تحقيقات ... الشباب غرباء في بيوتهم

وسائل التكنولوجيا أقرب إليهم من الأهل
00:48 صباحا
قراءة 7 دقائق
لم يعد غريباً أن يعبر كل شاب تلتقيه عن شعوره بالغربة داخل أسرته رغم ان افرادها يعيشون في مكان واحد، والمشكلة أن هذا الشعور تسلل الى الفتيات ومعظمهن يتمنين جلسة مع الآباء والأمهات أو افراد الأسرة تشعرهم بالدفء الاجتماعي الذي يفتقدونه في حياتهم ولا يعوضه المال مهما كثر. البعض اعترف بأنه يحيا مع الانترنت، أو الهاتف المتحرك والتلفزيون وأحياناً الأصدقاء الحياة التي تعوضه، ولكنهم قليلون، أما الأكثرية فناشدوا الأهل الانتباه، ودقوا ناقوس الخطر عبر هذا التحقيق من غول اسمه الغربة عن الأهل.سيرين باسم الطالبة بكلية الهندسة المعمارية تقول: اضبط نفسي أحياناً وأنا أسألها: تشعرين بالغربة أليس كذلك؟ فالأب والأم مشغولان بحياتهما الخاصة، وأخوتي في دراستهم، وعلي أنا أن انشغل في الدراسة أيضاً ولا انكر أن هناك اهتماماً من والديّ بشؤوني، ولكنه ليس التواصل الذي يرضيني، ولا استطيع أن ازيد من مساحة التواصل هذه من ناحيتي، وإلا فهل لي أن افهم في عمل أبي كي اتحدث معه فيه، أو في عمل أمي كي اتحدث معها فيه، إن هدفي هو الحديث لا في عملهما بل جذب انتباههما الي، ولكن حتى هذا كيف لي أن احققه؟ تضيف سيرين: عموماً اذا ما أردت من أبي أو امي شيئاً فإنهما قد يتقبلان كلماتي حسب درجة انشغال أي منهما، فهما ليسا دائماً على استعداد للاستماع لي، وهذا أمر اعتدت عليه، وسلمت بأمر غربتي عنهما وأستعيض عنه بصديقاتي اللواتي لا ينشغلن أبداً عني، وأجد في وقتهن ما يجعلنا نشترك دائماً في موضوعات تهمنا.حنين أحمد الطالبة بالصف الثاني بإحدى الجامعات الخاصة تقول: يجب على الفتاة بالتحديد التوصل الى الاهتمام بأشياء أخرى تعوضها عن انشغال الأب الدائم بالتحديد فهناك وقت تشعر فيه كل فتاة بأنها يجب أن تتحدث مع ابيها في أمور مهمة، وتتمنى حتى لو تستطيع عمل اتصال هاتفي به مثلها مثل الآخرين من الغرباء، فأنا أرى أبي مرة واحدة في اليوم، وقد يكون منفعلاً فيها، رافضاً لأن يستمع لكلمة من أي احد، وعلى العكس من ذلك فهناك بعض الفتيات أمهاتهن هن صديقاتهن، والحال مختلف لدى البعض الآخر، الذي يشعر بالغربة. وتضيف: كنت أعوض غربتي هذه باجتماعي بصديقاتي حتى وقت قريب، والآن بدأت اتعود على الغربة، وحتى أمي موجودة، فهي ربة منزل لا تعمل، ولكني اشعر بغربة من نوع آخر نحوها مختلفة تماماً عن غربتي عن ابي الذي لا أراه فأمي متاحة لي رؤيتها طوال الوقت كلما رجعت للمنزل لكنني للأسف اعترف بأنني لست دائماً حاضرة في ذهنها بمتطلباتي العصرية بينما هي منشغلة بمتطلبات أخرى.على النقيض من سابقتيها يأتي رأي دنيا رفاعي الطالبة بالصف الأول بإحدى الكليات العملية فتندفع في الكلمات قائلة: تعديت مرحلة الغربة تماماً وصارت لي حياتي الخاصة بانتقائي مجموعة من الصديقات اللواتي اعيش معهن عصراً خاصاً بنا غير عصر أبي وامي، ومهما اجتمعت مع والديّ يبقى أنني اشعر بعدم الغربة مع صديقاتي فقط، حيث اعترف واحكي لهن كل شيء فيفهمن جميع ما اقوله كما اقصد، في حين أنني اخشى ان اخبرت والديّ بما أريد أن يسيئا فهم كلماتي مما ينذر بكارثة.أما حنين باسم الطالبة بالصف الثاني فتحاول التأقلم مع غربتها قائلة: طبيعة الظروف المعيشية تفرض على ابناء جيلي أوضاعاً معينة، فإذا كان الولدان يعملان من الصباح حتى العصر ولديهما أمور أخرى مع رغبتهما في الراحة، فأين وقت اجتماع الاسرة؟ والحقيقة تضيف حنين، أنني تأقلمت علي غير ارادتي، ولم يعد للسؤال عن تغيير الوضع مكان في حياتي فقد سلمت بهذا الأمر تماماً، وحتى الاعتراض عليه، ومجرد الاعتراض. لم يعد هناك وقت له ففي أوقات الدراسة، أي اغلب شهور العام، لا نلتقي إلا على وجبة العشاء، وصار اجتماعنا على الغداء حلماً في اسرة اغلب افرادها يعملون، وبرغم هذا مازلت ارتاح لمجرد اجتماعنا واحاول التواصل مع جميع افراد أسرتي في الوقت المتاح لهم حتى لو كان في الصباح الباكر، وأيضاً احاول اعلامهم بكل ما يخصني.وتميل شمسة علي المروي بكلية أبوظبي للطالبات - التقنية العليا - لتبسيط المسألة كلها قائلة: لا أريد للشعور بغربتي أن يدخل حياتي - أصلا - فأنا أتجنب المشاعر السلبية عن أبي وأمي بوجه عام، وأشاركهم الحياة بطريقة عادية. انفصالسالم بطي - الطالب بالصف الحادي عشر بمدرسة الزيدية بالعين يفجر مفاجأة بقوله: الانترنت، والكمبيوتر، والهاتف المتحرك، والسهرات مع الأصدقاء تجعلني انفصل عن أهلي المهتمين بعالم آخر غير العالم الذي احياه، فأنا يمكنني أن اتناول وجبة الغداء مثلا، وأنا أمام الانترنت، فلا مشكلة، وأؤجل اجتماع الاسرة، أو قربي من أبي وأمي لوقت آخر، واعرف كيف ازن الأمور بعكس بعض زملائي الذين ينفصلون عن أهلهم بأرواحهم، ويبقون معهم بأجسادهم فقط.أما محمد سعيد الخميري الطالب بالصف الثانوي بمدرسة الاتحاد بأبوظبي فيقول: مشكلة الغربة ألمسها مع بعض الزملاء، فأرى احدهم ينخرط مع رفقاء، وقد يكونون من رفقاء السوء للأسف، ويساعدهم على تملكه تماماً، بل دفعه للانحراف انشغال الأهل الذين يقع العيب عليهم من الأساس باهمالهم له، وتركه يخرج للمجتمع متشرداً، بينما لو تم احتضانه من قبل الوالدين منذ البداية، ولم يشعراه بالغربة لما وصل به الحال الى هذه النتيجة المؤلمة.عبدالله جمال الرميثي - الطالب بإحدى المدارس الثانوية فيقول: بعض الأهل يوقعون ابناءهم خاصة المراهقين في مشكلة الغربة الشديدة، بل الانفصال التام عنهم، وعن واقعهم تماماً، وذلك لتفضيلهم أحد اخوته عليه، وعدم شعوره بحب الأهل له، فأحد زملائي بالصف لا يحضر نصف الدوام المدرسي، وحينما يعايره ابواه يتمادى في البعد والاغتراب عنهم، متمنياً لو أن الله وهبه أهلاً يقدرونه، ومن فرط ابتعاده عنهم، وابتعادهم عنه يشعر بأنه انسان غير سوي، فلا أحد من والديه يقدره، ويشعر بأنه ليس شيئاً على الاطلاق، وهو شعور مؤلم جداً.أما آمنة عدنان - الطالبة بالمرحلة الأولى من معهد البترول بأبوظبي فتقول: غربة جيلي واضحة خاصة بين الفتيات، فغالبيتهن يقعن فيه، والفتاة بطبيعتها تحتاج إلى دعم معنوي ونفسي من أسرتها مقارنة بالفتيان، وأحمل المسؤولية للآباء فليست الحياة كلها، أو المطلوب فيها فقط لجيلنا هو المال، بل إنني أرى أنه مطلوب لا من الوالدين فقط بل من الإخوة الذكور زيادة الاهتمام ببنات الأسرة.وأعرف فتيات كثيرات يشتهين جلسة مع آبائهن وأمهاتهن مما يسبب سلبيات كثيراً جداً أشد خطراً عليهن من الأشياء التي ينشغل الوالدان بها عنهما.يشير الدكتور جمال البح رئيس منظمة الأسرة العربية إلى أن وسائل التقنية الحديثة من إنترنت، ومتحرك، وتلفزيون وغيرها، إضافة الى ضغوط الحياة، وانهماك الأبناء في التعليم، وازدياد ساعات العمل لدى الوالدين، تؤدي إلى نتيجة واحدة هي أن كل فرد من أفراد الأسرة صار مشغولاً في مشاويره التي صار يومه يكفيها بالكاد، بما يجعل خطوط التواصل تتلاشى بين أفراد الأسرة. ويضيف: ضعف العلاقات الإنسانية بين أفراد المجتمع يولد الإحساس بالغربة لدى الفتيان والفتيات، وهو شعور طبيعي لقلة الوقت المخصص للتفاعل الأسري، وشبه اختفاء في العلاقات الانسانية بما يعني أن هناك بيوتاً صارت مجرد فنادق لا أكثر، وجزءاً من مفردات الغرباء الذين يسكنون مكاناً واحداً هو أنهم يجتمعون مع بعضهم البعض بشكل عابر أو في المناسبات، فالجميع يحيا اغتراباً اجتماعياً عن الأسرة، والنتيجة أن هذا السلوك يورث للأبناء، ويظل كل إنسان في الأسرة مشغولاً بنفسه بعيداً عن الآخر وهذا من مساوئ العولمة، والايقاع السريع للعصر الحالي، وتكنولوجيا قتل الوقت بينما التفاعل الأسري مفقود.وعن إحساس الفتيات المتزايد بالغربة أكثر من غيرهن يقول: الفتاة تشعر بأنها ضعيفة، لذلك تحب أن تشعر بوجود الرجل إلى جانبها، فإذا فقدته أباً أرادته أخاً، فإن لم يكن الأخير أردته زوجاً. بينما الحقيقة أن الرجل يعاني من ضغط أكبر نتيجة لمجاراته لظروف الحياة.وعن علاج المشكلة يقول دكتور جمال البح: من دون إرجاع التفاعل الأسري لن نستطيع أن نسد الثغرة الموجودة في مجتمعنا فالمجتمع الاماراتي يمر بمرحلة انتقالية سريعة، وفي رأيي أن ضعف المؤسسات الاجتماعية في الدولة ساهم في هذه الثغرة، فوزراء العمل والشؤون الاجتماعية العرب اتفقوا على وجود هذه المؤسسات منذ عام ،1994 وهي موجودة بالفعل في الأردن، وقطر، وفي الشارقة، ووجود هذه المؤسسات يوفر أنشطة تؤدي لمعالجة مشكلة شعور الشباب بالاغتراب، وتؤدي لتماسك الأسرة، وفي ماليزيا مثلا هناك وزارة للتنمية الاجتماعية والأسرية. ونحن نريد مثل هذه المؤسسات لتقوية المجتمع المدني، وأيضاً نريد تعزيز دور المرأة في المنزل، فساعات العمل تستنزفها كابنة، وأم، وزوجة، وليس من العدل أن نفرضه على الرجل من ساعات عمل تستمر لوقت من الليل، مما يقلل من ساعات وجودها في بيتها، ومساندتها لأبنائها كي لا يشعروا بتزايد غربتهم. شكل العلاقة ينعكس على المجتمع الدكتورة آمنة خليفة مدير عام مؤسسة حميد بن راشد النعيمي للتطوير والتنمية البشرية وأستاذ أصول التربية بجامعة الإمارات تقول: دائماً حينما تثار قضية غربة شبابنا يجب أن نرجعها للتنشئة داخل المنزل، وهذا دور يلقى على عاتق الوالدين فالعلاقة بين الوالدين والأبناء مفتاح رئيسي لعلاقة سوية مع الأسرة، ومع المجتمع أيضاً وعلى الابن أو الابنة إذا شعر بأن هناك غربة داخل المنزل، فإن عليه أن يتواصل مع الأسرة أكثر لأن بعض الشباب للأسف لا يريد لعلاقته بأبويه وأفراد أسرته أن تتوطد، بل يريد أن ينفصل عنهما.. منشغلاً طوال الوقت بالانترنت، والشات، والهاتف المتحرك، عوضاً عن التلفزيون والدش.. وحينما تسأله عن الأسرة يلقي اللوم على الأبوين. وتستدرك د. آمنة: هذا لا يمنع أن بعض الأسر يبتعد فيها الأب والأم عن أبنائهما بما يشعرهم بالغربة بالفعل، وبالأخص الفتيات اللواتي تتكرر شكواهن من ابتعاد الأكثر حناناً عنهن سواء أكان الأب أو الأم، وبعض الوالدين لا يحبون سؤال الابن أو الابنة طالما رأوه صامتاً أو هادئاً أو منشغلاً بوسائل التقنية الحديثة. وهنا تنتفي العلاقة السوية بين أفراد الأسرة وبالتالي لا تخرّج للمجتمع أشخاصاً متوازنين قادرين على العطاء ففاقد الشيء لا يعطيه.
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"