خميس العبدولي: لا مستقبل لأمة من دون تراثها الأصيل

ترعرع في أسرة تحب العلم والقراءة
00:24 صباحا
قراءة 6 دقائق
حوار: بكر المحاسنة

ألقت الحياة القاسية التي عاشها أهل الإمارات قديماً بظلالها على نشأة الوالد خميس العبدولي، في منطقة الطيبة، بإمارة الفجيرة، حيث الطبيعة الشحيحة، وكل شيء كان يحتاج إلى جهد وكفاح لتوفير مصدر رزق بسيط للحصول على الطعام، والماء، والكساء وكل ما يعتبر من ضروريات الحياة.

ولد العبدولي وعاش في بيوت مبنية من الطين والحجارة في مواسم الشتاء، وبيوت العريش في مواسم الصيف، وفي فترة الستينات عندما كان عمره نحو 10 أعوام أرسله والده إلى مدينة دبا الفجيرة لكي يتعلم القرآن الكريم، ليصبح بعدها إمام المسجد الوحيد في المنطقة.

في بداية السبعينات سافر إلى الدمام في السعودية للعمل ، حيث كانت المنطقة الشرقية بالمملكة تشهد ثورة في الإعمار بسبب عوائد النفط آنذاك، وعاد إلى البلاد بعد قيام الاتحاد بسنة واحدة، ومنذ ذلك الوقت قرر الاستقرار في بلده والمساهمة في بناء الوطن الذي يحتاج إلى سواعد أبنائه، فعمل لدى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بعد إجراء المقابلات في مدينة الفجيرة ليصبح إمام وخطيب مسجد الطيبة، ومنذ تلك الفترة بقي يحفظ القرآن لأهالي المنطقة، إلى جانب الإمامة والخطابة حتى عام 2014. في السطور التالية، يستفيض الوالد خميس العبدولي في رحلته ليروي لنا قصصاً من عبق التاريخ والذاكرة والحياة..

يقول العبدولي: «أنا من مواليد عام 1948 ولدت في منطقة الطيبة ونشأت في حياة مملوءة بالمتاعب نظراً لظروف الحياة الجبلية الصعبة، ولعدم وجود مصادر رزق، وغياب أي خدمات كما هي الحال عليه اليوم في وطني العزيز. ترعرعت في أسرة تحب العلم والقراءة، ومنذ نعومة أظفاري دأبت على مطالعة الكتب التي ورثها أبي عن جدي، ومنذ أن كنت في السابعة، كان والدي، رحمه الله، شديد الحرص على أن أكون مثله من حفظة القرآن الكريم، فهو كان إمام وخطيب أهالي المنطقة».

يضيف: «عمل والدي على إرسالي إلى منطقة دبا، وكنت أذهب بواسطة الركوب على الحمير والخيول، وكنت أقيم في مدينة دبا لمدة يومين أو ثلاثة، إذ كانت الرحلة وقتها شاقة جداً، فكنا نقطع مسافة 45 كيلومتراً مروراً بمنطقة العيينة التي كانت تشتهر مع الطيبة بالمياه الغزيرة في مواسم الأمطار، وكنا نمشي أنا وبعض أهالي المنطقة، أو أسير وحدي، عبر الوديان الملتوية والطرق الجبلية الوعرة بصعوبة شديدة، مرة على ظهور الخيول والحمير، وأخرى سيراً على الأقدام، فكانت السيارات نادرة في ذلك الوقت، لنصل إلى دبا».

ويتابع العبدولي، قائلاً: «كنت أتعلم القرآن وأحفظه على يد 3 من المطاوعة، رحمهم الله، هم المطوع راشد عبدالله، ومطوعة تدعى فاطمة البندلية، والمطوع حمدان جمعة سالم، وكنا نتجمع مع عدد من أبناء مناطق دبا في تلك الفترة في بيت عريش مبني من سعف وجريد النخيل، وبفضل الله بدأت أقرأ القرآن وأحفظه، وأتعلم الأحاديث النبوية، وكثيراً من الأمور الدينية، وبقيت أتعلم القرآن حتى سن 13 عاماً، وبدأت تعليمه وتحفيظه إلى أبناء المنطقة، والمناطق المجاورة، وأصبحت مؤهلاً لكي أكون إمام مسجد الطيبة وتنظيم حلقات تحفيظ القرآن وتعليمه».
وبسبب قلة مصادر الزرق، وعدم وجود موارد للعيش، قرر العبدولي وبعض أبناء الطيبة والمناطق المجاورة السفر إلى الخارج للبحث عن مصدر رزق، فكان توجههم إلى المملكة العربية السعودية في منطقة الدمام، بواسطة القوارب المتوجهة إليها من دبي، حيث عمل هناك لمدة 5 سنوات حتى بداية السبعينات، وبعد قيام الاتحاد برئاسة المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، رجع إلى الفجيرة وشغل وظيفة إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في العام 1975.
ويقول: «كنا نعيش في الماضي في منازل قديمة، المبنى الشتوي من الأحجار والطين المحروق والمطعم بالحصى وسعف النخيل، والصيفي، أو ما يعرف بالعريش، فيبنى من سعف النخيل وجريده، وكان والدي يقيم فيه في فصل الصيف على رؤوس الجبال المحيطة بالقرية وبالمزارع في مواسم القيظ. فكان والدي يصيف في منطقة العيينة معظم وقته التي كان يمتلك فيها كثيراً من أشجار النخيل والمانجو، ويشتي في منطقة الطيبة، وكنت أنا وأهل بيتي نعتمد في منطقة الطيبة على ما تجود به الطبيعة، فاعتمدنا على الزراعة خصوصاً النخيل والحمضيات ورعي المواشي وتربيتها، إضافة إلى جمع عسل النحل البري، وجمع الحطب للأشخاص الذين يذهبون إلى أسواق دبي، والشارقة لبيع تلك المنتجات أو مقايضتها».
وعن منطقة الطيبة، يقول العبدولي: «مرت منطقة الطيبة الجبلية التي ولدت وترعرعت فيها خلال القرن العشرين بمراحل ومنعطفات عدة، كان لها الأثر الكبير في حياة الناس قديماً وحديثاً، تمثلت المرحلة الأولى في عهد المغفور له الشيخ محمد بن حمد الشرقي، التي يمكنني القول إنها مرحلة التأسيس والتكوين، حيث دأب، رحمه الله، على التردد على المنطقة للاطمئنان على الأهالي وتفقد أحوالهم وحل مشكلاتهم، وكانت لا توجد شرطة أو محاكم إلا فيما بعد».
ويضيف: «كانت الطيبة قديماً تحتل موقعاً استراتيجياً بالربط بين المنطقة الساحلية بدبا والمناطق الجبلية بالصحراء، مروراً بالذيد والساحل الغربي، وجنوباً بمدينة الفجيرة، وشمالاً بمدينة رأس الخيمة. وامتهن الأهالي الزراعة والرعي في ذلك الوقت، وبدأت التجارة تصل إلى القرية الصغيرة في بداية الستينات فكانت البضائع تصل من دبي ليتم بيعها بالروبية آنذاك، وتأسست المحال القديمة التي تعرف بالدكان التي تعرض اللوازم الضرورية في ذلك الوقت، وساعد الحركة التجارية الطريق القديم الذي يصل إلى دبا مروراً بواحة العيينة الجبلية التي تترامى حوله الطويان، ومن أهمها (طوي ساتر) التي كانت بمثابة المحطة الرئيسية للمارة في ذلك الوقت، وساهم الإنجليز في شق الطريق قديماً وبمساعدة سواعد الرجال من المناطق المجاورة طلباً للقمة العيش، وبمتابعة شخصية من الشيخ محمد الشرقي، رحمه الله».
وعن المرحلة الثانية، يقول: «يمكن تسميتها بمرحلة البناء والتلاحم، التي بدأت مع الاتحاد، وتسلم صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الفجيرة، مقاليد الحكم خلفاً لوالده، رحمه الله، فبنيت المساكن ومهدت الطرق وأصبحت الحياة مختلفة، وتوفرت سبل العيش الكريمة وحل التلفاز والراديو محل الخنادق، ومقاعد الدراسة محل السقاية، وانتشرت التكنولوجيا».
ويختتم الوالد العبدولي حديثه، قائلاً: «الجيل القديم يحمل على عاتقه رسالة للأبناء عن الحياة قديماً، إنها ثقافة وتراث شعبي غني لا بد لنا من التمسك بها».

حب واحترام

عن طرق العيش قديماً، يوضح الوالد خميس العبدولي أن الحياة قديماً كانت قاسية بطبيعتها لعدم وجود موارد ومصادر رزق، لكنها كانت حياة مملوءة بالعلاقات الاجتماعية التي اختفت في يومنا هذا، كانت حياة قائمة على حب الجميع، واحترام الجميع، وقائمة على صلة الرحم، واحترام الجيران، والخوف على مصلحه جميع أبناء المنطقة. يقول: «بفضل الله تشربت من والدي شيم الرجال، وحب وتقديس العمل، وأهميته من أجل استمرار الحياة، وأهمية التواصل الاجتماعي والمحافظة على العادات والتقاليد، وتحفيظ القرآن الكريم للأجيال الجديدة، وتعليمهم أمور الدين والدنيا، حتى يشبوا متماسكين ومترابطين فيما بينهم، وبفضل الله أصبح هناك كثير من حفظة القرآن. كما كانت الأسرة متماسكة فهي النواة الأساسية لقبيلة العبدولي، وتمثل النموذج الأمثل للأسرة، وكانت المرأة الإماراتية في منطقة الطيبة شريكة الرجل في أعباء الحياة، ولها دورها الكبير في الحياة اليومية، إضافة إلى رعاية الأبناء وتنشئتهم على التربية الصالحة القائمة على الأخلاق الحميدة والدين الإسلامي السمح».

مكرمة سخية

يشير العبدولي إلى أنه بعد قيام الاتحاد بثلاث سنوات، انتقل إلى العيش هو وجميع أهالي المنطقة من البيوت القديمة إلى منازل شعبية بنتها الحكومة الدولة. ويؤكد العبدولي أنه لا يمكن وصف فرحة الأهالي آنذاك، وعمت أجواء السعادة ابتهاجاً بهذه المكرمة السخية، إذ كانت البيوت مجهزة بجميع خدمات الماء والكهرباء، وبقي في تلك المنازل حتى عام 2014 حتى انتقل إلى العيش في فيلا من برنامج الشيخ للإسكان.

«البيدار»

يقول الوالد خميس العبدولي: «كانت حياتي أنا وجميع أهلي، حياة بسيطة مبنية على العادات والتقاليد العربية، وعلى مبدأ المحبة والتعاون والمساعدة، حيث الكل يتعاون ويبادر في تقديم يد العون والمساعدة لإخوانه من أبناء المنطقة، في بناء منزل، أو جني التمور، أو في المناسبات، وأشير هنا إلى أن كلمة (البيدار) كانت ترافقنا في كثير من الأوقات، وهي من المبادرة والعمل بأجر، أو الحصول على جزء من المحصول، وتطلق تلك الكلمة اليوم على عمال المزارع».

منازل

يشير الوالد خميس العبدولي إلى أنه بعد قيام دولة الاتحاد بثلاث سنوات، انتقل إلى العيش هو وجميع أهالي المنطقة من البيوت القديمة إلى منازل شعبية جديدة بنتها الدولة لهم.
ويؤكد العبدولي أنه لا يمكن وصف فرحة الأهالي آنذاك، وعمت أجواء السعادة ابتهاجاً بهذه المكرمة السخية، إذ كانت البيوت مجهزة بجميع خدمات الماء والكهرباء، وبقي في تلك المنازل حتى عام 2014 حتى انتقل إلى العيش في فيلا من برنامج الشيخ للإسكان.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"