حكم منكري‮ ‬حجية السُنة

وما ينطق عن الهوى
01:59 صباحا
قراءة 4 دقائق

هناك من يدعون إلى ترك السنة والاقتصار على القرآن، وهؤلاء يكذبون القرآن نفسه لأن القرآن دل على وجوب اتباع السنة‮. ‬وإن من يترك السنة ويقتصر على القرآن‮ ‬يلزمه أن‮ ‬يترك القرآن أيضاً‮ ‬لأنه إنما جاء عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم‮. كما أنه في اقتصاره على القرآن الكريم كاذب في‮ ‬شهادته لمحمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة‮.‬
‮يذكر الدكتور الحسين محمد شواط في‮ ‬كتابه‮ «‬حجية السنة وتاريخها‮» ‬أن من أنكر حجية السنة فقد كفر وخرج من الملة،‮ ‬لا تنفعه صلاة ولا صوم ولا زكاة،‮ ‬ولا‮ ‬غيرها من القربات؛ ‬بل كيف‮ ‬يصوم ويصلي‮ ‬ويزكي‮ بينما ثبتت تفاصيل أحكام الصلاة والصوم والزكاة في‮ ‬السنة المطهرة؟
إن حكم أهل العلم على منكر حجية السنة بأنه كافر خارج من الملة ‮ ‬يتناول من أنكر أصل الاحتجاج بها،‮ ‬كما‮ ‬يتناول من رد حديثاً‮ ‬صحيحاً‮ ‬بغير تأويل بعدما بلغه وعرف صحته بتقرير أهل الاختصاص لهذه الصحة،‮ وهناك أقوال كثيرة لأهل العلم بهذا الخصوص.
قال الحافظ بن حزم: (لم ‬يسع مسلما‮ً ‬يقر بالتوحيد أن‮ ‬يرجع عند التنازع إلى‮ ‬غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم،‮ ‬ولا‮ ‬يأبى عما وجد فيهما‮. ‬فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق‮. ‬وأما من فعله مستحلاً للخروج عن أمرهما وموجباً‮ ‬لطاعة أحد دونهما فهو كافر،‮ ‬لا شك عندنا في‮ ‬ذلك)‮.‬

ضرورة دينية

وذكر محمد بن نصر المروزي‮ ‬أن إسحاق بن راهويه كان‮ ‬يقول‮: «‬من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر‮ ‬يقر بصحته ثم رده فهو كافر‮». ‬ والقول بكفر من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود إلى قول الله تعالى مخاطباً‮ ‬نبيه صلى الله عليه وسلم‮: «‬فلا وربك لا‮ ‬يؤمنون حتى‮ ‬يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا‮ ‬يجدوا في‮ ‬أنفسهم حرجاً‮ ‬مما قضيت ويسلموا تسليما»،‮ (النساء: 56) «وهذه الآية كافية لمن عقل وحذر،‮ ‬وآمن بالله واليوم الآخر،‮ ‬وأيقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى إليه».
ويضيف: «ولو أن أمرأ قال‮: ‬لا نأخذ إلا ما وجدنا في‮ ‬القرآن لكان كافراً‮ ‬بإجماع الأمة،‮ ‬ولكان لا‮ ‬يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى‮ ‬غسق الليل،‮ ‬وأخرى عند الفجر،‮ ‬لأن ذلك هو أقل ما‮ ‬يقع عليه اسم صلاة،‮ ‬ولا حد للأكثر في‮ ‬ذلك‮.‬ ولو أن أمرأ لا‮ ‬يأخذ إلا بما اجتمعت عليه الأمة فقط،‮ ‬ويترك كل ما اختلفوا فيه مما جاءت فيه النصوص لكان فاسقاً بإجماع الأمة»‮.
وقال أيوب السختياني‮: (‬إذا حدثت الرجل بالسنة فقال‮: ‬دعنا من هذا،‮ ‬وأنبئنا عن القرآن فاعلم أنه ضال مضل‮). ‬وقال الإمام الشاطبي‮: (‬إن الاقتصار على الكتاب رأي‮ ‬قوم لا خلاق لهم خارجين عن السنة‮...) ‬وقال الإمام السيوطي‮: (‬إن من أنكر حديث النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم قولاً كان أو فعلاً بشرطه المعروف في‮ ‬الأصول خرج عن دائرة الإسلام). ‬وقال الإمام الشوكاني‮: (‬إن ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية،‮ ‬ولا‮ ‬يخالف في‮ ‬ذلك إلا من لا حظ له في‮ ‬دين الإسلام‮).‬

قسم عظيم

‬وأورد الإمام الحافظ‮ ‬جلال الدين السيوطي‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ «‬مفتاح الجنة في‮ ‬الاحتجاج بالسنة‮» ‬بعض الآيات الدالة على كفر منكري‮ ‬حجية السنة،‮ ‬ومنها قوله تعالى‮: «‬فلا وربك لا‮ ‬يؤمنون حتى‮ ‬يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا‮ ‬يجدوا في‮ ‬أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما»‮، (النساء: 56).
وقال ابن القيم‮: (‬أقسم سبحانه بنفسه على نفي‮ ‬الإيمان عن العباد حتى‮ ‬يحكموا رسوله صلى الله عليه وسلم في‮ ‬كل ما شجر بينهم من الدقيق والجليل،‮ ‬ولم‮ ‬يكتف في‮ ‬إيمانهم بهذا التحكيم بمجرده حتى‮ ‬ينتفي‮ ‬عن صدورهم الحرج والضيق من قضائه وحكمه،‮ ‬ولم‮ ‬يكتف منهم أيضاً‮ ‬بذلك حتى‮ ‬يسلموا تسليماً وينقادوا انقياداً‮).‬
‮‬وقال تعالى‮: ‬«وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين‮ ‬يصدون عنك صدوداً‮»، (النساء: 16).
قال ابن حزم‮: (‬فليتق الله الذي‮ ‬إليه المعاد امرؤ على نفسه،‮ ‬ولتوجل نفسه عند قراءة هذه الآية،‮ ‬وليشتد إشفاقه من أن‮ ‬يكون مختاراً‮ ‬للدخول تحت هذه الصفة المذكورة،‮ ‬المذمومة الموبقة،‮ ‬الموجبة للنار‮. ‬فإن من ناظر خصمه في‮ ‬مسألة من مسائل الديانة وأحكامها التي‮ ‬أمرنا بالتفقه فيها،‮ ‬فدعاه خصمه إلى ما أنزل الله تعالى،‮ ‬وإلى كلام الرسول،‮ ‬فصده عنهما،‮ ‬ودعاه إلى قياس أو إلى قول فلان وفلان‮: ‬فليعلم أن الله عز وجل قد سماه منافقاً‮).‬

طاعة الله والرسول

وقال تعالى‮: ‬«قل أطيعوا الله والرسول فإن تولوا فإن الله لا‮ ‬يحب الكافرين»، (آل عمران: 32) ‬فمن تولى عن طاعة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فهو كافر بصريح نص الآية‮. ‬وقال تعالى‮ في سورة الأحزاب: ‬«ومن‮ ‬يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناَ»، ‬فمعصية سنة النبي‮ ‬صلى الله عليه وسلم هي‮ ‬عين الضلال البين‮.‬
‮‬وقال تعالى‮: ‬«وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب»،‮ ‬(الحشر: 7) وقد دلت الآية على أن من لم‮ ‬يأتمر بأمر السنة ولم‮ ‬ينته عما نهت عنه فإنه‮ ‬يعذب أشد العذاب،‮ ‬ولا‮ ‬يكون هذا العقاب الشديد إلا في‮ ‬حق الكافرين‮.‬
‮‬هذه الأدلة كافية لمن آمن بالله سبحانه وتعالى ربا وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً‮ ‬ورسولاً‮ ‬أن‮ ‬يتمسك بالسنة،‮ ‬ويعض عليها بالنواجذ رغبة في‮ ‬طاعة الله عز وجل وما أعده لعباده الصالحين من جزيل الثواب،‮ ‬ورهبة من معصية الله سبحانه ومخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤدية إلى دخول النار،‮ ‬ويقيناً‮ ‬بأن القرآن والسنة معاً هما مصدر الدين وأساسه المتين،‮ ‬وأنه لا خير ولا فلاح ولا نجاح ولا نصر ولا سعادة ولا تحضر ولا عزة ولا كرامة إلا باتباعهما والتفقه فيهما والاجتهاد في‮ ‬استخراج كنوزهما‮.‬
‮كما أن هذه الأدلة كافية لردع المرجفين وإقامة الحجة عليهم،‮ ‬وزجر المبطلين الذين أدى بهم الجهل بحقيقة الدين،‮ ‬واتباع الهوى،‮ ‬وتقليد الأعداء إلى ترك السنة وبالتالي‮ ‬الانسلاخ من الإسلام،‮ ‬فبم سيلقون ربهم؟ وكيف سيواجهون مصيرهم المحتوم‮: ‬ناراً‮ ‬وقودها الناس والحجارة أعدت للمجرمين.
فالسعيد من ارعوى قبل تحقق الردى،‮ ‬وباب التوبة مفتوح أمام هؤلاء،‮ ‬فهل من توبة نصوح تجب ما قبلها؟ وهل من عودة إلى رحاب الإيمان ومجتمع الإسلام‮؟

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"