قلعة دبا الحصن.. بوابة التاريخ الإماراتي

شاهدة على عراقة مدينتها
00:35 صباحا
قراءة 5 دقائق
إعداد: د. راشد رشود
على ضفاف الشاطئ الغربي من خليج عمان، حيث يهب نسيم الأصالة والعراقة، يدعوك إلى رحلة عبر إحدى أقدم وأشهر مدن الدولة، التي يرجع تاريخها إلى الألف الأول قبل الميلاد. هي مدينة «دبا الحصن» التي استمدت اسمها من اسم قلعتها «قلعة دبا الحصن»، المعلم الرئيسي للمدينة ومركزها، في الماضي والحاضر، وواسطة عقد الحضارات وملتقاها، وبوابة التاريخ وسجله المحفوظ.
تتبع مدينة «دبا الحصن» إمارة الشارقة، وتبعد عنها نحو 120 كيلومتراً، وهي آخر مدينة في دولة الإمارات من الجهة الشمالية على الساحل الشرقي. أما «قلعة دبا الحصن»، فهي الشاهد على عراقة وتاريخ مدينتها، التي تقع على شاطئ خليج عمان، يحدها شرقاً ساحل البحر، وجنوباً مدينة «دبا الفجيرة» وشمالاً «دبا البيعة»، وتطل عليها غرباً سلسلة جبال الحجر الغربي.
استمدت «دبا الحصن» اسمها من اسم هذه القلعة، التي تتوسط المدينة وتُعد سجلاً تاريخياً. عرفها العلماء والتجار والقادة والحكام منذ آلاف السنين، حملت تفاصيل حياة المدينة وما حولها، سكن الناس فيها ولجؤوا إليها وقت الحروب، وفيها أقاموا أسواقهم فباعوا واشتروا.
تحكي «قلعة دبا الحصن» تاريخ المدينة العريق، وتعبر عن الأحداث التي مرت بها المنطقة، كما تتميز بطابعها الهندسي وموقعها المتميز في أعلى تلال المنطقة. وتُعد من أهم الآثار في المدينة الموغلة في القدم، وقد دعمت المكتشفات الأثرية الحديثة ما ذكرته المراجع التاريخية عن «دبا» وتاريخها العريق، لتؤكد أنها من أقدم مدن الإمارات المأهولة منذ القدم.
كانت دبا معبراً لطرق التجارة الدولية، تعبرها القوافل التجارية من وإلى الجزيرة العربية والخليج العربي، فبنيت «قلعة دبا الحصن» لتكون منطلقاً لحماية المنطقة وسواحلها. بنيت القلعة من الحجارة والطين والجص، يعلوها برجان أحدهما من جهة الجنوب الغربي، والآخر في الشمال الغربي. ويتوسط السور من جهة الشمال مربعة، كما توجد مربعة صغيرة في الشمال الشرقي.
سور القلعة كان يضم أربع غرف، اثنتين في الأسفل ومثلهما في الأعلى، كما يوجد داخل القلعة بئران إحداهما في الجهة الغربية، إلى جانب البرج وبالقرب منها شجرة سدر كبيرة، والثانية من جهة الشمال الشرقي وبالقرب منها أيضاً شجرة سدر أخرى، وإلى جانبهما مسجد متوسط الحجم.
بنيت المربعة (الحصن) في الأعلى بين البرجين الغربيين في الستينات بعد تهدمهما، بهدف المراقبة والتحكم وإبلاغ السكان بالأحداث، كدخول رمضان أو العيد أو حدوث شيء مهم وعاجل، عن طريق إطلاق النار في الهواء. وتحيط بالقلعة المطلة على ساحل البحر، مجموعة من الأبراج. واستخدمت لحماية المناطق الزراعية والسواحل البحرية للمنطقة، التي شكَّلت في الماضي عصباً اقتصادياً لجميع السكان، كما في الدفاع عن الأرض والإنسان.
وللقلعة مدخلان، واحد كبير من جهة الجنوب الشرقي، وهو عبارة عن باب ضخم مصنوع من الخشب، يسمى باب «الصباح» يشرف على البحر، مسقوف من «الكندل»، وعلى جانبه جلستان. وأمام القلعة من جهة الشرق «تخوت»، وهي كراس طويلة مسقوفة من السعف «الدعن»، لجلوس الولاة والحكام في أيام الصيف لقضاء حاجات أهالي المدينة، ويحضر هذه الجلسة الوالي وعدد من الأعيان والقاضي. وكان من مهام القاضي أيضاً آنذاك الخطابة في المسجد، وفي ذلك الوقت لم يكن في «دبا الحصن» سوى جامع واحد كبير يؤمه المصلون من جميع أرجاء المدينة.
وكانت القلعة، التي تعد إحدى علامات العمارة التقليدية في الإمارات، تستخدم سابقاً سكناً للحكام والولاة الذين تعاقبوا على حكم «دبا الحصن»، ومنهم الشيخ حميد بن عبد الله القاسمي، والشيخ صقر بن عبد الله القاسمي، رحمهما الله. اكتسبت «قلعة دبا الحصن» أهميتها من كونها كانت قديماً مكاناً يلتقي فيه أبناء المنطقة بالحكام والولاة، لمناقشة كل ما يتعلق بأمور حياتهم. وقد كانت المدافع تطلق احتفالاً بالعيد عند وصول المصلين من المواطنين من المصلى، الذي كان خارج المنطقة، ولقائهم بالوالي الذي يصلي مع العسكر داخل الحصن، فيتناولون الطعام في الحصن. كما كانت مكاناً لإقامة الاحتفالات، طوال أيام العيد الثلاثة، أمام ساحة القلعة، التي يحيط بها من جهة الجنوب سوق دبا الحصن القديمة، إحدى أكبر الأسواق بالمنطقة، فيما تحيط بها من الغرب والشمال منازل أهالي المنطقة ومزارع النخيل.
وتمنح «قلعة دبا الحصن» الناظر من فوق أحد أبراجها مشهداً طبيعياً خلَّاباً للمنطقة المحيطة بها. ورغم اختفاء بعض أجزائها وملامحها الرئيسية، إلا أن بناءها الجميل المتماسك حتى الآن يعطي انطباعاً عن متانة وقوة البناء في الماضي. وكل جزء فيها ينبض بالحياة والأصالة، وتحمل بين جنباتها عظمة ومجد أجدادنا، وصبرهم على الظروف القاسية.
وفي بداية السبعينات من القرن الماضي، وأثناء رصف شارع الكورنيش تأثرت القلعة بسبب التغيرات والتطور العمراني الذي طرأ على المنطقة، وللحفاظ عليها كمعلم تراثي، أمر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بإعادة ترميم القلعة، ووجه سموه دائرة التراث بالبدء الفوري في ذلك.

«دبا» في التراث

لم يعرف بلد ويشتهر في التاريخ القديم للإمارات، كما عرفت مدينة دبا الحصن، التي اشتهرت في نفس الوقت الذي جاورتها فيه حضارات أخرى مهمة، في مدن مثل «هيلي»، و«أم النار»، و«مليحة»، و«جلفار» (رأس الخيمة). كما كانت المدينة موطناً رئيسياً للهجرات التي وفدت على الخليج العربي من اليمن، ثم زادت من أهميتها الحركة التجارية النشطة مع العالم الخارجي، وبعدها صارت قصبة (أي عاصمتها) عمان وموطن العمال ومنزل الأمراء.
وتشير آثار المدينة إلى أن استيطان الإنسان في هذه المنطقة، يعود إلى الألف الأولى قبل الميلاد، ومن الراجح أن القبائل العربية استوطنت دبا بعد انهيار سد مأرب، وهما قبيلتا الأزد القحطانية ونزار العدنانية.
وهناك رأيان حول التسمية الحقيقية لدبا الحصن، الأول يقول إن اسمها «دَبَا»، والثاني يقول «دَمَا»، وذلك لكثرة الدماء التي سالت على أرضها، وهذه التسمية غير صحيحة؛ لأن جميع المصادر الموجودة تذكر أن اسمها «دبا» بفتح حرفي الدال والباء.
أما معنى كلمة «دبا» فيقول ابن منظور في «لسان العرب»: الدبا: الجراد قبل أن يطير، وقيل الدبا أصغر ما يكون من الجراد والنمل. ودبا: سوق من أسواق العرب، ففي معجم البلدان يقول ياقوت الحموي: دبا بمعنى الجراد قبل أن يطير. وقال الأصمعي: دبا سوق من أسواق العرب وهي غير دما. وفي العهد الإسلامي فرضت «دبا» حضوراً قوياً على صفحات التاريخ، حيث يذكر المؤرخون دخول أهل «دبا» في الإسلام. كما تذكر كتب التاريخ من اشتهر من أهلها، مثل العلامة القاضي كعب بن سور الأزدي، قاضي عمر بن الخطاب رضي الله عنه على البصرة، والقائد البطل المهلب بن أبي صفرة والي خراسان.
وذكر ياقوت الحموي في «معجم البلدان» أن تاريخ شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، يحتوي على إشارات عدة تخص مدينة «دبا» كسوق عربية مهمة في الجاهلية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"