قانون الانتخابات التونسي.. «معمعة» حزبية

02:33 صباحا
قراءة 5 دقائق

محمد عز العرب*

حالة من الجدل تشهدها الساحة السياسية التونسية؛ جرّاء مصادقة مجلس نواب الشعب (البرلمان) على مشروع تعديل قانون الانتخابات؛ وذلك قبيل الموعد المرتقب للانتخابات التشريعية ثم الرئاسية المقررة في أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني 2019، على التوالي، وفي حين دعمت التعديلات الكتل الحزبية الكبرى، وخاصة حركة النهضة ونداء تونس وحزب تحيا تونس، الذي يترأسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وصاحب فكرة التعديلات المثيرة للجدل، رفضت الأحزاب الصغرى؛ وخاصة القومية واليسارية، والجمعيات الحقوقية إلى جانب الناشطين الحقوقيين، هذه التعديلات.
ترى الكتل الحزبية الكبرى أن التعديلات الجديدة تحمي الديمقراطية التونسية الوليدة، وتحفظها من تدخلات المال السياسي والتمويل الأجنبي، كما تزيح بعض الشخصيات الموالية لنظام بن علي، الذي قامت الثورة التونسية لإطاحته من ولوج الحياة السياسية وإفسادها مجدداً، بينما ترى القوى الحزبية الصغرى والشخصيات المستقلة، أن التعديلات المصادق عليها تمثل استمراراً لهيمنة الأحزاب الكبرى، وتهميشاً للفاعلين الجهويين، وإقصاءً متعمداً لشخصيات بعينها؛ بما يمثل جوهر ديكتاتورية الأغلبية.
وسط حالة من الجدل في الشارع السياسي التونسي، صادق مجلس نواب الشعب (البرلمان)، في 18 يونيو/حزيران 2019، على مشروع قانون؛ يقضي بتعديل القانون الأساسي للانتخابات لعام 2014؛ وذلك بمشاركة 172 نائباً من أصل 217 هو عدد نواب المجلس، بموافقة 128 نائباً، واعتراض 30 عضواً، وتحفّظ 14 عضواً وامتناعهم عن التصويت.
وتأتي مصادقة مجلس نواب الشعب في تونس على مشروع القانون؛ بعد نحو 5 أشهر من النقاشات البرلمانية داخل أروقة المجلس، وسجالات أخرى موازية بين الأحزاب والقوى السياسية في الشارع السياسي التونسي؛ استعداداً لانتخابات أكتوبر ونوفمبر، ما يعني أن تونس ستكون بانتظار خريف سياسي ساخن على الصعيدين (النيابي والرئاسي)، وسط حالة من الانشقاقات الحزبية والتكتلات الجديدة، بما قد يقود إلى خريطة سياسية جديدة في البلاد.
النقاط الخلافية:
ويتضمن مشروع تعديل القانون الانتخابي، العديد من النقاط المثيرة للجدل؛ أبرزها: الإبقاء على عتبة انتخابية، في الانتخابات التشريعية، تقدر نسبتها ب3%، كحد أدنى من الأصوات التي يشترط القانون الحصول عليها من قبل الأحزاب والقوائم الانتخابية؛ لضمان الحصول على أحد المقاعد المتنافس عليها في مجلس النواب، وهي العتبة التي كانت أصوات تطالب برفعها إلى 5%.
كما ينص مشروع تعديل القانون على «عدم احتساب الأوراق البيضاء والأصوات الراجعة للقوائم الانتخابية التي حصلت على أقل من 3% من الأصوات المصرّح بها على مستوى الدائرة الانتخابية في احتساب الحاصل الانتخابي».
هذا إلى جانب إضافة بند جديد (الفصل 42 مكرر) ينص على «عدم قبول الترشح للانتخابات التشريعية لكل شخص أو قائمة تبيّن للهيئة العليا للانتخابات قيامه أو استفادته خلال ال12 شهراً التي تسبق الانتخابات بأعمال يمنعها المرسوم (87)؛ المتعلق بتنظيم الأحزاب السياسية أو مُسيريها، أو تبيّن قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي».
ويطرح هذا النص شروطاً جديدة على المرشح؛ من بينها: عدم قيامه بتوزيع مساعدة مباشرة لمواطنين أو استفادته من دعاية سياسية؛ عبر بوابة العمل الإعلامي أو الخيري، خلال المدة المنصوص عليها، والمقدرة بال12 شهراً السابقة لموعد الانتخابات، ويقتضي ذلك أيضاً عدم اضطلاع المرشح بتلقي أموال أجنبية أو تبرعات من شركات، أو اضطلاع بتوزيع مساعدات أو القيام بدعاية سياسية، يستفيد منها في موقفه الانتخابي.
هذا إضافة إلى «حظر مشاركة من لديهم سجلات قضائية، في الترشح للانتخابات الرئاسية أو التشريعية»، ويدخل في عموم هذا النص السجلات القضائية ذات الطبيعة السياسية، وكذلك حظر ترشح الذين «يشيدون بالديكتاتورية» للانتخابات العامة في البلاد، ويدخل في عموم هذا الحظر أنصار وفلول النظام السابق ممن بقوا على ولائهم للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي قامت الثورة التونسية بالأساس؛ للتخلص من إرثه الديكتاتوري.
وعلى صعيد المواقف الحزبية من مشروع تعديل القانون الانتخابي والمصادقة عليه، فقد حظي المشروع الذي قدم مقترحه الأول رئيس الحكومة يوسف الشاهد، زعيم حزب تحيا تونس الجديد، المنشق عن حزب نداء تونس، حزب الرئيس الباجي قائد السبسي، بموافقة حركة النهضة «الإخوانية»، التي تمتلك الأغلبية البرلمانية، وكذا غالبية نواب حزب نداء تونس، الذي ظل حليفاً للنهضة على مدى أربع سنوات قبل أن يحدث الطلاق البائن بين الحزبين؛ إثر اتهامات طالت النهضة بدعم الإرهاب والاغتيالات السياسية في البلاد.
في حين ترفض الأحزاب القومية واليسارية والجمعيات الحقوقية ونشطاء حقوق الإنسان والحريات العامة هذه التعديلات، معتبرة إياها تكريساً لهيمنة الأحزاب الكبرى، واستمراراً لتهميش الأحزاب الصغرى التي تنشط جهوياً ويغيب عنها الحضور على المستوى القُطري؛ إذ تعيق العتبة الانتخابية ولوج هذه القوى إلى مجلس نواب الشعب حتى إشعار آخر، علماً بأن هذه العتبة لم تكن معتبرة في الفعاليات الانتخابية السابقة منذ اندلاع الثورة عام 2011.
وترى الأحزاب الصغيرة أن العمل ببنود التعديلات الجديدة، بعد المصادقة عليها برلمانياً؛ من شأنه أن يضرب التنوع السياسي في البرلمان في مقتل، ويقلص كثيراً من فرص تلك الأحزاب في الفوز بمقاعد في الانتخابات التشريعية القادمة، ومن ثم فقد طالب الاتحاد العام التونسي للشغل صاحب النفوذ السياسي الكبير في البلاد بتأجيل موعد تطبيق التعديلات الجديدة إلى ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، معللاً ذلك في بيان له بأن «الرغبة في تغيير هذا القانون في هذا الظرف الحساس تبدو متأخرة، وأن من شأنها زيادة حدة التجاذبات السياسية، وتعميق تعكير المناخ السياسي؛ بما قد يفضي إلى إفساد العملية الانتخابية برمتها».
ويرى الكثير من المراقبين أن المصادقة على تعديل القانون الانتخابي قبيل أشهر قليلة من بدء الانتخابات التشريعية والرئاسية؛ يمثل تغييراً لقواعد اللعبة السياسية، ويعد نوعاً من أنواع التأثير والتحكم المسبق في نتيجة الانتخابات، إضافة إلى كونه إقصاء متعمداً للخصوم المحتملين بما يمس بجوهر العملية الديمقراطية، ويؤشر بشكل كبير إلى عودة الدكتاتورية. ويزيد من حدة الجدل حول المصادقة على تعديلات القانون الانتخابي في تونس، كون بعض بنود التعديلات الجديدة يبدو مفصلاً على مقاس شخصيات معارضة بارزة، ربما لا تنتمي للخريطة الحزبية التقليدية الرئيسية في البلاد؛ للحؤول دون ترشحها للانتخابات.
..وأخيراً؛ فإنه إزاء الجدل السياسي الكبير الحاصل في تونس؛ بعد إقرار المصادقة على مشروع تعديل القانون الانتخابي، فإن ثمة احتمالات عدة، على الصعيد النظري والإجرائي على الأقل، يمكن من خلالها إعادة النظر في هذا المشروع المثير للجدل؛ أبرزها: الطعن بعدم الدستورية، وهو ما يعتزم نحو 51 عضواً بالبرلمان، بعضهم من تكتل نداء تونس الحاكم، بالمخالفة لموقف الحزب، القيام به، أو قيام رئيس الجمهورية برد مشروع التعديلات إلى المجلس مع التعليل للتداول مرة ثانية، أو اضطلاع رئيس الجمهورية بطرح القانون المعدل؛ للاستفتاء الشعبي، إعمالًا للفصل ال82 من الدستور التونسي.


*رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"