حكومة الفخفاخ.. «مفخخة» بـ«النهضة»

03:29 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. محمد عز العرب *

يصوت مجلس نواب الشعب التونسي على منح الثقة لحكومة إلياس الفخفاخ يوم 26 فبراير/شباط الجاري، وهي الحكومة التي أعلن عن تركيبتها الرسمية في 19 فبراير، وفقاً للآجال الدستورية.
تتكون الحكومة الجديدة من 32 وزيراً وكاتب دولة، وعرفت إضافة ثلاث حقائب وزارية، مقارنة بالتركيبة الحكومية التي رفضتها «حركة النهضة» قبل أسبوعين؛ بل إن الفخفاخ أعلن أن «حكومته تتكون من ائتلاف واسع يمثل الطيف السياسي بتنويعاته، منفتحاً على جميع الأطياف السياسية والفكرية، ومبنياً على مذكرة تعاقدية».
وقد حدد البرلمان الترتيبات الإجرائية المخصصة لنيل الثقة؛ إذ سوف تبدأ بعرض برنامج الحكومة، ثم فتح باب النقاش للنواب بمعدل 3 دقائق لكل نائب، وفيما بعد يتم التصويت على الثقة بتصويت واحد على كامل أعضاء الحكومة والمهمة المسندة لكل وزير. ومن المنتظر أن تحصل الحكومة الجديدة على 124 صوتاً، وفقاً لأحد التقديرات، وستكون تلك الأصوات من الكتل البرلمانية التي أعلنت دعمها للفخفاخ، وهي حركة النهضة (54 صوتاً)، والكتلة الديمقراطية (41 صوتاً)، وهي تضم حركة الشعب، وحزب التيار الديمقراطي، وبعض النواب المستقلين، إضافة إلى كتلة حركة «تحيا تونس» (14 صوتاً) وكتلة الإصلاح الوطني (51 صوتاً).
وتعد حكومة الفخفاخ، في حال حصولها على الثقة، هي ال11بعد ثورة 2011؛ إذ تشكلت خلال الفترة من 15 يناير/كانون الثاني 2011 إلى 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عشر حكومات في تونس، ما يعكس عدم الاستقرار السياسي؛ حيث تتشكل حكومة كل عشرة شهور في المتوسط.
ويكشف منح الثقة لحكومة الفخفاخ، عن عدد من الدلالات، على النحو التالي:
1- احتواء الصراع مع النهضة: يبدو أن ثمة حرصاً بين رئيس الحكومة وحركة النهضة على التوافق المشترك، بما يؤدي إلى تجنب خيار حل البرلمان، والدعوة إلى إجراء الانتخابات المبكرة، التي لوّح بها الرئيس قيس سعيد في 17 فبراير/شباط الجاري بأنه «لا بديل عن العودة للشعب»، استناداً إلى الفقرة الرابعة من الفصل 89 من الدستور التي تنص على «إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب، والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة». وهنا، أكد القيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي في تصريحات بتاريخ 19 فبراير الجاري أن «حكومة الفخفاخ لن تنجح دون حركة النهضة»، مؤكداً «أن القرار الرئيسي لحركة النهضة هو المشاركة في الحكومة ولم يتم طرح أي بديل لهذه الحكومة».
وقد اجتمع راشد الغنوشي بأعضاء حركة النهضة المرشحين لتولي مناصب وزارية في حكومة الفخفاخ، وحثهم على المشاركة الإيجابية، والتعاون مع بقية الفريق الحكومي على الرغم من تزايد الخلافات الحادة داخل النهضة؛ بسبب نسبة تمثيلها في الحكومة؛ وعدم منحها وزارات سيادية. يضاف إلى ذلك ما صرّح به أعضاء النهضة من التقدير للظروف الإقليمية المعقدة لاسيما من جهة مخاطر الحرب في ليبيا، والأوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة. غير أن النهضة تخوفت من عدم حصولها على نفس المقاعد في البرلمان الجديد.

المعارضة

2- وجود «قلب تونس» في قلب المعارضة: من المنتظر أن تتجه إلى عدم منح الثقة لحكومة الفخفاخ، بما يضعف الحزام السياسي الداعم لها. ولعل ذلك يفسر لقاء رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ برئيس حزب قلب تونس نبيل القروي بدار الضيافة بقصر «قرطاج» يوم 21 فبراير 2020؛ حيث أكد الفخفاخ «أهمية توفير مناخ سياسي بالبلاد؛ قوامه الاحترام المتبادل بين كل الأطراف، والحاجة لبناء الثقة وتعزيزها وترسيخها». ولعل هذا اللقاء يكشف محاولة الفخفاخ استمالة قلب تونس، إن لم يكن للمشاركة في الحكم، فعلى الأقل لتهدئة توجه المعارضة، على نحو ما عكسته بعض التصريحات الرسمية.
فقد وصف القيادي في حركة قلب تونس عياض اللومي رئيس الجمهورية قيس سعيد بمشروع ديكتاتور خطر؛ حيث قال: إن «رئيس الجمهورية يحاول ممارسة الوصاية على البرلمان والسلطة التشريعية»، وأضاف: «قلب تونس لن يسمح بحل البرلمان، وتلبية شهوات رئيس الجمهورية» على حد تعبيره. كما أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي لإذاعة «شمس إف إم أن» أن «النهضة وافقت على تركيبة حكومة الفخفاخ على الرغم من أنها لم تضم أسماء من قلب تونس؛ لأن مصلحة تونس اقتضت وضع حد لمسلسل غياب الحكومة».
3- مناوأة الأحزاب السياسية الصغيرة: بخلاف حزب قلب تونس، فإن هناك بعض الأحزاب والكتل السياسية المعارضة، خاصة ائتلاف الكرامة (21 صوتاً) الذي يقوده سيف الدين مخلوف، والحزب الدستوري الحر (17 صوتاً) بزعامة عبير موسى؛ حيث أعلنا انضمامهما إلى صفوف المعارضة، ومنع احتكار حزب النهضة للحكم، وإن كانت هناك أصوات حزبية ومستقلة معارضة؛ ولكنها تتسم بالضعف الشديد.
فقد أكد النائب عن «حزب صوت الفلاحين» فيصل التبيني في تصريحات بتاريخ 23 فبراير الجاري أنه «لن يمنح الثقة لحكومة الفخفاخ يوم الأربعاء المقبل»، مشيراً إلى «أن مصلحة البلاد تقضي بإعادة الانتخابات؛ لأن مشهد الحكومة ينبئ بالانفجار قريباً؛ حيث إن حكومة الفخفاخ غير متجانسة وليس لها أي برنامج واضح». كما أعلن النائب المستقل صافي سعيد عن نيته عدم التصويت لمصلحة حكومة إلياس الفخفاخ، كما أشار إلى «عزمه تأسيس حزب سياسي جديد».

دعم أتحاد الشغل

4- دعم «اتحاد الشغل» لتشكيل الحكومة: أعلن نور الدين الطبوبي رئيس نقابة العمال (اتحاد الشغل) في تصريح خلال افتتاحه مؤتمر نظمته الجامعة العامة لأطر وزارة العدل وأملاك الدولة «هيكل نقابي» بتاريخ 18 فبراير الجاري عن انفراج الأزمة السياسية الخانقة في البلاد، وقرب الإعلان عن تشكيلة الحكومة التونسية، في إطار توافق شامل يخدم المصلحة الوطنية، وهو ما جاء في أعقاب اجتماعات الأطراف السياسية المتنازعة، وكيفية توزيع حقائبها الوزارية. وقد جاء هذا التصريح قبل إعلان الفخفاخ عن التشكيل أو صدور تصريح عن راشد الغنوشي باعتباره الطرف الرئيسي المؤثر في الأزمة السياسية. ولم يكن ذلك هو التوجه الأول لاتحاد الشغل؛ إذ سبق أن قادت جلسات الحوار الوطني التي نظمتها نقابة العمال إلى تجاوز الأزمة السياسية في عام 2013.
إن هناك هدفاً محورياً لرئيس الحكومة الفخفاخ، هو توزيع الحقائب الوزارية بما لا يؤدي إلى هيمنة من فصيل سياسي بعينه، وتحديداً النهضة، وصار لديها سبع وزراء؛ وذلك باعتماد الفخفاخ على عدد من الشخصيات المستقلة والتي لا تخضع لأوامر حزبية، على نحو يمكن اعتباره عامل استقرار للحكومة خلال الفترة المقبلة. وسيظل التحدي القادم لما بعد تشكيل الحكومة مرتبطاً باستمرار تعايش أطراف الائتلاف الحكومي، وتحديداً ما بين النهضة وائتلاف الكرامة، وتقلبات حزب قلب تونس، وقدرة الحكومة على مواجهة الأوضاع الاقتصادية والضاغطة على الرأي العام التونسي على مدى عقد مضى.

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية - مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"