النقد.. عداء دائم للكتابة الشعبوية

03:38 صباحا
قراءة 5 دقائق
 القاهرة: مدحت صفوت

مع اكتساح أدب المراهقين أو الناشئة في العالم بأسره مع نهاية التسعينات من القرن الماضي، وذيوع سلسلة «هاري بوتر» للكاتبة البريطانية «ج. ك. رولنج»، يتساءل عدد من الدارسين العرب: هل لدينا أدب مراهقين حقاً؟.

من المؤكد أن الأدب العربي ـ كما سنبين ـ يزخر بكتابات الناشئة، وإن ظل الخلاف على التسمية قائماً، وهي إشكالية لا يعرفها الأدب الغربي نسبياً، ففي الوقت الذي استقرت فيه الدراسات الغربية على تسمية الكتابات الخيالية الموجهة للقراء من عمر 14 عاماً حتى الـ18 بـYoung adult fiction، أو Teen fiction، ثمة صراع نقدي عربي على التسمية بين أدب الناشئة أو روايات المراهقين أو روايات للفتيان؛ روايات الشباب وغيرها من التسميات التي تدور في الإطار العمري للمتلقين، مع ملاحظة نفور عربي من قِبل بعض المؤلفين والكتاب من وصف كتاباتهم بـ«أدب الناشئة».

وفي عام 2019، حل كتاب «اثنان يستطيعان الحفاظ على السر» للمؤلفة الأمريكية كارين إم ماكمانوس، كأكثر الكتب مبيعاً في قائمة نيويورك لأدب الناشئة، بعد أن ظل كتابها «واحد منا يكذب» 93 أسبوعاً على قائمة نيويورك تايمز للأكثر مبيعاً، إلى جانب كتاب الأمريكية سارة غلين مارش «أغنية الموتى» الذي يتناول عالماً مملوءاً بالتنانين والسحر والأرواح الخفية.

وعربياً، تلقى ظاهرة أدب الناشئة رواجاً كبيراً خاصة في السنوات الأخيرة، واشتهرت في مصر أسماء مثل حسن الجندي وأحمد يونس، وقبلهما بالطبع الراحل أحمد خالد توفيق، وتخصصت بعض دور النشر في الاهتمام بكتابات المراهقين، مثل دور «تويا» و«دون» و«نون».

ولتفسير انتشار أي ظاهرة ثقافية أو فنية، فإن مردها لسبب واحد، هو اتجاه غير علمي لتفسير الظواهر، حيث يشدد التفكير العلمي على عدم وجود سبب أحادي «وحيد» لأي ظاهرة، فأي حدث/حادثة تتسبب فيها جملة من العوامل المتداخلة داخل سياق معين ومرتهن بشروط محددة، اجتماعياً.

أعمال «لايت»

وخلال ثلاثين عاماً الأخيرة، راجت روايات الجريمة، خاصة كتابات نبيل فاروق في سلسلة «رجل المستحيل»، عندما أصدر العدد الأول عام 1984 ليشهد على ولادة نوع جديد من الكتابة العربية تزامناً مع تحولات اقتصادية واجتماعية في مصر بدأت عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، عندما دشن الرئيس الراحل أنور السادات سياسات الانفتاح، وما تبعه من سياسات اقتصادية (سياسة التكيف الهيكلي)، والتوجه نحو اقتصاديات السوق الحر؛ الأمر الذي أنتج قيماً اجتماعية مختلفة، كرّست لثقافة الاستهلاك، ومثلما أصبحت السلع الغذائية «تيك أواي»، تطلب الأمر تغييراً لتصبح الأعمال الأدبية «لايت»، وسريعة التناول.

وفي أوائل التسعينات ومع ذروة التحولات الاقتصادية، بتطبيق صارم لسياسات التكيف الهيكلي 1993، ظهر اسم أحمد خالد توفيق، وكتاباته التي أشير إليها بوصفها «أدب رعب»، وهي نتاج المجتمع الاستهلاكي وتنظيماته الاجتماعية التي جعلت من الجريمة أمراً معقداً.

ولأن الواقع الاجتماعي لم يتغير كثيراً، عقب أحداث يناير/كانون الثاني 2011 فلا تزال القيم المجتمعية والأنماط السيسيوثقافية الحاكمة ذاتها قائمة.

ومع انتشار نزعات ما بعد الحداثة، وإسقاط كتاب الرواية لعنصر التشويق، بوصفه عنصراً كلاسيكياً، بات القارئ العام التقليدي لاهثاً وراء الأعمال التشويقية والمثيرة، التي تمتلئ بالألغاز والأسئلة التي يسعى إلى فكها طوال الأحداث، وتأتي نهاياتها كاسرة لأفق توقعه، ما يسبب حالة الدهشة التي رأى قطاع عريض من القراء افتقادها في الروايات «غير البوليسية».

وهنا استفاد كتاب روايات الجريمة من التقنيات السينمائية وأفلام هوليود؛ بل وصل الأمر إلى نقل حرفي لعدد من أفلام السينما الأمريكية، ونظراً لتراجع مستويات النصوص الأدبية خلال مراحل التعليم، والتكريس لمستوى أولي بدائي من الأدب والكتابة الأدبية، أقرب إلى لغة الصحافة من الأدب، ما أبعد كثيرين عن الأعمال الأدبية المكتوبة بلغة تنتمي إلى مستوى بلاغي ودلالي مختلف عن الذائقة «الشعبوية»، وتماست الكتابات البوليسية مع المخيلة العامة للغة الأدب.

البدايات

زمنياً، يرتبط تاريخ أدب الناشئين أو المراهقين بتاريخ إدراك الطفولة والشباب، وحسب الكتابات الغربية تعد البريطانية سارة تريمر (1741- 1810) من أوائل الكتاب الذين شرعوا في كتابة هذا اللون، ونشرت كتاباتها في دورية The Guardian of Education، وحددت كتاباتها أنها موجهة للبالغين من سن 14 حتى 21 عاماً، قبل أن يحل القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين بكتاب غربيين قدموا كتابات المراهقين التي استقطبت القراء الشباب مثل لويس كارول، وروبرت لويس ستيفنسون، ومارك توين، وفرانسيس هودجسون بورنيت، وإديث نسبيت، وجيه إم باري، وفرانك باوم، وأستريد ليندجرين، وإينيد بليتون، وسي إس لويس.

وفي الخمسينات من القرن العشرين، برزت روايتان اكتسبتا انتشاراً واسعاً هما «الحارس في حقل الشوفان» للأمريكي جيروم ديفيد سالينجر التي صدرت 1951، و«أمير الذباب» للبريطاني الحائز جائزة نوبل ويليام جولدنج 1954، وجرى تسويقهما في قطاعات القراء المراهقين؛ إذ ناقشت الثانية كيفية فشل الثقافة التي أنشأها الإنسان، وذلك باستخدام مثال على ذلك مجموعة من الصبية البريطانيين الذين يعلقون على جزيرة مهجورة ويحاولون أن يحكموا أنفسهم، ولكن تحدث نتائج كارثية، بينما عالجت الأولى اليأس والعزلة خلال مرحلة المراهقة.

الغرباء في أمريكا

في الستينات بدأ التنظير النقدي لأدب الناشئة في الأكاديميات الغربية، والاهتمام بجنس أدبي لاقى رواجاً واسعاً، ويمكن القول إن كتابات الأمريكية «إس. إي. هينتون» المولودة في 1948، خاصة مع روايتها «الغرباء» 1967، التي كتبتها في السادسة عشرة من عمرها، ويعدها الأمريكيون أول رواية كتبت خصيصاً للمراهقين، خاصة مع افتقار «الغرباء» إلى النبرة النوستاليجية الشائعة في الكتب حول المراهقين التي كتبها البالغون، لتحتل الرواية المرتبة الأولى في قوائم الأكثر مبيعاً على الإطلاق، فيما يعد بعض النقاد رواية «الصيف السابع عشر» 1942 للكاتبة مورين دالي أول كتاب يكتب وينشر صراحة للمراهقين. وفي مقالة كتبها الروائي والكاتب الأمريكي ديل بيك، بعنوان «الغرباء بعد 40 عاماً»، وصف الرواية بـ«مينفستو أدب المراهقين» نجحت من خلالها هينتون في تغيير الطريقة التي يقرأ بها المراهقون، وقدمت لهم قصصاً تعكس واقعهم، وتلقى قبولًا بينهم، مما زاد من المناقشات النظرية حول أدب المراهقين وما يطرح من رؤى جديدة وتقنيات غير معتادة من كتاب الأدب.

هنا بدأ الناشرون في التركيز على سوق المراهقين الناشئين، وخصص باعة الكتب وأرباب المكتبات أرففاً وأقساماً خاصة للمراهقين، وميزوها عن أدب الأطفال وروايات الكبار. ويمكن القول إن السبعينات ومنتصف الثمانينات هي العصر الذهبي لكتابات أدب المراهقين.

ومنذ حوالي عام 2017، أصبحت القضايا المتعلقة بالتنوع والحساسية في كتابات الناشئة المكتوبة باللغة الإنجليزية مثيرة للجدل على نحو مطرد، وكثيراً ما يُنتقد المؤلفون بمن فيهم أولئك الذين ينتمون إلى أقليات، بسبب العنصرية الممارسة على تجارب الأقليات والعرقيات المهاجرة.

قبل ذلك وبعيداً عن موضوعات الأشباح والعفاريت والعوالم الخفية، اهتمت الأمريكية مادلين لينجل بقضايا الإيمان في رواياتها الموجهة للمراهقين، وتكاد تكون الكاتبة المعاصرة الوحيدة التي تعاملت مع الإيمان بوصفه موضوعاً روائياً للناشئة، مستندة إلى اعتقادها بأنه «إذا كان الفن سيئاً، فالإيمان سيء أيضاً بغض النظر عن الموضوع».

إذن أصبحت أسماء مثل سارة ديسن، وستيفن تشبوسكي ولوري هالس أندرسون طليعة المؤلفين للمراهقين، واتبعهم كثيرون حتى الألفية الجديدة؛ إذ بدأت مع الكاتبة سوزان كولينز موجة الكتابات الدستوبية Dystopia؛ أي أدب المدينة الفاسدة التي ما زلنا نعاصرها حتى اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"