هناك من يدعون إلى ترك السنة والاقتصار على القرآن، وهؤلاء يكذبون القرآن نفسه لأن القرآن دل على وجوب اتباع السنة. وإن من يترك السنة ويقتصر على القرآن يلزمه أن يترك القرآن أيضاً لأنه إنما جاء عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. كما أنه في اقتصاره على القرآن الكريم كاذب في شهادته لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
يذكر الدكتور الحسين محمد شواط في كتابه «حجية السنة وتاريخها» أن من أنكر حجية السنة فقد كفر وخرج من الملة، لا تنفعه صلاة ولا صوم ولا زكاة، ولا غيرها من القربات؛ بل كيف يصوم ويصلي ويزكي بينما ثبتت تفاصيل أحكام الصلاة والصوم والزكاة في السنة المطهرة؟
إن حكم أهل العلم على منكر حجية السنة بأنه كافر خارج من الملة يتناول من أنكر أصل الاحتجاج بها، كما يتناول من رد حديثاً صحيحاً بغير تأويل بعدما بلغه وعرف صحته بتقرير أهل الاختصاص لهذه الصحة، وهناك أقوال كثيرة لأهل العلم بهذا الخصوص.
قال الحافظ بن حزم: (لم يسع مسلماً يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يأبى عما وجد فيهما. فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق. وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما وموجباً لطاعة أحد دونهما فهو كافر، لا شك عندنا في ذلك).
ضرورة دينية
وذكر محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: «من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده فهو كافر». والقول بكفر من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود إلى قول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما»، (النساء: 56) «وهذه الآية كافية لمن عقل وحذر، وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى إليه».
ويضيف: «ولو أن أمرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن لكان كافراً بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر، لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك. ولو أن أمرأ لا يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط، ويترك كل ما اختلفوا فيه مما جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة».
وقال أيوب السختياني: (إذا حدثت الرجل بالسنة فقال: دعنا من هذا، وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل). وقال الإمام الشاطبي: (إن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة...) وقال الإمام السيوطي: (إن من أنكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في الأصول خرج عن دائرة الإسلام). وقال الإمام الشوكاني: (إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلا من لا حظ له في دين الإسلام).
قسم عظيم
وأورد الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتاب «مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة» بعض الآيات الدالة على كفر منكري حجية السنة، ومنها قوله تعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»، (النساء: 56).
وقال ابن القيم: (أقسم سبحانه بنفسه على نفي الإيمان عن العباد حتى يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل، ولم يكتف في إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى ينتفي عن صدورهم الحرج والضيق من قضائه وحكمه، ولم يكتف منهم أيضاً بذلك حتى يسلموا تسليماً وينقادوا انقياداً).
وقال تعالى: «وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً»، (النساء: 16).
قال ابن حزم: (فليتق الله الذي إليه المعاد امرؤ على نفسه، ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية، وليشتد إشفاقه من أن يكون مختاراً للدخول تحت هذه الصفة المذكورة، المذمومة الموبقة، الموجبة للنار. فإن من ناظر خصمه في مسألة من مسائل الديانة وأحكامها التي أمرنا بالتفقه فيها، فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى، وإلى كلام الرسول، فصده عنهما، ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان: فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً).
طاعة الله والرسول
وقال تعالى: «قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين»، (آل عمران: 32) فمن تولى عن طاعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر بصريح نص الآية. وقال تعالى في سورة الأحزاب: «ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناَ»، فمعصية سنة النبي صلى الله عليه وسلم هي عين الضلال البين.
وقال تعالى: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب»، (الحشر: 7) وقد دلت الآية على أن من لم يأتمر بأمر السنة ولم ينته عما نهت عنه فإنه يعذب أشد العذاب، ولا يكون هذا العقاب الشديد إلا في حق الكافرين.
هذه الأدلة كافية لمن آمن بالله سبحانه وتعالى ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً أن يتمسك بالسنة، ويعض عليها بالنواجذ رغبة في طاعة الله عز وجل وما أعده لعباده الصالحين من جزيل الثواب، ورهبة من معصية الله سبحانه ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤدية إلى دخول النار، ويقيناً بأن القرآن والسنة معاً هما مصدر الدين وأساسه المتين، وأنه لا خير ولا فلاح ولا نجاح ولا نصر ولا سعادة ولا تحضر ولا عزة ولا كرامة إلا باتباعهما والتفقه فيهما والاجتهاد في استخراج كنوزهما.
كما أن هذه الأدلة كافية لردع المرجفين وإقامة الحجة عليهم، وزجر المبطلين الذين أدى بهم الجهل بحقيقة الدين، واتباع الهوى، وتقليد الأعداء إلى ترك السنة وبالتالي الانسلاخ من الإسلام، فبم سيلقون ربهم؟ وكيف سيواجهون مصيرهم المحتوم: ناراً وقودها الناس والحجارة أعدت للمجرمين.
فالسعيد من ارعوى قبل تحقق الردى، وباب التوبة مفتوح أمام هؤلاء، فهل من توبة نصوح تجب ما قبلها؟ وهل من عودة إلى رحاب الإيمان ومجتمع الإسلام؟