تونس.. ماذا بعد السبسي؟

02:21 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

إن أحد الأسئلة المركزية التي طرحت داخل تونس يتعلق بمستقبل الخلافة السياسية بعد إعلان الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي في 6 إبريل 2019، في كلمة ألقاها في افتتاح أعمال المؤتمر الانتخابي الأول لحزب نداء تونس، تحت شعار: «مؤتمر الإصلاح والالتزام»، وبثتها صفحة رئاسة الجمهورية التونسية مباشرة «أنه لا يرغب في الترشح مجدداً للانتخابات الرئاسية المقررة أواخر سنة 2019، على الرغم من أن الدستور يسمح له بالترشح لولاية رئاسية ثانية».
أوضح الرئيس التونسي أنه «سينتظر موعد تقديم ملفات الترشح التي تضبطها الهيئة العليا المستقلة للانتخابات»، مؤكداً أن «تونس تستحق التغيير، ولابد من منح الفرصة للشباب وتسهيل ذلك له؛ إذ إن تونس تمر بفترة أصعب مما كنا نظن»، على نحو يشير إلى تعقيدات المرحلة الانتقالية التي واجهتها تونس بعد ثورة الياسمين في عام 2011، لدرجة تشبه «المتاهة» لاسيما في ظل ازدياد حدة الأزمات الاقتصادية وتنامي الوقفات الاحتجاجية «الفئوية»، خاصة بعد الزيادة في أسعار بعض المواد وغلاء المعيشة واستمرار التهديدات الأمنية عبر الحدود الرخوة مع دول الجوار.
ويمثل هذا التصريح قطعاً بعدم الترشح، على نحو يختلف عما حدث منذ فترة ليست بعيدة حينما علق الرئيس السبسي على إعلان حزب نداء تونس، عزمه على ترشيحه لولاية ثانية، قائلاً: «صحيح، لكن حظي ليس بيد أحد، الدستور يسمح لي بالترشح لعهدة ثانية، ولكن ليس لأن الدستور يسمح بعهدة ثانية عليّ أن استخدم ذلك.. وهناك آجال لوضع الترشحات وأنا سأترقب الآجال وأرى».
كما صرح سفيان طوبال القيادي في حركة نداء تونس في 10 أبريل الماضي بأن الحزب سيساند ترشح الباجي قايد السبسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقال: «بما أن الدستور يسمح له بدورة ثانية، فإن الأولوية ستكون لمؤسس وزعيم الحركة الباجي قايد السبسي إذا رغب في الترشح للرئاسية»، وذلك على الرغم من تأكيد السبسي عدم رغبته في الترشح للانتخابات المقبلة.
إن التفسير المعلن لهذا القرار من جانب السبسي، على نحو ما جاء في نص التصريحات، يتعلق بإفساح المجال العام للشباب والكفاءات في إشارة من السبسي إلى سنه المتقدم (92 عاماً)، فهو يُدرك عدم قدرته على تحمل أعباء إدارة شؤون البلاد. وفي هذا السياق، ربما يكون أحد الدروس التي استخلصها السبسي من تجربتي الحبيب بورقيبة في تونس وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، الإزاحة من الحكم بسبب الاعتلال في الصحة.
فقد تولى الرئيس السابق زين العابدين بن علي حكم تونس بعد إطاحة بورقيبة في عام 1987. وكذلك الحال مع الرئيس بوتفليقة من جانب الجيش، ولذا لم يكن غريباً أن يتزامن تراجع السبسي عن الترشح لولاية ثانية مباشرة، مع إعلان الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة في 4 أبريل الجاري، عدم الترشح لولاية خامسة في أعقاب حراك شعبي مستمر منذ عدة أسابيع.
وتتمثل تداعيات مرحلة ما بعد إعلان الرئيس السبسي عدم الترشح لانتخابات الرئاسة التونسية في ثلاث معضلات جوهرية، على النحو التالي:
1 انقسام حزب نداء تونس من الداخل؛ إذ إن أحد الانتقادات التي توجه للسبسي تعزيز دور نجله حافظ قايد في الحزب، على نحو أدى إلى تراجع مكانة الحزب بسبب الخلافات الداخلية. فقد تزايد الخلاف بين حافظ قايد السبسي، ورئيس الوزراء يوسف الشاهد، خاصة في منتصف العام 2018، حين أعلن الشاهد صراحة أن حافظ قايد السبسي دمر الحزب، وجمد حزب نداء تونس على إثر ذلك عضوية الشاهد، وشكل أنصاره «الائتلاف الوطني»؛ ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد النهضة، وتضم 44 نائباً داخل مجلس نواب الشعب التونسي.
غير أن السبسي طالب في 6 أبريل الجاري برفع تجميد العضوية عن الشاهد، وتشير الحسابات والمواقع الرسمية لحزب «تحيا تونس» الذي أنشأه الشاهد بعد خروجه من حزب النداء، إلى عودة صور اللقاءات الرسمية بين السبسي والشاهد، على نحو يعكس بداية تقارب بينهما. ومن المرجح أن يقوم رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي بدعم يوسف الشاهد، للترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وفي 13 أبريل الجاري، انقسم حزب النداء إلى جبهتين تم انتخاب حافظ قايد السبسي رئيساً للجنة المركزية لحركة «نداء تونس» بمجموع 83 صوتاً من أصل 87 مسجلين، كما تم انتخاب قاسم مخلوف، نائباً أول لرئيس اللجنة، ومروان بويدة نائباً ثانياً لرئيس اللجنة المركزية.
ومن الجدير بالذكر أن مجموعة معارضة لحافظ قايد السبسي كانت قد عقدت اجتماعاً للجنة المركزية بالحمامات، واختارت سفيان طوبال رئيساً لها بعد حصوله على 115 صوتاً، وفي هذا الإطار صرح حافظ السبسي قائلاً: «نأمل أن يفكر الشق الآخر من المجتمع في الحمامات جيداً، وسننظر في المستقبل في إمكانية إلحاقهم بنداء تونس».
2 استغلال حزب النهضة نافذة الفرصة، وهو ما يرتبط بالنقطة الأولى، حيث بدأت النهضة الاستعداد للانتخابات التشريعية وربما الرئاسية. فقد أعلنت مؤسسة «سيجما كونساي» لاستطلاعات الرأي العام، وفقاً لما نشرته صحيفة الجريدة التونسية في 6 أبريل الجاري، أن حركة النهضة تحتل صدارة نوايا التصويت في الانتخابات التشريعية بنسبة 24,3%، وجاء حزب «تحيا تونس» في المرتبة الثانية بنسبة 16,8%، فيما جاء حزب حركة «نداء تونس» بنسبة 16,3%، يليه الحزب الدستوري الحر بما يقدر بحوالي 9,9%.
ونظراً لتخوف السبسي من قدرة النهضة على استغلال التأزم الداخلي لحزب نداء تونس، فقد دعا إلى تجميع القوى الوسطية لتحقيق التوازن السياسي في مواجهة حزب النهضة؛ لذا أضافت حركة «نداء تونس» في لائحتها السياسية نصاً يشير إلى «عدم التعاطي أو التحالف مجدداً مع الأحزاب ذات المرجعية الدينية، والتمسك بالخط البورقيبي»، وفي هذا الإطار صرح علي العريض نائب رئيس حركة النهضة قائلاً: «إن هذا القرار ليست له أي تداعيات، والنهضة ستكون متنافسة مع عدد كبير من الأطراف السياسية، ومستعدة للتعاون مع من يطرح حلولاً معقولة تحت سقف الدستور».
3 حدود التوافق بين أحزاب المعارضة، على نحو دعا زهير المغزاوي الأمين العام لحركة الشعب في المؤتمر الجهوي للحركة ب«مدنين» في 14 أبريل الجاري، إلى توحد جميع أحزاب المعارضة (الدستوري الحر، والجمهوري، وحراك تونس، الإرادة وقوى الرابع عشر من جانفي وغيرها) حول مرشح واحد في الانتخابات الرئاسية يمكن من خلال هذا التوافق، التنافس في مواجهة الحزبين الرئيسيين بالبلاد (نداء تونس والنهضة)، لا سيما بعد تعثر الائتلاف الحاكم بينهما».
4 اتجاه دور الاتحاد التونسي للشغل، الذي يعد لاعباً محورياً داخل الساحة التونسية، ولا توجد شواهد محددة تعبر عن خيارات تحالفاته في المستقبل.
فقد صرح بوعلي المباركي الأمين العام المساعد في الاتحاد التونسي للشغل لوسائل الإعلام في 6 أبريل الجاري بأن قسم الدراسات في الاتحاد بصدد إعداد برنامج اقتصادي واجتماعي لمواجهة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها تونس، وأضاف قائلاً: «سيقوم الاتحاد بمشاورة جميع الأحزاب فيه، وكل من يتبني هذا البرنامج سيدعمه الاتحاد خلال الانتخابات المقبلة».

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"