قضبان الأفكار المسمومة

03:30 صباحا
قراءة دقيقتين

باسمة يونس


لو كان أدب المراهقين مجرد قصة للقراءة وإمتاع الخيال، لكانت روايات «هاري بوتر» هي الأعظم في تاريخه، لكن حقيقة أن أدب المراهقين يلعب دوراً مهماً في حياتهم، ويهيئهم لدخول عالم الكبار، واستكشاف مشاعرهم وفهمها أكثر مما تفعل الكتب المدرسية أو نصائح الوالدين، يجعل «هاري بوتر» أسوأ ما يمكن تقديمه لهم، كأدب يشكل تصوراتهم للعالم، ويوفر لهم فرصة اكتشاف ذواتهم. وتكمن أهمية أدب المراهقين في أنه قادر على الإجابة عن تساؤلاتهم التي لا يتوقفون عن طرحها على أنفسهم، مثل: «ما الذي أؤمن به؟» و «أي نوع من الأشخاص أريد أن أكون»؟ وهذا ما سيجعلنا ندرك سبب اندفاع المراهقين وشغفهم بالروايات التي تقدم لهم بطولات تتمحور حول خوارق من مسوخ وحيوانات، وسيجعلنا نعلم بأنهم يهرولون إليها بسبب إهمالنا هذه الأسئلة، واستسهال ترجمة الأعمال الغربية، عوضاً عن التنقيب في تاريخنا الثري بالبطولات.

ورغم إدراكنا حجم الهوة التي ندفعهم نحوها، لم نفعل شيئاً من أجل الارتقاء بهذا الأدب الذي يلبي احتياجاتهم النفسية والعاطفية والفكرية، ويخاطب عقولهم، ويحث مخيلاتهم، ولم نبعدهم عن قضبان القصص الخيالية والأساطير غير الواقعية، رغم أن احتياجهم الأهم في هذه المرحلة من العمر إلى أدب يعلمهم ممارسة اتخاذ القرارات والخيارات، ويمنحهم القدوة التي يمكنهم التعرف إليها وتقبلها، لمساعدتهم في مواجهة المشكلات اليومية في عصر مثقل بالارتباكات، ويحميهم من تحديات عالم يطالب الشباب بالامتثال للقيم والالتزام بقوانين، وفي الوقت نفسه لا يساعدهم على ذلك. ولا شيء مثل الأدب قادر على منح المراهق القدوة التي تشبهه وتأخذ بيده إلى عالم يستطيع العيش فيه براحة واستقرار.

ورغم كل ما تحمله مفاهيم العولمة والانفتاح والتطور العالمي وأهمية الآخر والترجمة والتبادل الثقافي، تحتاج فئة المراهقين إلى أدب وطني يخصهم ويخاطبهم باعتباره أداة قيمة وفعالة لترسيخ الهوية الوطنية، ويقربهم من بيئتهم، ويرغمهم على ممارسة التفكير بمخيلاتهم لا بمخيلة غريبة تمحق مساعي تنشئتهم على نهج آبائهم، وتشتت أفكارهم بإبعادهم عن قضاياهم المجتمعية والقدوات الحقيقية. وما دمنا لا نقدم لهم احتياجاتهم، ونكتفي بالترجمة، فنحن ندفعهم أكثر نحو حياة غير مستقرة، ونجبرهم على التفكير بطريقة تخالف الواقع المطلوب منهم معايشته، ثم نحاسبهم على التقصير في الانتماء لواقعهم والتشبه بالآخرين.

إن الأدب هو الوسيلة الآمنة لاختبار مشاعر المراهقين، والأداة الأهم لإكسابهم المعارف والتجارب، وتحسين ذاكرتهم وتطويرها، وتعلم التعاطف مع الآخرين، وكان ولا يزال يلعب دوراً مهماً في حياتهم بمساعدتهم على تحديد الصواب من الخطأ وطرق التحكم بالنفس والانتصار على الشهوات، فكيف نهمل هذا النوع من الأدب الموجه لهذه الفئة؟ وكيف نكتفي باستيراده ممن يكتبونه بأفكار لا تنتمي لنا؟ لكنها تخرج المراهق من زنزانة خيالات الطفولة لتلقي به وراء قضبان الأفكار المسمومة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"