بكين وواشنطن: حرب تجارية مفتوحة

03:37 صباحا
قراءة 4 دقائق
أ.د. محمد سعد أبوعامود

انتهت المفاوضات التجارية الأمريكية الصينية دون أن تتوصل إلى اتفاق بصدد ثلاث قضايا؛ هي بحسب البيت الأبيض، قضايا الملكية الفكرية؛ وعمليات النقل القسري للتكنولوجيا المفروضة من جانب الصين على الشركات الأجنبية؛ وخفض العجز الهائل في الميزان التجاري بين البلدين، وكذلك طريقة التحقق من تطبيق اتفاق محتمل، خاصة وأن الجانب الصيني أصر على أن يكون هذا الاتفاق متوازناً، ويرتبط برفع الإجراءات العقابية حال التوصل إليه.

تبادل الجانبان الأمريكي - الصيني الاتهامات بالنسبة لمسؤولية الفشل في التوصل لاتفاق؛ حيث ذكرت المصادر الأمريكية أن الصينيين تراجعوا أكثر من مرة عما تم التوصل إليه من اتفاق، في حين أكد السفير الصيني في واشنطن أنه بمراجعة المحادثات التجارية بين البلدين في السنة الأخيرة، يتضح أن الجانب الأمريكي هو الذي قام أكثر من مرة بتغيير موقفه فجأة، وخرق الاتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه، وقال: إن واشنطن قامت مراراً بتغير موقفها فجأة، وأفشلت اتفاقات كان من شأنها إنهاء النزاع التجاري بين البلدين.
وبالنسبة لإمكانية استئناف المفاوضات فهناك تحفظ واضح بشأنها من الجانبين؛ فالرئيس الأمريكي يرى أنه لا حاجة للإسراع في التوصل لاتفاق مع الصين، خاصة وأنها تسدد رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة للولايات المتحدة على سلع ومنتجات بقيمة 250 ملياراً، وهو يرى أن الرسوم أفضل من التوصل لاتفاق تجاري، وأنها ستعود على بلده بثروة أكبر بكثير من اتفاق تقليدي وهي أيضاً أسرع وأكثر سهولة، في حين ترى الصين أنه إذا أرادت الولايات المتحدة مواصلة المحادثات، فيجب أن تظهر الصدق، وتصلح تحركاتها الخاطئة، فلا يمكن أن تكون أمام المفاوضات فرصة للاستمرار إلا على أساس المساواة والاحترام.
وفي ظل هذا النزاع التجاري، تطورت الأزمة بعد إعلان الرئيس ترامب إدراج «هواوي» على قائمة الشركات التي تمثل خطراً على الأمن القومي، وحظر بالتالي على الشركات الأمريكية بيعها معدات تكنولوجية؛ خشية استفادة الصين منها لغايات تجسسية؛ وذلك مع تأجيل تنفيذ القرار لمدة تسعين يوماً، وهو ما فسره بعض المحللين على أنه يمثل نقلة نوعية للنزاع، خاصة وأن المعركة لا تقتصر على «هواوي»؛ إذ قالت مصادر مطلعة: إن الإدارة الأمريكية تدرس وقف تدفق التكنولوجيا الأمريكية الحيوية إلى ما يصل لخمس شركات صينية كبرى تعمل في مجال التكنولوجيا المتطورة.
على المستوى الرسمي، شدد الرئيس الصيني لهجته بشأن النزاع التجاري بين الولايات المتحدة وبلاده، داعياً الشعب الصيني إلى الاستعداد لمرحلة طويلة من النضال من أجل الصين، وقام بزيارة إلى منشأة لمعالجة التربة النادرة، ما أثار جدلاً في الأوساط الأمريكية حول ما إذا كانت الصين ستستغل هيمنتها في قطاع الأرض النادرة ضد تعريفة ترامب، خاصة وأن شركات التكنولوجيا الأمريكية تعتمد على الواردات الصين في سد احتياجاتها من هذه الأتربة بنسبة تصل إلى 80 %.
أما وزير الخارجية الصيني فقد وصف الضغوط الأمريكية على شركات التكنولوجيا الصينية بأنها تنمر اقتصادي، وخطوة تستهدف عرقلة تطور البلاد، في حين قالت وزارة التجارة، إن الصين تعارض بشدة استخدام الولايات المتحدة سلطة الدولة في قمع الشركات الصينية، وأنها سوف تتخذ الإجراءات الضرورية؛ لحماية الحقوق والمصالح الشرعية للشركات الصينية، وأوضحت: إن الصين تعارض تعميم مفهوم الأمن الوطني، وتضييق الخناق على الشركات الصينية الملتزمة بالقواعد، داعية الولايات المتحدة إلى تصحيح إجراءاتها الخطرة، مؤكدة أن الرد الأمثل من الشركات الصينية على التنمر الأمريكي؛ هو أن تواصل تلك الشركات نموها وقوتها.
وأوضحت مصادر صينية: إن الولايات المتحدة تهدف إلى احتواء تطوير التكنولوجيات الابتكارية الصينية؛ من خلال حجب المنتجات والشركات الصينية، وإنه من المثير للسخرية أن توجه الولايات المتحدة أصابعها نحو الصين بشأن المخاوف الأمنية، مؤكدة أن لا شيء سيوقف تقدم الصين التكنولوجي أو تنميتها الاقتصادية. وبالنسبة لردود أفعال شركات التكنولوجيا الصينية، قال رئيس شركة «هواوي» في مقابلة صحفية في 21 مايو/أيار 2019 بأنه لا يعلم تماماً ماذا يوجد في مخيلة الساسة الأمريكيين الذين يقودون الحملة ضد «هواوي»؛ لكنه يعتقد بأنه لا يجب أن تكون الشركة مستهدفة من قبل الحكومة الأمريكية، لمجرد نجاحها في التفوق في تقنية الجيل الخامس، أو لاعتبارات صراعات تجارية بين الصين وأمريكا، فالأحرى أن تكون الحكومة الأمريكية منفتحة على حقائق علمية وتكنولوجية، لا مجرد ادعاءات لا يمكن إثباتها، موضحاً بأن القيود الأمريكية لن تؤثر في منتجات «هواوي» الراقية، كما لا يمكن للشركات الأخرى اللحاق ب«هواوي» في غضون عامين أو ثلاثة أعوام، ف«هواوي» لا تزال تحتل مكانة رائدة في عالم التكنولوجيا والانتقال البصري والشبكة الأساسية وغيرها من المجالات.
وأضاف: إن «هواوي» قد أعدّت العدة مسبقاً، وأنه لن يتصرف بشكل متحيز يقصي من حساباته الرقائق الأمريكية، رغم أن نظيرتها الصينية أقل كُلفة، مؤكداً أنه في حال حدوث مشاكل في التزويد، فإن «هواوي» تمتلك البديل، وذكر أن شركته تحترم حقوق الملكية الفكرية، وأنها أسست العشرات من مراكز البحوث والتطوير ولا تزال حريصة على المشاركة في البحوث العلمية العالمية، وأنه حتى لو تعرضت الشركة لانتكاسة مالية فإن إنفاقها على البحوث والتطوير لن يتأثر وأن الحظر الأمريكي لن يؤدي إلى نمو تجاري سلبي.
يذكر أن «هواوي» أعربت عن استعدادها للتوقيع على اتفاقات عدم تجسس مع الحكومات الأجنبية، لتجعل معداتها تفي بمعايير عدم التجسس، ولكن الولايات المتحدة تجاهلت تلك الحلول البناءة وتمسكت بالأحادية.
من ناحيته قال سكرتير مجلس إدارة شركة «هيكفيجن»، إن الشركة تأمل في الحصول على معاملة عادلة ونزيهة، من جانب السلطات الأمريكية.
وأخيراً أعلنت شركة «هواوي» عن تسجيل اسم علامتها التجارية الجديدة «هونج منج» رسمياً؛ لتكون بديلاً لنظام تشغيل أندرويد، والذي سيمتد ليعمل على كافة منتجاتها، وبذلك ستتمكن من خلق بيئة متكاملة تجمع جميع أجهزتها الإلكترونية والذكية معاً، وستخرج بذلك من مأزق الخناق المحكم الذي فرضته الحكومة الأمريكية عليها من خلال حرمانها من التعامل مع أي شركات أمريكية، وحصلت على الموافقة على طلبها وأحقيتها باستخدام الاسم التجاري بداية من 14 مايو/ أيار 2019 وحتى 13 مايو/ أيار 2029، علماً بأن النظام الجديد سيصل إلى الأسواق لأول مرة خلال نهاية العام الجاري أو مطلع 2020.

* أستاذ العلوم السياسية - جامعة حلوان
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"