المستشار طارق البشري: إنسانية التشريع الإسلامي أعظم مقومات خلوده

18:41 مساء
قراءة 3 دقائق

يعد التقنين الإسلامي بمصدره ونصه وروحه وتطبيقاته في دنيا الناس، واحداً من أعظم مظاهر حضارة الإسلام وريادته وقدرته على تنظيم المجتمع الإنساني وتحديد الحقوق والواجبات وضبط الأهواء وتحقق العدل بين البشر. والتشريع الإسلامي من هذه الناحية لا يعد فقط تجسيدا لعقيدة إنسانية خالصة، أو لدعوة دينية عالمية، أو لعبادة ربانية تساوي بين الجميع.. ولكنه فوق هذا تنظيم قانوني رائع، يحقق مطالب النفس الإنسانية، وحاجات المجتمع والعمران البشري، ويجسد العدل في رفعته وسموه، ويحقق للناس، كل الناس، الأمان على أنفسهم وأموالهم ومصالحهم.

وعطاءات التشريع الإسلامي الحضارية في الواقع أعظم من أن تحصى، غير أن جوانب العدل الإنساني والإنسانية العالية، هي أبرز ما يميزه.المفكر الإسلامي الدكتور طارق البشري النائب الأسبق لمجلس الدولة المصري وصاحب أكثر من 40 دراسة في مجالات القوانين الإسلامية والوضعية، يؤكد أن هذه السمة الإنسانية العادلة هي أعظم مقومات خلود هذا التشريع وصلاحيته للتطبيق في كل زمان وعلى كل أرض ومكان.

ويقول: القانون الإسلامي في حقيقته تلبية لحاجات نفسية ومادية في المجتمع، واستجابة لتطورات اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية مرت بها البشرية، بمعنى أن التشريع هنا ليس دينا فقط بالمعنى الضيق للدين كما هو موجود في عقول بعض مثقفي الغرب والشرق، ولكنه يوفر احتياجات ماسة للأوضاع والنظم والهياكل الإدارية والمعاملاتية الخاصة والعامة.

التشريع الإسلامي جزء من الجماعة السياسية في أبسط معانيها وهي الناس والأرض والقانون الحاكم، ولهذا كان الحاكم هو المنوط بتطبيق القانون، بعكس الاعتقاد وبعكس العبادة التي هي مسؤولية الضمير الفردي في الأصل.

كما كانت الشريعة محل الاجتهاد والبحث والتجديد في الفكر الإسلامي ومفكريه وفقهائه. فلأنها قانون للناس كانت مصلحة الناس وفهم الناس واجتهاد الناس من لوازم تطبيق الأحكام الشرعية بين الناس، وليس غريبا أن تتأصل بين علماء الشريعة هذه القاعدة المهمة وهي أنه حيث كانت مصلحة الناس فثم شرع الله. وليس غريبا كذلك أن يتضخم الفقه الإسلامي في العقلية القانونية الإسلامية على هذا النحو، ومعروف أن الفقه الإسلامي هو الجانب الاجتهادي الإنساني في فهم نصوص الشريعة، فهو إذن الخبرة التاريخية والرؤية المعاصرة والتجارب الحالية والماضية التي ينبغي استطلاعها والاسترشاد بها في الواقع المعاش.

وإذا كانت القوانين الإسلامية ذات وضع إلهي واضح، فهي كذلك ذات وضع إنساني خالص، فالله خالق كل البشر، والخالق عالم بالبشر وبما يصلحون به: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الْخَبِيرُ. أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ.

ديمقراطية التشريع

إذن فهذا السمت الإلهي للقانون هو في نفس الوقت تأكيد للسمات الإنسانية العامة.

ويوضح المستشار البشري: الشريعة الإسلامية هي جملة ما يتضمنه الإسلام من أصول وقوانين حاكمة للعبادات الدينية والعقيدة الإسلامية، والمعاملات بين البشر، وهي من هذه الزاوية قوانين ثابتة، لا تبتغي مصلحة وطنية ضيقة ولا حكماً عنصرياً طارئاً ولا خدمة أصحاب لغة أو لون أو حزب أو جماعة على حساب الآخرين. ثم هي قوانين مختبرة باجتهاد المفكرين، ومجربة في تجربة إنسانية طويلة بشكل يجعلها قادرة على الاستجابة للتطور الحضاري بشكل رائع وتلبية حاجات نظم الحكم والتقدم العلمي وكذا مقاومة الأجنبي وتحقيق الصالح العام للجماعة الإنسانية.

ولهذا ضمت الشريعة أصولا مرنة عامة كما اتسعت دائرة الإباحة وضاقت دائرة التحريم وتحددت الأصول وتعددت الفروع.

أيضا من الجوانب الإنسانية الواسعة عند تطبيق القوانين الإسلامية أنه يتاح للمواطن العادي أن تبسط أمامه وجهات النظر المتعددة وأن يبين العلماء له الفارق بين الأحكام القطعية والظنية وبين الحرام والحلال والآراء والأحكام بما يحقق نوعا من ديمقراطية التشريع والتقنين. وأن تراعى الأعراف والتقاليد حسب قدرها، وأن تحرك النصوص لتطبق على الواقع في سياق عقدي حضاري شديد السعة والإنسانية والدقة.المحرمات الخمسة

هذه السعة والإنسانية والمرونة والتجرد في الأحكام الشرعية جعلت القانون الإسلامي في حقيقته قانونا إنسانيا شديد الموضوعية والعدالة.. في إجماله وفي تفصيله.يقول المستشار طارق البشري: العدل الإنساني هو أساس الحكم الشرعي، ويظهر هذا في التشريعات القانونية في نصها وتطبيقاتها.

فأبرز مظاهر القانون الإسلامي هي العقوبات التي تحافظ على ما أسماه الفكر الإسلامي بالكليات الخمس، حيث قرر الإسلام القصاص على من قتل عمدا، كما حرم المال وجرم من اعتدى عليه وقرر تطبيق حد السرقة على من يسرق، كما قرر تطبيق عقوبة الزنى على من يزني، وعقوبة القتل على المحارب الذي يروع المجتمع، وحافظ على العرض والعقل فحرم القذف والزنى والخمور والمخدرات وقرر على هذه الجرائم عقوبات متعددة ومتفاوتة.

وكما نرى، فهذه الكليات أو المحرمات الإنسانية الخمسة، يحتاجها كل الناس، وعملت جل الأديان والقوانين والنصوص السياسية الحديثة على صياغتها كما فعلت قوانين حقوق الإنسان في الإعلان العالمي عام 1948.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"