اليمين الأوروبي المتطرف.. يتوحد!

02:22 صباحا
قراءة 4 دقائق
بهاء محمود *

بعد أسابيع قليلة يستعد المواطن الأوروبي لاختيار نواب البرلمان الأوروبي في الأسبوع الأخير من مايو/أيار. وعلى الرغم من ضعف صلاحيات البرلمان الأوروبي في مواجهة المؤسسات الأوروبية الأخرى، فإن زخماً سياسياً كبيراً تشهده الدول الأوروبية، على خلفية الصعود المستمر للقوى الشعبوية واليمينية المتطرفة، والقلق من فرصها في البرلمان المقبل.
التحركات لتوحيد صفوف اليمين الأوروبي يقودها الائتلاف الإيطالي الحاكم الثنائي سالفيني ودي مايو بهدف تشكيل جبهة وتحالف يغير من خريطة القوى في أوروبا تحت شعار: «نحو أوروبا الحس المشترك»، لمواجهة التيار الإصلاحي الجديد الذي يتبناه الرئيس الفرنسي ماكرون، لا سيما الضغوط التي مارستها السترات الصفراء من جانب، ومعضلة بريكست من جانب آخر، وكلها مهددات ضاغطة على الاتحاد الأوروبي، ومانحة اليمين المتطرف قوة ولو معنوية في سعيه نحو تفكك الاتحاد.
المشهد الحالي ينبئ مبدئياً، عن عدم وجود تماسك داخلي بين الأحزاب اليمينية المتطرفة، فأقطاب مثل المجري فيكتور أوروبان، والفرنسية مارين لوبان، والهولندي خيرت فيلدرز، لم يذهبوا إلى ميلانو، حيث يدشن ماتيو سالفيني حملته الأوروبية، فيما امتثل لدعوة سالفيني الفنلندي أولى كوترو، والدنماركي أندرز فيستيسن، والألماني زعيم حزب البديل يورج كويتن، فيما تخلف المستشار النمساوي الشاب سيباستيان كورتز، وكذلك السويدي جيمي أكيسون، «لذا يمكن اعتبار أن هناك ثلاثة زعماء يتنافسون على قيادة اليمين المتطرف، ولكل منهم توجهه وأسبابه، ففي المقدمة فيكتور أوروبان. فعلى الرغم توتر علاقته مع الاتحاد الأوروبي مؤخراً، فإنه منتمٍ لمجموعة أحزاب العائلة المسيحية، أو ما يسمى مجموعة «الشعب الأوروبي»، ولم ينفصل عنها رسمياً، وبالتالي كان مبرراً عدم حضوره للقاء سالفيني، في حين تدعو مارين لوبان وتنتصر لسياسات الحمائية الاجتماعية، وكانت قبل صعود نجم سالفيني، متصدرة مشهد اليمين المتطرف.
من ناحية أخرى يدعو حزب البديل من أجل ألمانيا لاقتصاد السوق، على عكس سالفيني، وحزب فيديس المجري اللذين يسيران نحو ليبرالية أكثر، وفي ناحية أخرى من الدفة اليمنية يُبحر حزب العدالة والقانون البولندي، نحو جذور أوروبا المسيحية، على خلاف ماريان لوبان، التي تفضل العلمانية في المقام الأول، في الوقت الذي يلزم لتكوين كتلة داخل البرلمان الأوروبي انضمام 25 عضواً برلمانياً من سبع دول مختلفة، مع الأخذ في الحسبان أن الكتلة الواحدة متوافقة أيديولوجياً، وطبقاً للبرلمان الحالي، فإن الكتل هي مجموعة حزب الشعب الأوروبي في المقدمة، يليه التحالف التقدمي للاشتراكيين والديمقراطيين الاجتماعيين، ثم تحالف المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، وتحالف الديمقراطيين والليبراليين من أجل أوروبا، وتحالف اليسار المتحد الأوروبي واليسار الأخضر في بلدان الشمال الأوروبي، ومجموعة الخضر والتحالف الأوروبي الحر، ومجموعة أوروبا الحرية والديمقراطية المباشرة، وفي النهاية المستقلين، حيث الحد الأدنى لكل دولة عضو في البرلمان الأوروبي 6 نواب، فيما تمثل أعلى حصة لألمانيا ب96 عضواً تماشياً مع عدد سكانها الأعلى.
وطبقاً لهذه الخريطة، فإن اليمين المتطرف ليس في كتلة واحدة، نظراً لاختلاف الأيديولوجيات الفكرية بينه، ما يعني أن تكوين كتلة لليمين المتطرف موحدة داخل البرلمان الأوروبي القادم فكرة غير منطقية، وتتطلب تقديم تنازلات كبيرة من كل الأطراف، وتتطلب أيضاً تخلي تلك الأحزاب عن أفكارها ومبادئها لصالح ذلك، وهو أمر لا يبدو محسوماً؛ نظراً لأن هناك تنافساً على الزعامة إما ثنائياً بين مارين لوبان، وماتيو سالفيني، وإما ثلاثياً لو خرج أوروبان من كتلة الشعب الأوروبي؛ لذا فإن القضايا المشتركة هي الجامع الأكثر بينهم.
الثابت المشترك بين الأحزاب اليمينية ليس أيديولوجياً، لكن ثقافة عمل تجاه قضايا صنعت أزمات في الاتحاد الأوروبي ومؤسساته من جانب، وبين المواطنين وحكوماتهم من جانب آخر، فالهجرة وما حملته من تداعيات اقتصادية وسياسية وأمنية وثقافية، قسمت أوروبا ما بين متسامح وبراجماتي ومتعايش ومضطهِد لهؤلاء القادمين من الشرق ومن ويلات الحروب، ففي أوروبا مَن حمّل المهاجرين الأزمات الاقتصادية وانهيار الأسواق وقلة فرص العمل، وفيها من عمل على إدماجهم، وفيها من حرق مساجدهم وقتلهم؛ لذا ليس مستغرباً أن تتألف حكومات وتنجح أحزاب على برامج شعارها طرد المهاجرين ومنع دخول المزيد.
وفي سياق موازٍ تأتي المشكلة الأبرز؛ ثنائية القومية والسيادة الوطنية في مواجهة التكامل الأوروبي؛ الأحزاب القومية اليمينية أو اليسارية كلها التي جاءت عبر صناديق اقتراع ديمقراطية لا ترى خيراً في مؤسسات فوق قومية غير منتخبة، تنقص من سيادة الدول، وهو ما يعني وجوب هدمها كي تحرر الدول. وفي نفس الوقت يأتي الصراع الأخطر على حياة الشعوب، في رفض ثقافة الآخر.
فاليمين المتطرف لا يريد ثقافة الآخر، فقط أوروبا المسيحية ذلك الرجل الأبيض، وأي جذور أخرى من وجهة نظرها تهدد الثقافة الأوروبية، إذن لا تعايش مع غير الأوروبي؛ تلك الثلاثية من رفض المهاجرين، ورفض الاتحاد الأوروبي، ورفض الآخر غير الأوروبي، على الرغم من أنها حاكمة لسير اليمين المتطرف وفي مقدمة أجندته الانتخابية داخل دوله، سواء في البرلمانات الوطنية أو المحك الجامع لها في برلمان الاتحاد الأوروبي، إلا أن أصحابها أضعف حتى الآن من التماسك الذي يجعلهم يداً واحدة تهزم الأحزاب الأوروبية العريقة هزيمة كاملة، وتُنهي وجودها دولاً ومؤسسات.
فعلى الرغم من أن استطلاعات رأي تمنح اليمين المتطرف فرص الحصول على 150 مقعداً في البرلمان القادم، فإن أزمات مثل بريكست جعلت الأوروبيين متخوفين من مصير مظلم لهم خارج مظلة الاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي جعل مارين لوبان تعدل خطابها العام، وتُلغي منه كلمة «بريكست»، وحتى الائتلاف الإيطالي أصبح أكبر أحلامه بناء محور قوي جديد يزيح المحور الألماني الفرنسي، ويستبدل به آخر إيطالياً مجرياً بولندياً، وحتى هذا المحور منقسم أيضاً ما بين مؤيد لروسيا وبوتين ومعجب به، وبين من تربطه عداوة تاريخية وتهديدات أمنية، كما هو الحال في الحدود البولندية.
من هنا يأتي السؤال حول ماذا يفعل اليمين المتطرف لو نال ثلث مقاعد البرلمان الأوروبي؟ الإجابة تبدو عند كتلتي الشعب الأوروبي والاشتراكيين، فتحالف الأحزاب العريقة الكبرى في الكتلتين الأولى والثانية وحتى المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، يمنع أي تحركات من اليمين المتطرف من تعطيل مسارات الإصلاح الأوروبي وأجندته في العلاقات الخارجية، أو حتى مواقفه الإنسانية من مساعدة وإعادة إعمار الدول الضعيفة الخارجة من حروب، والتي أشعلت نيرانها أسلحة الاتحاد الأوروبي والغرب.

*كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"