المجتمع والطبقات

رؤية
13:45 مساء
قراءة 3 دقائق

إذا كان ابن خلدون اعتمد ثنائية الريف والحضر في نظريته الاجتماعية الخاصة بأعمار الدول فإن كارل ماركس اعتمد ثنائية من نوع آخر حيث اعتبر أن العلاقة بين البناء الفوقي والبناء التحتي هي أساس تطور الدول والمجتمعات البشرية، كما اعتبر أن البناء التحتي موصول بالإنتاج المادي أو بالوجود المادي للمجتمعات، فيما رأى أن البناء الفوقي موصول بالأفكار والوعي الاجتماعي للبشر. وكانت فكرة الصراع بين الثنائيات أساساً اعتمده الاثنان، وفي الوقت الذي رأى فيه ابن خلدون أن صراع الحواضر والبوادي يحكم تاريخ الدول فإن ماركس رأى أن صراع الطبقات المستغِلة مع المستغلة هو سبب دينامية تطور المجتمعات البشرية.

اعتمد ماركس نظرية التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية في قراءته للتاريخ البشري، وقد توازى في هذا الباب مع ابن خلدون من حيث النزعة النووية القائلة بأن تاريخ البشرية يجري بصورة حلزونية، فالمجتمعات البشرية بحسب ماركس مرت بخمس مراحل، هذه المراحل الخمس تشكل بمجموعها دائرة مغلقة ستعيد إنتاج نفسها حالما تكتمل، وقد افترض ماركس أن هذه المراحل تشمل ما يلي:

المجتمع المشاعي الأول: الذي كان فيه الإنسان يعيش على الاصطياد وثمار الطبيعة الجاهزة، والذي وصل في مرحلة متقدمة منه إلى ما أسماه التقسيم الاجتماعي للعمل، والمقايضات البسيطة مع تباشير لتمركز النفوذ الأبوي، وسيطرة الأقوياء على موارد الإنتاج.

المجتمع العبودي: الذي شهد ظهور الدولة بوصفها أداة استغلال وهيمنة للطبقة المسيطرة، وقد اتسم الإنتاج في هذا المجتمع بالسخرة المكشوفة واستعباد العامة، كما نشأت النظريات المرشدة لهذا النموذج وخاصة عند أفلاطون الذي قال في جمهوريته الافتراضية بأن المجتمع الفاضل تقوده النخبة الرائية العالمة، ويتحول فيه العامة إلى مصدر لاستيعاب رؤية النخبة وتنفيذ مشاريعها في المجتمع.

لم يكن أفلاطون يدرك أنه بتبريره للظلم سيفتح الباب لثورة العبيد في اسبارتا، وأنه سيمهد لنهاية مجتمع العبودية التاريخي.

المجتمع الإقطاعي: حيث تصل الدولة إلى نقطة متقدمة في الهيمنة معتمدة على الماورائيات والروحانيات، ولعل أوروبا القروسطية أفضل مثال لاستجلاء العلاقة التحالفية بين الإقطاع والكنيسة، وكيف أن الكنيسة لعبت دوراً حاسماً في ترسيخ مظالم النبلاء الإقطاعيين وكبح التطورات العلمية والمعرفية.

والأمثلة في هذا الباب كثيرة، نذكر منها تمثيلا لا حصراً: المفكر الغنوصي جوردانو برونو الذي تم حرقه بالطريقة الإقطاعية الكهنوتية، فقد كانوا يحرقون المفكرين والعلماء بعد ربطهم بأعواد خشبية، وجمع كتبهم، فتبدأ ألسنة اللهب بالتصاعد إلى أن تلتهم جسمه ببطء مريح، إمعاناً في تعذيبه، وإنذاراً لكل من تسوّل له نفسه الخروج عن التعاليم الكنسية.

نذكر أيضاً، وعلى سبيل المثال ايضاً غاليلو غاليليه، وكيف أُرغمَ على إنكار ما وصل إليه من استنتاج حول دوران الأرض وكرويتها، حتى إنه جاهر بالقول: ولكنها لا تدور، فأنقذ نفسه من هلاك محتم.

المجتمع الرأسمالي: وقد جاء عطفاً على انهيار الإقطاع ونشوء البرجوازية فيما لا يتسع له المقال.

وأخيراً وليس آخراً، قدم ماركس نموذج حلمه الألفي المشاعي الجديد في مجتمع الوفرة المثالي حيث يسود شعار من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته، غير أن هذه الأحلام الطوباوية تحطمت في التجارب الاشتراكية التي ازدهرت بعد الحرب العالمية الأولى، ثم تحولت إلى اوليغاركيا حزبية، فكان ما كان في الاتحاد السوفييتي وبلدان أوروبا الشرقية، ولم ينج من المصير الدراماتيكي سوى التجربة الصينية التي تأست بالحكمة الصينية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"