ال20، إذ أدى إلى قتل نحو 30 ألف نسمة، وكانت غالبية هذه الوفيات بسبب تدفقات الحمم البركانية التي وقعت في مدينة سان بيير، حيث كانت في ذلك الوقت هي أكبر مدينة في الجزيرة. ودمرت سانت بيير تماماً بسبب تدفق الحمم البركانية في غضون دقائق من الثوران. أنشأ جبل بيلي فوق قرية بجانب سانت بيير كانت تتميز بالهدوء إلى أن اختفت تماماً تحت جبل شاهق يبلغ ارتفاعه نحو 1400 متر.
ويعد بركان «سانت هيلين» الذي يقع في ولاية واشنطن غربي الولايات المتحدة، واحداً من أقوى البراكين التي مرت على تاريخ البشرية، هو لم يكن مجرد بركان ذهب ضحيته ضحايا أبرياء فقط، لكن تسبب في تغيرات جيولوجية أدت إلى تحولات مستمرة لشكل سطح الأرض وتكوينها. واستطاع البركان الغاضب تغيير الأرض تغييراً تاماً خلال عدة ساعات فقط، وكان ذلك التغيير يحتاج لعقود بحسب رأي العلماء. استمر نشاط البركان حتى مايو/‏أيار عام 1980، عندما اندفعت الهزات الأرضية من تحت البركان الرهيب وتسبب تراكم الضغط بداخله في انفجاره انفجاراً هائلاً تسبب في شطر الجبل إلى نصفين وتدمير الغابات المحيطة به في دقائق. وكانت تلك الكارثة سبباً في حدوث أعنف وأقوى سلسلة انهيار صخري شهدتها الولايات المتحدة الأمريكية عبر تاريخها. وقيل بأن انفجار هذا البركان يعادل عشرين قنبلة نووية في قوة القنبلة التي سقطت على هيروشيما، وتسبب في تدمير ربع قمة البركان واختفائها خلال الساعات الأولى، وكذلك طمر النهر الشمالي لكي يتحول المشهد الجميل والجذاب إلى أرض قفر مرعبة بدون حياة قبل مرور عشر ساعات من بداية الكارثة.
وكانت للزلازل الكلمة العليا في بعض الأوقات لتحدث دماراً واسع النطاق شمل العديد من المدن والقرى وغيّر من طبيعة أماكن على سطح الأرض عبر التاريخ.
كانت مدينة «هرقليون» المصرية القديمة ميناء ومركزاً تجارياً مهماً على البحر المتوسط قبل مدينة الإسكندرية، ويعود تاريخها إلى القرن ال12 قبل الميلاد. وبحسب العلماء، الذين اكتشفوا بقايا المدينة الغارقة في خليج أبوقير بالإسكندرية، فإن كل الشواهد تؤكد أن المدينة المزدهرة غرقت ودمرت بالكامل نتيجة زلزال هائل وقع خلال القرن ال6 الميلادي أدى إلى هدمها بالكامل، ثم تعرضت للغرق بعد فيضان البحر بسبب «تسونامي» بعد الزلزال. اكتشفت بقايا المدينة عام 1992 غارقة وبها العديد من الآثار البطلمية والرومانية والمصرية القديمة.
لم تكن مدينة «هيليك» اليونانية القديمة أفضل حالاً، فقبل زلزال «هرقليون» عام 373 قبل الميلاد شهدت المدينة التاريخية سلسلة من الزلازل العنيفة وموجات تسونامي. وتحولت المدينة، التي يعود تاريخها إلى العصر البرونزي، إلى أطلال بفعل الزلازل وصارت في طي النسيان بعد أن ابتلعها البحر بكل ما فيها من أبنية وأسواق وطرق وبشر وحيوانات وحتى السفن. ظلت المدينة غير مكتشفة حتى القرن التاسع عشر، حيث عثر البعض على بعض المظاهر مثل الحوائط على الشواطئ، وفي 1988 بدأت عمليات التنقيب باستخدام التكنولوجيا الحديثة واستخراج بعض من آثار المدينة الغارقة التي غيرت وجه المنطقة إلى الأبد.
على عكس الفيضانات و«تسونامي»، فإن العلماء يؤكدون أن كارثة الجفاف التي ضربت منطقة حوض البحر المتوسط خلال العصر البرونزي تسببت في زوال العديد من المدن وتحويلها إلى صحراء، وبالتالي اختفاء بعض الحضارات التي استطاعت التعافي فيما بعد. كانت الحضارة الفرعونية من أشد المتضررين، إذ يرجع العلماء ضعف الدولة الوسطى في تحقيق أي تقدم وقربها من الزوال بالكامل بسبب الجفاف الذي طال نهر النيل وتقلصت أفرعه بشدة، وذلك قبل أن تتعافى من جديد في عهد الدولة الحديثة في القرن الخامس عشر قبل الميلاد حينما بدأت التغيرات المناخية القاسية في الانحسار. وكان للحضارة الحيثية في الشمال نصيب من هذا الجفاف الذي كان متواجداً بكثرة في شرق المتوسط وتسبب في اقتراب هجرة الإنسان من تلك المنطقة بالكامل بسبب قلة الأمطار، حيث هُجرت العديد من المدن والقرى وتحولت إلى أطلال وصحراء فيما بعد.
كان العصر الحديث شاهداً على العديد من الكوارث الطبيعية التي غيّرت طبيعة المدن خلال القرن العشرين، وكان أهمها زلزال «أسام» في هضبة التبت عام 1950 بقوة 8.6 درجة. وقتل بسبب هذا الزلزال 1500 شخص على الأقل في شرق التبت والهند، حيث حدثت وقتها شقوق أرضية وانهيارات وبراكين كبيرة ضربت المنطقة. وشعر بالزلزال أهالي سيتشوان ويونان في الصين، ومناطق بعيدة مثل كلكتا في الهند. وتسبب الزلزال في انهيارات أرضية كبيرة سدت مجاري الأنهار، وعندما طفحت مياهها من خلال جدران الحطام، غمرت موجاتها عدة قرى وقتلت المئات من الناس.
وعلى الرغم من أن مركز الزلزال كان في التبت، فإنه تسبب في حدوث الاصطدام الأكثر نشاطاً وعنفاً بين الصفائح القارية على كوكب الأرض بين الصفيحتين القاريتين الهندية والأوراسية.
وضرب جزر الفئران في ولاية ألاسكا الأمريكية عام 1965 زلزال بقوة 8.7 درجة. وتسبب هذا الزلزال الضخم في «تسونامي» ارتفع أكثر من 10 أمتار، وكان الزلزال نتيجة غوص صفيحة المحيط الهادئ تحت نظيرتها الأمريكية الشمالية، وتسبب في تصدع المباني الخشبية وشق العديد من الطرق الأسفلتية.
وكان زلزال الساحل الشرقي لهونشو في اليابان عام 2011 بقوة 9 درجات الأعنف والأحدث. ووقع الزلزال يوم 11 مارس/‏آذار، وولّد موجات تسونامي هائلة أودت بحياة ما يقدر بنحو 29 ألف شخص، وتضررت بعض المفاعلات النووية.
وكان هذا الزلزال هو الأكبر على الإطلاق في اليابان. وظلت هزاته الارتدادية تضرب جزيرة هونشو، وبلغ عددها أكثر من 50 هزة بقوة 6.0 درجات، و3 هزات تزيد قوتها عن 7.0 درجات. وحدث الزلزال على طول الحد الفاصل بين صفيحة المحيط الهادئ وصفيحة أمريكا الشمالية، عندما غاصت إحداهما تحت الأخرى.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"