دبا الحصن منطقة عائمة على الآثار

مساحة من الهدوء وسط الجبال
12:28 مساء
قراءة 5 دقائق

تتميز منطقة دبا الحصن التابعة لامارة الشارقة على مسافة 95 كيلومتراً تقريباً الى الشمال من مدينة الفجيرة على ضفاف الشاطئ الغربي من خليج عمان بمكانتها التجارية على مر العصور بخلاف منزلتها العريقة التي يشهد عليها التاريخ وسماتها من هدوء وجمال وروعة الجبال

المنتصبة من حولها في شموخ وكبرياء هذا علاوة على حصنها الأثري الذي يعود بتاريخه الى مئات السنين. واشتهر سكان دبا الحصن قديماً ولغاية وقتنا هذا بزراعة العديد من المحاصيل الزراعية وامتهان حرفة الصيد. الخليج زارت المنطقة وتجولت في ربوعها فكان هذا التحقيق.

وصلنا الى ربوع دبا الحصن حوالي الرابعة عصراً وتجولنا في شوارعها وازقتها الضيقة لرصد معالمها التاريخية والأثرية عن قرب وعقب توثيقنا لبعض المشاهد التي تزدان بها هذه المنطقة اصطحبنا الشاب سعيد مرزوق الظاهري الى حيث مجلس الشواب بالقرب من منطقة الميناء وهناك استقبلنا الجميع بحفاوة بالغة وحدثنا بداية خميس بن جاسم بن عبيد عن أوضاع الحياة والمعيشة قديماً فقال عشنا في السابق ومن قبلنا الأولون أوضاعاً حياتية قاسية واعتمادنا لكسب الرزق ارتكز على زراعة المحاصيل الزراعية كالحب والذرة والشعير والطماطم واللوبيا والبطيخ والدخن والقمح والبصل والهامبا المانجو وتربية الهوش والبوش وصيد الاسماك وبيع هذه الخيرات أو المقايضة عليها مع التجار.

وحول طرق الزراعة قديماً قال أنا من رعاة البر أي مزارع وهذه المهنة توارثتها عن الآباء والأجداد ونهلت منها خبرات حول طرق ووسائل زراعة صنوف شتى من المحاصيل الزراعية.

واردف قائلا: كنا في الماضي نستخدم طرقا بدائية في الزراعة حيث نقوم بداية بتجهيز الأرض وتنظيفها من الشوائب قبل البدء في هياستها حرثها بواسطة الثيران ثم نقوم بحفر وشق المناه قنوات لتصريف المياه داخل المزرعة ثم تأتي مرحلة غرس الحبوب المراد زراعتها والتسميد كان يتم على نحو دوري باستخدام بقايا الاشجار والاوراق المتساقطة وبعض فروع الاشجار والعروق والسيقان عقب حرقها وتحويلها الى رماد ورشه مع مياه الآبار أو باستخدام سماد البقر والاغنام روث الماشية أو باستخدام التقشيع من خلال تجفيف اسماك معينة كالبرية والعومة والصيمة واليميامة والجوجو والقرش ورشها على التربة، وأخيراً وفي نهاية الموسم يتم قطع المزروعات باستخدام الدراس قطعة من الحديد بطرفها مقبض خشبي وعند قطع الاشجار الكبيرة نقوم باستعمال الخصين أو الفأس وتتم بعد ذلك عملية جمع المحصول وبيعه وتسويقه للتجار.

ويؤكد خميس عظم دور المرأة قديماً وحرصها على مساعدة زوجها في زراعة الأرض من دون كلل أو ملل علاوة على رعايتها لمنزلها واطفالها.

ويخبرنا علي محمد سعيد عن احوال التجارة قديماً بالمنطقة فيقول: كان لدبا الحصن سوق عجت دهاليزه بالحركة وصخب رواده لدرجة أنه اشتهر خلال تلك الحقبة الزمنية باسم بومباي حيث كان يستقبل البضائع من البصرة والكويت وايران وقطر والبحرين والسعودية وعديد من دول شبه القارة الهندية ويتم بواسطته كذلك تصدير الليمون اليابس والتمور والاسماك بأنواعها إضافة الى الدعون والحطب.

ويشير الى أن الاهالي كانوا يميلون الى تسويق بضائعهم داخل اسواق دبي أو الشارقة نظراً لبعد المسافة التي كانت تتطلب أياماً عبر الجبال والطرقات شديدة الوعورة.

ويقول الحاج عبدالعزيز محمد رشيد عشنا في السابق في ترابط ومن يملك لا يستطيع أن يبخل على أخيه، ويحضرني أيام الاعياد أننا كنا نخرج في جماعة عقب صلاة الفجر وعددنا وقتها كان لا يتجاوز 70 فرداً الى مصلى العيد بالسيح وعقب أداء الصلاة نهم بنحر الذبائح وإقامة الولائم بالتناوب فيما بيننا وبتزاور الجميع ابتهاجاً بهذه المناسبة.

موسى حسن البلوشي قال: كنا اسرة واحدة جميعنا يساعد بعضه بعضا ونادراً ما كانت تحدث بيننا خلافات وان وقعت فيتم الاحتكام مباشرة لوالي المنطقة الذي ما يلبث ان يحتوي هذه الأمور البسيطة ويحلها بفطنة وحكمة وعلى هذا نشأنا وربينا ابناءنا وغرسنا فيهم أهمية توطيد الصلات الاجتماعية ليعيشوا متحابين ومترابطين.

من ناحيته يقول الحاج علي سعيد بن ربيع: نشأنا منذ نعومة اظفارنا على حب العمل والسعي والكد لطلب لقمة العيش، ولم يكن بيننا ذات يوم كسول أو متواكل، فهذا مثلاً راعي البر في مجاله وهذا راعي البحر معرضاً حياته للخطر من أجل تأمين القوت اليومي لا الشهري أو السنوي لاسرته كما يفعل البعض الآن وهذا آخر قرر السفر الى السعودية أو الكويت أو البحرين لا لشيء إلا طلباً لتحسين مستواه المعيشي، مشيراً الى ان الفرد اذا تحصل على 30 روبية نهاية الشهر من عمله في مجال تحميل البضائع أو في المعمار فإن أول شيء كان يفكر به هو كيفية ايصال هذا المبلغ الى اسرته لاعانتها على ظروف الحياة. ويخبرنا عن وضعية المساكن القديمة للأهالي فيقول: عشنا ومن قبلنا الآباء والأجداد بالمنطقة في نوعين من المنازل احدهما للسكن خلال فصل الشتاء وهو عبارة عن بيت بدائي بسيط دعامته الأساسية الطابوق الطيني وغصون الاشجار أما الآخر فيسمى العريش ويتم تصنيعه من سعف وجذوع النخيل بالقرب من شاطئ البحر، وحقيقة عانى الأهالي كثيراً من العيش بهذه المنازل التي كانت تتأثر بشدة حال هطول الأمطار أو الرياح العاصفة الأمر الذي كان يصيب الجميع بالخوف والهلع. وحول طرق العلاج قال: اعتمدنا في علاج مرضانا على الوسم الكي بالنار إضافة الى استخدام ما تجود به الطبيعة من اعشاب عند هطول الأمطار كما كنا نستعمل مياه البحر لعلاج المصابين بالكسور حيث يتم وضع المريض قرابة الساعتين داخل المياه ويقوم المطبب بعلاجه وفقاً لطرق معينة ويلفت الى أن الأهالي كانوا لا يتكلفون في مهور بناتهن المقبلات على الزواج مقارنة بما يحدث حالياً حيث كان مهر الفتاة لا يتعدى 25 روبية ونحر ذبيحة أو ذبيحتين خلال العرس.

وعن سبب تسمية دبا الحصن بهذا الاسم قال: لا احد منا يعرف السبب الحقيقي وراء هذه التسمية فمنذ ان وعينا على الحياة والمنطقة كما اخبرنا الآباء والأجداد بهذا الاسم.

ويقول علي أحمد الظهوري إن دبا الحصن عائمة على بحيرة من الآثار وتاريخها الممتد الى العصر الجاهلي وصدر الاسلام خير برهان على ذلك.

وخلال لقاءات مع شباب المنطقة يقول سعيد مرزوق الظاهري: المتأمل في ماضي دبا الحصن سيجد الى أي مدى طال التقدم جميع أرجائها بفضل الرؤى السديدة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو الملجس الأعلى حاكم الشارقة حيث بنيت المساكن الجديدة للمواطنين وعبدت الطرقات وأسست الدوائر الحكومية للتسهيل على الأهالي ولمساعدتهم على انجاز وتخليص المعاملات على نحو اسرع وأفضل.

ويقول المهندس محمد بن يعروف لا أحد ينكر حجم التطور الكبير والهائل الذي طرأ على المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية وهذه مكارم يدين بها الأهالي لحكومة الشارقة التي تعمل على توفير كل مقومات الحياة الكريمة للمواطنين.

وتقول هبة محمد رشود إن أوضاع دبا الحصن تغيرت تماماً الى الأفضل، وتؤكد ان شارع العقد الفريد يعد بمثابة لوحة حضارية مشرفة لامارة الشارقة بالمنطقة الشرقية.

بدوره يقول عبدالله زيد الشحي إن دبا الحصن نالت قسطاً كبيراً من التحضر الذي يتناسب مع مكانتها التاريخية والأثرية، مشيداً بالطفرة الهائلة التي حققتها حكومة الشارقة في مجال الاسكان والخدمات المرافقية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"