قمة العشرين.. «هدنة» الحرب التجارية

02:30 صباحا
قراءة 5 دقائق
د. رضا محمد هلال*

حبس العديد من المتخصصين ورجال الصناعة والتكنولوجيا والمال والأعمال أنفاسهم؛ انتظاراً لما تفضي إليه اجتماعات ومفاوضات قادة دول العشرين عموماً، والرئيس الصيني شي جين بينج والأمريكي دونالد ترامب بصفة خاصة، بمؤتمرهم السنوي في مدينة أوساكا اليابانية، خلال يومي 28 و29 يونيو/حزيران الماضيين؛ من قرارات وسياسات جماعية أو فردية تنظم انتقالات الاستثمارات، وحركة وأنماط التجارة العالمية في الأمد المنظور، وبما يعالج أوجه الخلل والاضطراب، التي شهدها النظام الاقتصادي العالمي، وتسببت فيها قرارات ترامب منذ وصوله للحكم في يناير/كانون الثاني 2017.
* أولاً: قمة أوساكا ومحاولة تهدئة الحرب التجارية العالمية:
غني عن البيان أن قمة مجموعة دول العشرين السنوية، يسبقها العديد من الاجتماعات والمؤتمرات للخبراء والوزراء المتخصصين في شؤون الزراعة والتجارة والمال والاستثمار والتكنولوجيا؛ بهدف التباحث والتوافق حول مجموعة من التوصيات والمقترحات التي يجري إعدادها وتجهيزها؛ للعرض على اجتماع القمة؛ لمناقشتها وإقرارها بصفة نهائية، وتحديد الجداول الزمنية والخطط اللازمة لتنفيذها. وحذت اليابان حذو الدول السابقة المستضيفة للقمة في تنظيم وترتيب هذه الاجتماعات والمؤتمرات المتخصصة التي عقدت نحو 27 اجتماعاً ومؤتمراً للخبراء والوزراء المتخصصين منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018 وحتى منتصف يونيو/ حزيران 2019، وما زال مخططاً عقد 11 اجتماعاً خلال الفترة بين يوليو/ تموز وديسمبر/ كانون الأول 2019؛ لمتابعة تنفيذ قرارات وتوصيات قمة أوساكا 2019.
لذا لم يكن من المستغرب معاناة هؤلاء الخبراء والمتخصصين والوزراء من كثافة وزيادة الضغوط التي تعرضوا لها أثناء اجتماعاتهم خلال هذه الفترة التي شهدت استمراراً من كل طرف، لاسيما الولايات المتحدة والصين، في قرع طبول الحرب والمبادرة بتنفيذ هجمات خاطفة لاستكشاف مناطق ضعف وقوة الخصم والتعرف إلى ردود أفعاله وسلوكه المستقبلي في إدارة الحرب التجارية.
وعلى الرغم من قيام الرئيس ترامب بشن أغلب هجمات هذه الحرب، والتي بدأت واستمرت مع الصين وشركاتها الكبرى، وبصفة خاصة شركة هواوي، إلا أن هذه الحرب سرعان ما امتدت للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، وفي مقدمتهم اليابان وكوريا الجنوبية وكندا والمكسيك ودول الاتحاد الأوروبي والهند وتركيا، حتى انتشرت مقولة وصفت سياسات ترامب «بالكارثية على الولايات المتحدة»، نظراً لنجاحه في حشد قدرات وإمكانات الأعداء والأصدقاء للولايات المتحدة ضد سياساته «الانتهازية». بينما أعلنت دول أخرى مثل فيتنام وماليزيا- على غير المتوقع- استفادتها من الحرب التجارية العالمية للولايات المتحدة، حيث أعلنت ماليزيا على لسان وزير المالية ليم جوان إينج، أن ماليزيا قد استفادت من إعادة توجيه سلسلة التوريد العالمية إثر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، من خلال تعزيز قدرتها التنافسية لجذب استثمارات جديدة تتفادى التعامل مع الحواجز التجارية المفروضة من قبل الولايات المتحدة والصين.
وتواكب مع ما سبق؛ قيام أكثر من 600 شركة أمريكية- ومن بين الشركات التي وقعت على الرسالة عدد من الشركات العملاقة مثل Walmart Inc وTarget Corp وأكثر من 150 مجموعة تجارية تعمل في قطاعات الزراعة والصناعات والتقنيات وتجارة التجزئة- متضررة من قرارات ترامب بزيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية بتوجيه رسالة إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب طالبته فيها بتسوية الخلافات حول التجارة مع الصين، وأعربت الشركات عن قلقها إزاء تصعيد حروب الرسوم التي اعتبرتها أداة غير فعالة لتغيير سلوك الصين غير النزيه في مجال التجارة، وحذرت هذه الشركات من أنها هي من سيتحمل الأعباء الضريبية جراء فرض الرسوم وليس الصين، وغني عن الذكر أن الشركات الصناعية الأمريكية الكبرى تعد الممول الرئيسي للحملات الانتخابية للحزب الجمهوري.
ووفقاً للاعتبارات السابقة جميعها؛ قررت إدارة ترامب اتباع ذات السياسة التي نفذتها في قمة العشرين السابقة بالأرجنتين 2018، والتي تبنت اللجوء للتفاوض الثنائي مع الجانب الصيني حول التجارة الثنائية بينهما؛ ورفض إدراج «قضية الحرب التجارية» على جدول أعمال القمة، والتركيز في اجتماعات الخبراء والمتخصصين على التوكيد على القيم الحاكمة للتجارة العالمية.
* ثانيا: قرارات التهدئة واحتمال استئناف الحرب التجارية العالمية «اتفق الرئيسان شي بينج ودونالد ترامب - في بيان صحفي لكل منهما عقب اجتماعهما على هامش قمة أوساكا - على تنفيذ هدنة بينهما يتم خلالها استئناف مفاوضات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، مع قيام إدارة ترامب بوقف المرحلة الجديدة من الرسوم الجمركية الأمريكية على البضائع الصينية والتي تقدر قيمتها بأكثر من 300 مليار دولار. وأيضاً وقف الإجراءات بحق شركة هواوي».
بناء على ما قررته الإدارة الأمريكية برفض عرض قضية الحرب التجارية الأمريكية الصينية على أجندة اجتماعات قادة العشرين، تجاهل البيان الختامي التطرق تفصيلاً لهذه الحرب، وتم الاكتفاء بالتأكيد على أهمية تعزيز التجارة الحرة وتجاوز الخلافات بين الدول الأعضاء.
غير أن توجهات العام الماضي صاحبها هذا العام عدة تطورات جديدة في بنية النظام العالمي، حيث ازدادت هذا العام رغبة روسيا والصين والهند في خلق نظام تجاري دولي متعدد الأقطاب في مواجهة النظام التجاري الأحادي القطبية الذي تهيمن على إدارته الولايات المتحدة؛ وقد تم وضع أولى لبنات هذا النظام التجاري العالمي الجديد في قمة أوساكا، والذي يرتكز على تكثيف التعاون الجاري بين روسيا والهند والصين حالياً، وبما يمكنه أن يصبح مثالاً للنظام العالمي العادل الذي يرفض سياسة الحماية والعقوبات غير الشرعية. ويطمح قادة الدول الثلاث (روسيا والصين والهند)، عقب اجتماعهم في أوساكا، إلى أن النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب يستهدف تحقيق نتائج جيدة في أهم الموضوعات المطروحة أمام أكبر المنظمات الدولية، ومنها الأمم المتحدة، وبريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومجموعة العشرين، علاوة على دعم وتعزيز مكانة منظمة التجارة العالمية.
أما التطور الثاني والمهم أيضاً فهو استقلالية الشركات الأمريكية في العمل بعيداً عن توجهات إدارة ترامب؛ حيث تتخوف بعض الشركات الكبرى من فشل الهدنة وعدم استمراريتها، وبالتالي قيام إدارة ترامب بتنفيذ المرحلة الجديدة من زيادة الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. وتعد شركة «أبل» من أبرز هذه الشركات الأمريكية العملاقة، والتي طلبت من مورديها الرئيسيين تقييم الآثار المترتبة على تكلفة نقل ما بين 15% و30% من طاقتها الإنتاجية من الصين إلى دول فيتنام وإندونيسيا وماليزيا في جنوب شرق آسيا أو الهند أو المكسيك، وذلك نتيجة النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة، وأكد مسؤولو الشركة على أن تخفيف الحظر التجاري الذي توصل له الرئيسان الأمريكي والصيني لن يؤدي إلى تغيير قرار الشركة التي ترى أن مخاطر الاعتماد على التصنيع في الصين كبيرة للغاية ومرتفعة في الأجلين القصير والمتوسط، خوفاً من احتمال استئناف الحرب التجارية الأمريكية الصينية، في حال عجز الهدنة الحالية عن تحقيق الأهداف الأمريكية كاملة ودون تقديم تنازلات ذات شأن للجانب الصيني.


*باحث وأكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"