سيرة عقل

01:22 صباحا
قراءة دقيقتين
علاء الدين محمود

ليست مصادفة ولا حدثاً عابراً أن يتم اختيار اللبنانية د. يمنى العيد شخصية العام الثقافية للمعرض، حيث تعتبر من أبرز النقاد العرب في الوقت الحالي، فهي أستاذة في النقد العربي في أكثر من جامعة عربية وغربية، وتلك مكانة وصلت إليها بعد رحلة طويلة من العلاقة مع النصوص الإبداعية والنقد ومناهجه التي أخضعتها لرؤية خاصة فما عادت أسيرة مدرسة واحدة. فبعد مسيرة حافلة بدأت منذ سبعينات القرن الماضي مع محاورة المناهج النقدية والتحولات الفكرية، خلصت إلى رؤيتها الخاصة، فصارت لها مدرسة قائمة بذاتها ومشروع معرفي، فأصبحت علماً عربياً في هذا المجال، وهو الأمر الذي قاد إلى الاهتمام بها وبمؤلفاتها التي صارت مرجعاً في النقد والأدب.
ولعل من أبرز ثمار ذلك التراكم المعرفي الكبير عملها، بشكل أساسي، على توظيف النقد في حركة الواقع اليومي المعاش وبمسيرة المجتمع ومتغيراته، فقد كان هاجسها الأول هو تكوين وعي معرفي بالواقع ضد الجهل والبؤس، وبالتالي سعت عبر رؤيتها تلك إلى تحرير المجتمعات العربية من الأفكار القديمة التي لا تنتمي إلى المعرفة والعلم، ويبدو هذا الأمر واضحاً من خلال مؤلفاتها المتعددة التي من أبرزها: «ممارسات في النقد الأدبي»، و«الدلالة الاجتماعية لحركة الأدب الرومانتيكي»، و«الكتابة تحول في التحول.. مقاربة للكتابة الأدبية في زمن الحرب اللبنانية»، و«في معرفة النص»، و«الماركسية وفلسفة اللغة لميخائيل باختين» وغيرها، وهي المؤلفات التي وضعت فيها تصورات تربط بين الأدب والنقد وحركة الواقع الاجتماعي، لذلك وجدت هذه الدراسات صدى كبيراً في الحقل النقدي الأكاديمي العربي.
إن أكثر ما يميز ذلك الاسهام المعرفي والأكاديمي الكثيف ليمنى العيد، هو تشديدها على ممارسة النقد في الحياة لكي يصبح أداة الناس من أجل ألا يظل العقل حبيس التقليد وإصدار الأحكام، وهذا أمر له أهميته في مجابهة مشاكل العالم العربي خاصة حول قضايا المرأة التي تناولتها باهتمام خاصة في مؤلفها «قاسم أمين.. إصلاح قوامه المرأة». لقد كانت تناهض سيادة نمط تفكير قديم، صاحبه بروز خطاب التعصب والانغلاق على يد بعض الجماعات الدينية التي تحاول أن تفرض نفسها على المشهد العربي. لقد كانت رؤية يمنى العيد لحظة مجابهة، وانقلاباً في طرائق التفكير التقليدية، ودعوة للتفكير الحر المحتكم إلى العقل.
ولئن كرّست العيد حياتها للدراسات النقدية؛ فهي كذلك صاحبة كتابة إبداعية باذخة خاصة في مؤلفها «أرق الروح»، وهو من جنس السيرة الذاتية، وفيه تقدم سرداً معطراً بلغة الأدب حول حياتها ونضالها الطويل. كما ينفتح المؤلف على تلك الأسئلة التي كانت تنتابها حول المفاهيم الاجتماعية المختلفة، فكأن الكتاب هو سيرة عقل في جدل مستمر لا يهدأ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"