الوشم..مرض أم هروب من الواقع؟

03:10 صباحا
قراءة 3 دقائق
بيروت: «الخليج»
رنه جوني

لم يترك علي قانصو مكاناً في جسده إلا ورسم عليه وشماً، حتى تحول جسده إلى ما يشبه لوحة طلاسم يصعب فك شيفرتها، ويرفض علي توصيف الوشم بأنه «حالة مرضية»؛ بل يعتبره موضة ومزاجاً وفناً، رغم أن أغلب الرسومات تدل على الغضب والعنف، إلا أنه يراها «تعبيراً عن فن راقٍ» وبرأيه «الوشم لم يكن يوماً مرضاً نفسياً، إنما فن يعبر عن حالة صاحبه».
تغيرت أنماط التفكير عند الشباب، فقد بات كل منهم يبتكر أسلوبه الخاص. هناك من يعبّر عبر صفحات التواصل وهناك من يدون ملاحظاته على «واتس أب»، لكن علي يرسم أفكاره على جسده ويعتبر ذلك ثقافة متحررة بلا قيود، و«تعبير شخصي لا شأن للآخر به، وإن كان لكل منا رأيه».
بين رسوم غريبة وطلاسم يصعب فهمها، تحولت أجساد عدد من الشباب إلى لوحات بالأبيض والأسود تعبر عن حالات أصحابها. هنا ترى صقراً، وعلى جسد آخر دراكولا أو وشماً اشتهر به فنان أجنبي، وهكذا دواليك من رسوم تحولت عند محمد أو «السوكري» كما يلقب، إلى مهنة تعلّمها هرباً من البطالة.
محمد ابن الـ 23 ربيعاً، الذي هجر المدرسة في سن مبكرة وتقلب في الكثير من الأعمال، قرر مؤخراً أن يشهر السيف في وجه البطالة ويعمل في دق الوشم «مهنة مربحة» وفق قوله. غالبية الشباب يرغبون في طباعة الوشوم على صدورهم وأكتافهم وحتى الرقبة. قديماً كان الوشم بسيطاً كناية عن صورة أو كلمة تعبّر عن علاقة حب، أو خسارة أحد الأشخاص ليبقى محفوراً في ذاكرته.
لا يهدأ حال «السوكري» متنقلاً بين شاب وآخر راسماً الكثير من الأشكال التي باتت تنم عن طريقة تفكير شباب لا يبالي بواقعه، ويهرب إلى عالم آخر بعيداً عن ضجيج الفوضى التي تسوده، عدا عن تأكيد أن الوشم حالة نفسية خاصة بكل واحد منهم، لكن علي قانصو يعتبر الوشم مرضاً نفسياً يهرب إليه الشباب للفت الأنظار إليهم، وجذب المرأة وهو ما تعارضه ميرنا مارون؛ إذ تعتبر أن الوشم تعبير عن حالة شخصية وتغيير مزاج لا أكثر يزيد الجسم جمالًا وأناقة.

سياسة جديدة

بين الواقع والخيال يعيش الشباب حالتهم الخاصة التي تترجمها رسوم ترسم سياسة جديدة لشباب قرروا أن يؤسسوا منظومتهم الخاصة في التعبير، بعيداً عن منظومة التواصل الافتراضي، غير آبهين بالآثار الجانبية لهذا الوشم، سواء على صعيد الأمراض أو على صعيد الحالة النفسية.
الهوس بمواكبة صيحات الموضة، دفع بنسرين إلى تغيير الوشم كل فترة؛ إذ تجدها تقلد تارة شاكيرا وطوراً مطرباً تركياً، من صيحات تلحق الأذى في الجسد. نسرين ترفض الإذعان وتقول: «قرار وحرية شخصية لا يحق لأحد التدخل فيه»، وتضيف: «الوشم بالنسبة لي موضة مميزة ولو كلفتني الأموال الطائلة، أشعر براحة وسعادة حين أطبع وشماً يناسب شخصيتي أو عالموضة».

رأي طبي

السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الأضرار الصحية لهذه الظاهرة، وهل هي فعلاً حالة نفسية؟
يشرح الدكتور علي سعد، الأمر بتعريفه للوشم؛ إذ يقول: «الوشم مرض مخفي مظلّل بهوس غريب لشباب لا يعرفون أنه المرض الخطير لهم»، ويرى أن «حبر الوشم يحتوي على مواد مؤكسدة ضارة مثل معادن الكبريتيدات وصبغات عضوية، ما يؤثّر في صبغة الميلانين الموجودة في الجلد بشكل طبيعي، الأمر الذي يغير من لون الجلد ويؤثر فيه بعد مرور أعوام، خاصة أن مواد غير معروفة تضاف إلى الحبر المستعمل، وحسب رغبة الواشم مثل الفورمالين والكحول والميثانول والكربون الأسود، وثاني أكسيد التيتانيوم وأكاسيد الحديد وأكريدين، وهي مواد تؤثر في صبغة الجلد وتسبب الكثير من الأضرار».
ويعتبر الدكتور علي سعد، أن الوشم يسبب الكثير من الأمراض لعل أبرزها الأورام السرطانية والطفح الجلدي والتورم والألم، وقد لا تظهر العدوى في وقتها؛ بل ربما بعد 3 أسابيع، كما يسبب الوشم حدوث التجلطات الدموية ونقص كريات الدم البيضاء، ما يؤدي إلى ضعف المناعة.
تتعدد الآراء والنتيجة واحدة.. الوشم حالة نفسية وإن رفض الشباب الاعتراف بذلك، على اعتبار أن الوشم موضة ولو كلفتهم الأموال الطائلة.
ويؤكد العلم أن الشباب يهرب من واقعه إلى أفق آخر، عله يرى نفسه منه بعيداً عن تخبطات الواقع.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"