الهدايا سفيرة القلوب

12:13 مساء
قراءة 13 دقيقة

تبادل الهدايا سلوك راقٍ منذ القدم وحثّ عليه الإسلام باعتباره سبيلاً إلى التحاب بين المتهادين، ولمس الناس هذه الحقيقة وأصبحوا على يقين أن الهدية تلخص كثيراً من المشاعر ويعبر أبسطها عما في القلوب تجاه الأهل والأقارب والأصدقاء والزملاء، ومع التطور أصبح عالم الهدايا متسعاً وينتعش في مناسبات كثيرة قديمة ومستحدثة، ولا يقتصر تبادلها على الأفراد بل يمتد إلى الدول والزعماء وفي ذلك طرائف كثيرة.. ورغم أهمية الهدية فقد تترك في نفوس البعض ألماً حينما يتلقاها أعزاؤهم باستخفاف.

تبادلها بلا غرض يقوي الروابط الإنسانية

الهدايا كلمات محبة مغلفة

التهادي من السلوكيات الدينية والاجتماعية المهمة التي يحرص كثيرون عليها فتجدهم يتبادلون الهدايا في الأعياد والمناسبات المختلفة، والهدف الأهم من ذلك هو مد جسور المحبة بين المتهادين وإن كان الأمر لا يخلو من أغراض أخرى في بعض الحالات، وفي العموم تبقى الهدايا، أيا كان ثمنها، تلخيصاً لمعانٍ كثيرة تسود بين المتهادين سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو زملاء، وأبرز هذه المعاني أن الهدية عنوان للمحبة بأشكالها المختلفة.

تقول أسماء موسى (باحثة اجتماعية) ان هناك هدايا تقدم في غير المناسبات المعروفة ومنها هدية المحبة والمودة، التي يقصد بها تثبيت الصحبة وتأكيد الأخوة، وحسن العشرة والمروءة بين الناس، وهذا النوع من الهدية قد يكون من الأعلى للأدنى، أو من الكبير للصغير، أو من المعلم للتلميذ، فإذا كانت من الأعلى إلى الأدنى صار فيها شيء من معنى الصدقة، بخلاف ما إذا كانت من الأدنى إلى الأعلى؛ لأنها تكون أبعد عن ذلك. وقد تكون الهدية من باب الصلة والبر إذا كانت بين الأهل والأقارب، وقد تكون من باب التحبب والتقرب إلى الله، كالهدايا التي تقدم للعلماء والصالحين. وقد يقصد بالهدية التوسعة إذا كانت من الغني للفقير، وقد يُقصد بها تأليف القلوب، كأن يعطيها الإنسان لمن بينه وبينه عداوة؛ وقد تكون الهدية لتأكيد الصحبة والمحبة، إذا كانت بين الإخوان والأصحاب، وقد تكون هدية تشجيع كما إذا أعطى المدرس هدية لطالب نجيب عنده، أو يحفظ القرآن، أو يستذكر دروسه، وتشير الى أن الهدية لها عدة معانٍ جميلة ينبغي الالتفات لكل معنى منها، وقد تكون الهدية في مناسبة كالعيدين، أو مناسبة دينية أو اجتماعية موافقة للشرع مثل هدية زواج، أو ولادة، أو ختان، أو إلى المريض، أو بعد الشفاء، أو للنجاح، أو للترقية، أو للمسافر، أو للعائد من السفر.

ويقول عادل عبد الباقي محمد احمد (موظف) إن الهدية إحدى أهم وسائل التواصل والمحبة والود والتقدير بين الناس لما لها من قدرة على التعبير عما تحمله مشاعر المهدي إلى المهدي إليه، هذا بجانب الابتسامة والكلمة الطيبة التي تكمل الصورة التي تزدان بها العلاقات الانسانية، وتنمو معها اواصر المحبة والترابط الاجتماعي.

وإذا كان هذا يحدث من اقرب الناس الى الانسان كالزوج الى زوجته أو العكس، أو الابن أو الابنة للوالدين أو العكس، أو من الزميل أو الصديق، فهذا يعطي الهدية قيمة نفسية كبيرة لدى الشخص المهداة اليه ويعمق اواصر المحبة لأن قيمة الهدية ليس بثمنها المادي، انما هي في قدرتها على التعبير عن المشاعر الانسانية لأن الانسان يحتاج دائما الى الدعم النفسي المستمر من المحيطين به والاقارب في صورة مختلفة من صور التهادي. ويرى أن يمكن زيارة المريض ولو بدون هدية أثر الزيارة النفسي يكون كبيرا على من زرته وربما عجلت بشفائه في خطاب المعايدة هو اهداء وكذلك الرسائل الهاتفية، مؤكداً أننا إن أردنا أن نؤدي الواجب ونتواصل فلن نعدم الوسيلة وأن الاهداء الطيب يزيد الوصال، ويكسب المهدى اليه متعة نفسية، يسعد لإحساسه بأنة قادر على العطاء.

وتقول ابتسام عمر عثمان (ربة بيت): الهدية الآن أصبحت من المظاهر الاجتماعية التي يشوبها بعض الزيف والتملق لكنها في السابق كانت من القلب وكانت الوردة تعتبر من اجمل الهدايا وأغلاها، ولكن الآن أصبح هناك مبالغة وتكلف في التهادي الامر الذي افرغ الهدية من معناها ونعلم أن الهدية كلما كانت بسيطة كانت معبرة اكثر لأن الهدف منها ليس المادية بل المعنوية وتحقيق والترابط والتواصل ما بين الافراد والجماعات والأسر.

البهجة مختار (موظفة) تحب ان تشتري الهدية بنفسها وعلى ذوقها الخاص، لانها في نظرها ستعبر عنها عند من ستقدمها إليه، وبالتالي يجب ان تختار شيئا مميزا يعكس شخصيتها، وتوضح ان تغليف الهدية يعتبر أهم منها فهو يعطي قيمة اكبر لها.

يقول طوني سايمون (متعهد هدايا ): تظل الهدية مهما اختلفت اشكالها وتنوعت صورها رمزاً من رموز التقدير والامتنان، ومع التطور كان لابد لعالم الهدايا البسيط، ان يتطور ليواكب العصر الحديث، حيث تنوعت المناسبات كأعياد الحب، والأم، والاب، واختلفت مناسبات الهدايا، فمن هدية للتهنئة برمضان وأخرى بمناسبة شراء السيارة الجديدة، والمنزل الجديد والمواليد، وحتى المهور أصبح لها طريقة خاصة في التقديم لتصبح كالهدية. ومع كثرة المناسبات التي يحتار امامها الناس تلعب محلات الهدايا والتغليف دورا كبيرا في مواجهة الطلب المتزايد على الهدية، بل تطور الامر الى الاعتناء بالتغليف الذي يحول الهدية البسطية الى اخرى راقية شكلها اغلى بكثير من سعرها الحقيقي وهذا ما تقوم به معظم محلات الهدايا وتغليفها والخدمة تتفاوت اسعارها من محل إلى آخر وحسب نوعية الخامات المستخدمة في التغليف.

نصائح الكترونية

يوجد العديد من المواقع الالكترونية الارشادية لمن يقف حائرا امام أنواع الهدايا المتوافرة في الأسواق ويتساءل: ماذا سأختار من بين هذا الخضم الهائل. وأحد هذه المواقع هو www.givingcenter.com الذي يؤكد أن البداية بأن نفكر في طبيعة الشخص الذي سنقدم له الهدية ونحاول أن نستشف الطريقة التي يفكر بها. ولكي نقوم بذلك يجب أن نسأل أنفسنا بعض الأسئلة عن هوايات ذلك الشخص، والأشياء التي يفضلها والمواضيع التي يركز عليها أثناء الحديث وثم اختيار الهدية. وإذا كنت ممن لا يجدون في التسوق متعة أو لا تمتلك الوقت الكافي، أو لا تحب التجول في الأسواق يمكنك شراء الهدايا وتقديمها لمن تحب وأنت جالس في بيتك أو مكتبك من أمام شاشة الكمبيوتر، وذلك عن طريق المواقع العديدة التي تقدم خدمة البيع المباشر عن طريق الانترنت وحتما ستجد ما يروق لك فيها وستصل الهدية إلى المتلقي في الوقت المحدد ومنها هذا الموقع وعنوانه: www.redenvelope.com .

لها طقوس وبر وتوكولا ت خاصة بين الزعماء

هدية بوش لبلير معجون أسنان

هدايا الرؤساء لها طقوس وبروتوكلات خاصة منها سيفان، أحدهما مهدى من الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين والآخر من الملك جورج السادس من بريطانيا وحافظة من امبراطور اثيوبيا الراحل هيلا سلاسي تتصدر مجموعة من الهدايا التي تلقاها زعماء الاتحاد السوفييتي خلال فترة الحرب الباردة والتي يقيم متحف الكرملين معرضا لها في موسكو.

يضم المعرض مجموعة نادرة من الهدايا التي تلقاها زعماء الاتحاد السوفييتي، منها مصباح مصنوع من بقايا حيوان الارماديلو مهدى الى ستالين عام 1949 من مواطن برازيلي، ولوحة للينين مصنوعة من الشعر الطبيعي واوراق التبغ، ولوحة مصنوعة من السكر أهديت الى ليونيد بريجنيف بمناسبة عيد ميلاده السبعين مقدمة من عمال السكر الاوكرانيين ولوحة مرسومة للينين بحبات العدس من الهند. ومن الهدايا التي تلقاها بريجينيف ايضا عام 1973 بمناسبة عيد ميلاده السابع والستين علبة سجائر محفور عليها نماذج لرؤوس نووية.

وبعض الهدايا المعروضة قدمت من أشخاص عاديين الى جانب تلك المقدمة من رؤساء الدول فمن المعروف انه تحت رئاسة العم جو (اسم شهرة عرف به ستالين) كان المواطنون يحصلون على الحظوة اما بالوشاية بالآخرين أو بإرسال الهدايا الى الرؤساء.

ويعامل الوزراء في بريطانيا مثلهم مثل بقية المسافرين فمن حقهم ادخال ما قيمته 145 جنيها استرلينيا من دون الحاجة لدفع الضرائب عليها وكذلك الحال بالنسبة للمشتريات من دول الاتحاد الاوروبي وبالنسبة لمشترياتهم من دول خارج الاتحاد فإن عليهم تسديد ضريبة مقدارها 17،5%.

وينص القانون البريطاني على ان الهدايا المقدمة لرئيس الوزراء تكون ملكا للحكومة وتظل في مقر رئيس الوزراء في داونينغ ستريت. وتحفل الغرفة الخلفية في داونينغ ستريت بهدايا مثل بعض القطع الاثرية التي اهديت لبلير من حكومة اسرائيل وآلة جيتار مهداة من الرئيس المكسيكي، هناك ايضا كاميرا ثمنها 275 جنيها من رئيس الوزراء الياباني ومضربا تنس ثمنهما 267 جنيها هدية من شركة ادوات رياضية وساعتا يد من الحكومة البريطانية وقيمة كل منهما 350 جنيها وقلم مهدى من الرئيس الفرنسي قيمته 500 جنيه وطقم اكواب للشاي مهدى من الرئيس الروسي بوتين قيمته 300 جنيه بالإضافة الى هدايا اخرى.

والقوانين في الولايات المتحدة الامريكية تسمح للرئيس الامريكي بقبول ما شاء له من الهدايا من مواطنيه وتمكنه من الاحتفاظ بالهدايا التي لا يزيد سعرها على 305 دولارات وأما ما زاد سعره عن ذلك فيعود للحكومة. وتصدر قائمة سنوية بالهدايا التي يتلقاها الرئيس الامريكي ونائبه وأوضحت إحدى القوائم ان بوش حصل على هدايا قدرت ب 17 316 دولارا وحصل نائب الرئيس على هدايا اكثر قيمة فقدرت قيمة ال20 هدية التي تلقاها تشيني ب 39722 دولارا. وتحتوي قائمة الهدايا التي تلقاها الرئيس بوش على مشغل موسيقي أي.بود أهدي إليه من مغني الروك بونو ودراجة جبلية وحذاء رياضي بثمن 515 دولارا من شركة نايكي.

أما نائب الرئيس فيبدو انه ذو ميول فنية فمعظم الهدايا التي تلقاها عبارة عن لوحات زيتية أو تماثيل وهو معروف بحبه للصيد فاحتوت قائمته على بندقية سعرها 1000 دولار ومسدس ب 6 آلاف دولار.

ومن اغرب الهدايا معجون اسنان اهداه الرئيس الامريكي جورج بوش إلى توني بلير وتساءلت الصحف البريطانية ساخرة لماذا يتذكر بوش دائما بلير في الحمام؟ وهدية من الرئيس الكوري الشمالي إلى نظيره الجنوبي عبارة عن كلبين اسمهما الوحدة، واغرب هدية في التاريخ هي أذن الفنان العالمي فان جوخ التي قطعها وأهداها إلى حبيبته عندما أعربت عن اعجابها بها.

بعضهم يتلقاها بلا كلمة شكراً ونظرة امتنان

الاستهانة بهدايا المحبين جرح كبير

إذا كان مقدم الهدية يأمل في أن تترجم مشاعره لمن يهديها إليه فمن الطبيعي أن يكون تجاهلها أو تلقيها باستخفاف مدعاة لألم المهدي بل وصدمته من رد الفعل. وهذا يحدث في بعض الحالات وقد يفاجأ أحدنا بأن هديته كأن لم تقدم حين لا يلمح من الطرف الآخر حتى كلمة شكر أو نظرة امتنان. واذا كان البعض يتغاضى عن الأمر طمعاً في استمرار المحبة فإن هناك من يمثل له جرحاً يعيش طويلاً وربما لا يندمل.

يقول سلمان سعدون (باحث اجتماعي وشاعر) ان الهدية ينظر لها من زاوية الشخص صاحب الاهداء ومكانته عندك والهدية ان كانت أخوية بعيدا عن الانتهازية والمصالح الخاصة فإنها مدعاة للمحبة وتقريب المشاعر، ويشير إلى ان رفض الهدية قد يصيب المهدي بالصدمة والألم خصوصا اذا كان المهدى اليه صاحب مكانة وعلاقة طيبة معه موضحاً أنه مر بتجربة مؤلمة من هذا النوع عندما اهدى الفنانة ماجدة الرومي ثلاث قصائد قبيل حرب تموز في لبنان تجاهلتها.

عبد الخالق حفيظ (موظف بالنيابة العامة بدبي) يتأسف لما وصل إليه حال الناس في التهادي والهدايا واهمال الهدايا في الاعياد الدينية وتركيز اهتماهم على المناسبات فصار التهادي مقصوراً عليها وبعض الاهداءات التكريمية وهو الامر الذي افرغ الهدية من مغزاها الاجتماعي الديني ويقول: علينا الاقتداء بهدي رسولنا الكريم تهادوا تحابوا بأن نجعل الهدية مدخلا لقلوب بعضنا البعض بعيدا عن الغرض والمصالح الخاصة حتى لا تكون الهدية في مقام الرشوة.

ويؤكد انه رغم مسؤولياته يحرص على التهادي مع من يحب من اهله واصدقائه وزملاء العمل بهدف ما يسميه تحريك المشاعر من مكامنها نحو بعضنا بعضاً لأن المشاعر مثل البركة الصافية ان لم تحرك فإنها تصاب بالركود حسب قوله.

واكد انه لا ينتظر مقابلاً أو رد الهدايا التي يهديها لكنه يتألم ان تم تجاهل أي منها ويسعد كثيرا بالتجاوب معها ولو بكلمة رقيقة وليس بالضرورة ان يكون رد الهدية بمثلها، والتعامل بسلبية مع الهدية المرسلة يسبب له الألم لكنه لا يثنيه عن التهادي لانه يرى فيه واجباً دينياً وتواصلاً اجتماعياً وصلة رحم عندما تكون الهدية لأحد المقربين.

وتقول منى جابر (موظفة): الهدية هي مفتاح القلوب وتقرب البعيد وتلطف العلائق الاجتماعية وتجعل الحياة طبيعية خالية من التشاحن، ولا يشترط ان تكون الهدية باهظة الثمن فيمكن ان يكون لباقة ورد منتقاة بعناية من حديقتك المنزلية مفعول السحر ونتائج ايجابية افضل من هدية غالية لدي اصحاب القلوب المرهفة، لذا اختيار الهدية المناسبة هو احدى الوسائل في ان تحقق هدفها المنشود لانه يمكن لهدية خاطئة ان تأتي بنتائج عكسية وتتسبب في ازمات اجتماعية كشخص يقوم بإهداء فتاة وردة حمراء وهو لا تربطه بها علاقة حميمة. وتضيف انها لم يسبق لها ان اتخذت موقفا سلبيا من صديق أو صديقة أو زميل أو قريب بسبب هدية ارسلها لها، فهي تتقبل الهدايا بروح طيبة ولا تعاتب من يتجاهلون هداياها رغم أن هذا يؤلمها لكن ما تكنه من حب لهم يجعلها تغفر.

وتعتبر عوشة يوسف المهيري (جمعية الرواق الخيرية) أن اسوأ موقف في حياتها ولا تنساه ابدا كان عندما ردت لها أعز صديقاتها هدية ارسلتها لها بمناسبة عيد ميلادها وكانت ساعة مرصعة بالالماس، والمؤلم في الموقف انها ردت الهدية في نفس الليلة ولم تنتظر حتى صبيحة اليوم التالي وكانت صدمة قاسية انتظرت طويلا لأتعافى منها لكن ذكراها المؤلمة ستظل عالقة بذاكرتي مدي الحياة.

رغم الصدمة، التي سببتها لها صديقتها الا انها مازالت حريصة على ارسال الهدايا إلى صديقاتها واهلها في جميع مناسباتهم السعيدة وتتقبل الهدايا وتتعامل معها باهتمام وتشكر كل من تقدم لها بهدية وتحرص على ردها له في اقرب مناسبة.

وتشير شمة يوسف حسين (طالبة) الى أهمية الهدايا والتهادي في الحياة وأنها تحرص على التعبير عن مشاعرها تجاه من تحب عبر الهدية وبالذات الوالد والوالدة في مختلف المناسبات السعيدة وتكون في قمة السعادة عندما تتلقى هدية من احدهما خصوصا هدايا النجاح التي تعطيها دافعاً لمزيد من النجاح والتميز.

ومن المواقف المؤلمة التي لا تنساها أنها أهدت زميلة عزيزة لها هدية بمناسبة نجاحها تشجيعا لها لكنها تعاملت مع الهدية بأسلوب جاف وجارح الأمر الذي جعلها توقف التهادي معها لكن ذلك لم يغير رأيها في مفهوم الهدية والتهادي كاسلوب راقٍ للتعامل مع الزملاء والاصدقاء.

رد الهدية بأغلى منها من أسس التبادل

سلوك إنساني قديم

يقول محمد الدهان (صاحب محل للتحف والاكسسوارات): الهدية تقدم بوصفها رمزاً أو وسيلة للتعبير عن الحب والمشاعر الإنسانية الصادقة التي نكنها لأشخاص يحتلون في قلوبنا مكانة عظيمة، وليس المهم أن تكون الهدية غالية لكي تكون مؤثرة ولكنها تعطي صورة عن مدى تقديرنا لمن سنقدمها له. من منا لا يحب أن يتلقى هدية في مناسبة ما. وما يوازي ذلك الشعور ابتسامة رضا وكلمة استحسان من شخص نالت إعجابه الهدية التي قدمت له ويقتضي أسلوب الهدايا الملزمة أن تجري المبادلات في صورة هدايا تقدمها الجماعات والأفراد بعضهم إلى بعض في مناسبات معينة كثيرة الحدوث والتكرار: مثل (الولادة، والزواج، والختان، والأعياد الدينية وعلى المهدى إليهم أن يردوا إلى المهدين في مناسبة أخرى هدية تزيد قيمتها غالباً عما قبلوه منهم.

ويضيف عثر علماء الإتنوجرافيا دراسة النظم الإنسانية البدائية على هذا النظام في أوضح صورة عند كثير من عشائر الهنود الحمر، وعند السكان الأصليين لاستراليا وبولينزيا وميلانزيا، وعند كثير من زنوج إفريقيا الوسطى ويرجح أنه كان النظام السائد في التبادل عند مختلف الشعوب في العصور الإنسانية الأولى.

ويشير إلى أن نظام الهدايا الملزمة في شكله القديم لا تزال آثاره باقية في كثير من معاملاتنا الاجتماعية في تقديم الهدايا في الأعياد وفي مناسبات الزواج والولادة والختان، موضحاً أن سكان المناطق الزراعية في كثير من البلاد اعتادوا إهداء شيء من نتاج أرضهم وحيوانهم في مواسم الحصاد لجيرانهم وأفراد العشائر المتصلة بعشيرتهم، بالاضافة إلى مآدب الطعام التي نقيمها في مختلف المناسبات وندعو إليها الأقرباء والأصدقاء، وحرص المهدى إليهم أو المدعوين أن يردوا إلى المهدين أو الداعين في مناسبات أخرى أحسن مما أهدي لهم أو قدم إليهم... كل ذلك وما إليه بقايا ورواسب خلفها نظام الهدايا الملزمة، وصور صادقة لأساليب الحياة الاقتصادية لآبائنا الأولين.

ويقول من معاني الهدايا اذا ارسل الشاب الى خطيبته باقة من الورد فإن هذه الهدية هي رسالة صامتة يرجوها فيها ان تقبل هداياه المقبلة وعلى الخطيبة ان تنتهز اول لقاء وتشكره وتكرر الشكر حتى يعرف انها وافقت على ان يبعث اليها بهداياه والخطيب الذي يهدي خطيبته علبة من الحلوى بعد اول لقاء لهما فانه يريد ان يعبر عن اعجابه بحديثها الرائع. والرجل الذي يهدي حبيبته حقيبة يد فإنه يريد ان يقول ان فترة حياتهما حافلة بالذكريات اللذيذة وهو يريد منها ان تحتفظ بها في هذه الحقيبة بعيدا عن عيون الناس.

والزوج الذي يهدي زوجته سواراً فإنه يريد ان يقول لها ان حبهما لن ينفصم بعد ان قيده بهذا القيد الذهبي. واذا أهدى زوجته دمية فهذا معناه أنه يريد أطفالا واذا أهداها هاتفاً نقالاً فيعني أنه يريد أن يصل اليها ويعرف مكانها كل لحظة.

لا تكفي من دون الكلمة الطيبة

يوضح الدكتور محمد رمضان رئيس قسم علم النفس بأكاديمية شرطة دبي أنه لكي تصل إلى الآخر لابد ان تظهر مشاعر العطف تجاهه لأن الحب والود والعلائق الطيبة لا تأتي صدفة بل هي مجموعة صفات تلعب فيها الهدية دورا كبيرا فهي رسالة رقيقة تحمل بين طياتها كثيراً من معاني الألفة وتساعد على تعميق الروابط الاجتماعية بين الأهل والأصدقاء. ويقول: عني ديننا الحنيف بالعلاقات الأسرية والاجتماعية وأولاها اهتماما كبيرا وأكد عليها المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال: تهادوا تحابوا. فإذا أردت أن تشعر المحيطين بك بمدى اهتمامك بهم فقدم لهم هدية بسيطة فهي أبلغ تعبير عن ما تكنه لهم من مشاعر ود وحب وعطف.

والهدية ليست في كل الاحوال عينية وغالية الثمن بل يمكن ان تكون كلمة طيبة أو تسامحاً عن موقف خاطئ أو سداد دين فشل صديقك أو أخوك في سداده، لأن الهدية من دون الكلمة الطيبة والمشاعر النبيلة لا تكفي ولا تأثير لها، هذا فضلا عن أهمية التعامل بإيجابية مع الهدية من الطرف الآخر بالعطاء والاهتمام بمن قدم لك هدية ان تهديه في اقرب مناسبة لأن من يعطي دائما يمل العطاء خصوصا ما بين الزوجين لأن الزوج الذي يظل يحرص على تقديم الهدايا لزوجته في كل المناسبات ولا تبادله زوجته الهدايا فإنه سيمل ويوقف تقديم الهدايا لانه هو الآخر يحتاج إلى من يبادله العطاء والحب والمشاعر والعطف والهدية ليست مادية بقدر ما هي مشاعر تترجمها الهدية وهدية الزوجة لزوجها مهما كانت بسيطة فإنها تعني له الكثير وتقربه منها، لكن للاسف هناك بعض الزوجات يعتقدن ان هدايا الزوج جزء من واجبه في الصرف على البيت وتستقبل الهدية كما تستقبل الاغراض المنزلية العادية وهذا الامر يصيب العلاقة بين الزوجين بالجفاف والبرود وربما يتسبب في خلافات تؤدي إلى فراقهما.

ويضيف ان الهدايا للوالدين من أعظم الهدايا؛ لأن بر الوالدين واجب، ويتقرب الإنسان إلى الله بالهدية للوالدين أكثر من غيرهما، أما هدية الوالدين للأبناء فإنها تحفز الابناء على العطاء والتميز كمكافات لنجاح مثلا، لذا لا يجوز للأبوين أن يفضلا أحد الأولاد أو بعض الأولاد على بعض، الا في بعض الحالات الاستثنائية كأن يكون أعطاه هبةً لفقره أو لأنه تزوج، أو لأنه مريض يحتاج إلى علاج، أو لأنه نجح في الدراسة ولم ينجح بقية إخوانه، أو لأنه حفظ سورة لم يحفظها بقية إخوانه، لأن التفرقة والتميز بين الاخوة يترتب عليها آثار نفسية ضارة يمكن ان تفسد العلاقة بينهم والعدالة والمساواة في تقديم الهدايا حتى لو كانت كلمات اطراء عابرة فإن مردودها النفسي لدى الابناء يكون ايجابياً وطيباً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"